السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"العائدون" من "داعش".. كابوس يهدد فرنسا

عملية إرهابية فى
عملية إرهابية فى فرنسا .. أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إقامة جبرية واعتقال لـ«الكبار».. دمج وتأهيل لـ«الأطفال».. فى انتظار «العائدين» 
300 امرأة فرنسية و400 طفل نصفهم أصغر من خمس سنوات فى مناطق القتال
«الداخلية الفرنسية»: 750 مقاتلاً فرنسياً تحت لواء التنظيم الإرهابى

أصبحت ظاهرة الإرهابيين العائدين من ساحات القتال فى سوريا والعراق وليبيا الكابوس الأمنى، الذى يؤرق مراكز القرار السياسى الفرنسى، إذ بات هناك تخوفُ من أن يقوم هؤلاء الشباب المشحونون بروح المواجهة العنيفة بعمليات إرهابية استعراضية للانتقام من الهزائم العسكرية التى تلقاها تنظيم داعش فى مختلف المناطق، إضافة إلى خشية الحكومة الفرنسية من أن تساهم هذه العناصر، التى لها خبرة عسكرية وجهادية فى زرع خلايا نائمة فى المجتمع الفرنسى تستيقظ وقت الحاجة.
و«العائدون» هم من انضموا إلى تنظيم داعش الإرهابى فى سوريا والعراق لأسباب مختلفة منذ 2012، وهم الآن يخرجون من صفوفه ليعودوا إلى بلدانهم الأصلية، يدفعهم إلى ذلك الوضع العسكرى السيئ جدًا للتنظيم، أما عن أسباب عودتهم فتتراوح بين من خاب أمله فيما كان يتوقعه وما رآه، وبين خائف من التنظيم نفسه الذى ينتمى إليه، إذ يكفى الخليفة أن يشك فى نية أحدهم بالعودة حتى يأمر بقتله، ومن بات يرى أن نهاية التنظيم وشيكة.

أبدى الفرنسيون تخوفهم من تكرار سيناريو هجمات باريس، فى نوفمبر ٢٠١٥، التى كان العقل المدبر خلفها هو عبدالحميد أباعود، المواطن المغربى البلجيكى، الذى التحق بصفوف داعش، قبل أن يعود إلى بلجيكا ومنها إلى فرنسا ليقود العملية الأكثر دموية فوق التراب الفرنسى منذ الحرب العالمية الثانية، موديا بحياة ١٣٠ شخصا.
ورغم الرقابة الشديدة التى يفرضها داعش من ناحية، وعقوبة السجن التى تنتظر العائدين من ناحية أخرى، صار عدد من المقاتلين الفرنسيين لا يترددون فى الاتصال بشكل مباشر بقنصليات بلادهم فى تركيا لتدبير طريقة للعودة، خاصة المقاتلين الذين اصطحبوا معهم عائلاتهم، ويوجد فى مناطق القتال فى سوريا والعراق أكثر من ٣٠٠ امرأة فرنسية و٤٠٠ طفل نصفهم عمره أقل من خمس سنوات، مما دفع رئيس الحكومة الفرنسية، برنار كازنوف، للإعلان عن مخطط لإعادة دمج أطفال مقاتلى تنظيم داعش الإرهابى بالمجتمع بعد عودتهم إلى فرنسا، لتأهيلهم للعيش بسلام بين المواطنين، ولحذف الأفكار المتطرفة التى تشربوها خلال احتكاكهم بالتنظيم.
وشدد على أن حكومة بلاده رصدت أكثر من ٤٥٠ طفلًا ولدوا من آباء فرنسيين، موجودين فى مناطق يسيطر عليها التنظيم فى العراق وسوريا، وأن هؤلاء الأطفال مع آبائهم، وتقدرهم وزارة الداخلية الفرنسية بـ٧٥٠ مقاتلا، تحت لواء التنظيم الإرهابى، مؤكدًا أن المخطط المشروع يهدف إلى حماية هؤلاء الأطفال ومساعدتهم على الاندماج مجددًا فى الحياة المدنية، والتخلص من ذكريات أجواء الحرب، التى عاصروها.

قانون الإرهاب
وبمجرد مغادرة أول المقاتلين الفرنسيين إلى سوريا والعراق، بادرت فرنسا فى سنة ٢٠١٢ إلى سن قانون يتيح مقاضاة الفرنسيين الذين ينفذون أعمالا إرهابية فى الخارج أو يلتحقون بتنظيمات إرهابية، ونص القانون على ملاحقة هؤلاء بتهمة تشكيل «عصابة إجرامية»، وهى جريمة يعاقب عليها بالسجن ١٠ سنوات، لكن مع هجمات باريس ٢٠١٥، أدخلت فرنسا تعديلات جديدة على قانون الإرهاب، واتخذت الحكومة عدة خطوات، بينها تشديد العقوبات القانونية حيث تم رفع عقوبة الانتماء إلى مجموعة إرهابية من ١٠ سنوات سجن نافذة إلى ما بين ٢٠ و٣٠ سنة.
وصارت الشرطة توجه بشكل تلقائى استدعاء لكل العائدين من مناطق الصراع، ليتم بناء على قرار القاضى وضعهم رهن الاعتقال أو المراقبة القضائية، وحتى الذين لم تكف الأدلة لمتابعتهم قضائيا، نص تعديل جديد على وضعهم رهن الإقامة الجبرية لمدة شهر ثم رفعت إلى ثلاثة أشهر، ومن بين ٢٣٦ فرنسيا تم التحقيق معهم بحلول مايو ٢٠١٦، خضع ٩٣ للإقامة الجبرية.
وبحسب صحيفة «لوموند» الفرنسية، فإن قانون الإرهاب الفرنسى الأشد فى أوروبا، وذلك بعدما لجأت فرنسا إلى اتخاذ إجراء مثير للجدل تسبب حتى فى استقالة وزيرة العدل كريستين توبيرا، يتعلق الأمر بنزع الجنسية لمزدوجى الجنسية المتورطين فى أعمال إرهابية، ويمهد هذا الإجراء لطردهم من البلاد بعد قضاء فترة عقوبتهم.
تهديد فرنسا
احتلت فرنسا موقعا مهما على بوصلة العمليات الإجرامية للتنظيم الإرهابى، فقد تبنى تنظيم داعش العديد من التفجيرات والهجمات التى وقعت على الأراضى الفرنسية، وكان من أشهرها الهجمات الإرهابية التى تمت فى الثالث عشر من نوفمبر عام ٢٠١٥، ويذكر أن هذا اليوم الدامى الذى شهدته باريس قد أسفر عن مقتل ١٣٠ شخصا وجرح ٣٦٨ آخرين، حيث هاجمت عناصر داعش مسرح باتكلان عندما كانت فرقة «إيغيلز أوف ديث ميتال» تستعد للعزف، وقام المهاجمون بتفجير الأحزمة الناسفة التى يرتدونها، فيما ادعى الإرهابيون أن هذه المجزرة هى رد على تدخل الرئيس الفرنسى السابق، فرنسوا أولاند، فى سوريا، وجاء ذلك فى عبارات رددها الإرهابيون أثناء مهاجمة المسرح.
وفى سياق سلسلة التفجيرات التى وقعت فى نفس اليوم، قصدت عناصر داعش الإرهابية، التجمع الجماهيرى الموجود فى ملعب فرنسا بـ«سان دوني» الواقعة فى شمال باريس، خلال مباراة ودية بين المنتخب الفرنسى والمنتخب الألمانى، وقامت بثلاثة تفجيرات متزامنة، بالقرب من بوابات الاستاد، وكانت تلك المباراة تحظى بتجمع جماهيرى كثيف حيث كان يحضرها الرئيس الفرنسى السابق، فرانسوا أولاند، الذى هرع هو والجمهور إلى خارج الاستاد وسادت الفوضى فى الملعب مما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات من الجمهور.
وفى الرابع عشر من يوليو ٢٠١٦، نفذ أحد عناصر تنظيم داعش عملية دهس فى مدينة نيس الفرنسية مستغلا التواجد الكثيف للمواطنين فى الشوارع للاحتفال بالعيد الوطنى، مما أسفر عن مقتل ٨٦ وإصابة ٣٠٠ شخص.
فيما ادعى تنظيم داعش أن منفذ الهجوم الذى وقع فى إبريل الماضى فى شارع الشانزليزيه أشهر شوارع العاصمة الفرنسية باريس، هو أحد عناصر التنظيم الإرهابى ويدعى أبويوسف البلجيكي، حيث قام الأخير بهجوم استهدف عناصر الشرطة الفرنسية فى الشارع الشهير ما أسفر عن مقتل شرطى وإصابة اثنين آخرين.
وعلى صعيد العمليات التى استهدفت شارع الشانزلزيه فى العاصمة الفرنسية باريس، لقى أحد عناصر داعش مصرعه فى محاولة إرهابية فاشلة قام بها التنظيم فى يونيو الماضى، بعد أن اصطدمت سيارته المحملة بالأسلحة والمتفجرات بسيارة تابعة للشرطة الفرنسية فى شارع الشانزليزيه.
فى سياق محاولات التنظيم الإرهابى استهداف الدولة الفرنسية ومحاولة إرباك السلطات الأمنية فى فرنسا، قام تنظيم داعش بالتهديد بتنفيذ عمليات إرهابية فى فرنسا لاستهداف بطولة أمم أوروبا، والتى أقيمت فى فرنسا عام ٢٠١٦ إلا أن السلطات الفرنسية تعقبت المتطرفين واعتقلت العديد من المتشددين، وأجهضت خطة داعش فى إفساد بطولة اليورو. 
وتمكن أيضا الأمن الفرنسى من إحباط عملية إرهابية استهدفت ملعب حديقة الأمراء أثناء مواجهة بين فريق باريس سان جيرمان وبوردو وحضرها حوالى ٥٠ ألف مشجع.
ولقد قام مؤخرا التنظيم الإرهابى بنشر صورة لمدرب المنتخب الفرنسى، ديديه ديشامب، على مواقع التواصل الاجتماعى التابعة للتنظيم، فيما أظهرت الصورة نية داعش فى استهداف ديشامب، حيث أظهرته مرتديا لباس الإعدام وصوبت نحوه مسدساً وكتبت تحت الصورة «عدو الله».
وبث التنظيم فى فبراير ٢٠١٥ فيديو بعنوان «رسالة إلى فرنسا» توعد فيها فرنسا بمزيد من العمليات الإرهابية والتهديدات. وفى نوفمبر ٢٠١٥، بث تنظيم داعش فيديو آخر يهدد فيه الدولة الفرنسية باستهداف برج إيفل أحد معالم العاصمة الفرنسية باريس، حيث ظهر البرج وهو يسقط على الأرض ويتحطم فى إشارة إلى نية التنظيم باستهدافه.
وفى مايو ٢٠١٧، قام تنظيم داعش بالتهديد بحرق لجان الانتخابات وكان ذلك أثناء الانتخابات الرئاسية الفرنسية، وجاء ذلك فى صحيفة التنظيم «روميه».

فرنسا «الأولى»
فى ٢٠١٤ أجرت صحفية «واشنطن بوست» الأمريكية، دراسة تؤكد أن عدد العناصر الإرهابية التى انضمت إلى تنظيم «داعش» الإرهابى من مواطنى دولة فرنسا، هم ١٢٠٠ شخص وذلك فى الفترة من أكتوبر ٢٠١٤ وحتى يناير ٢٠١٥، ليكون هذا العدد هو الأكبر على الإطلاق من بين الدول الأوروبية، بحسب تقرير وإحصائية الصحيفة. 
وأكدت نفس الدراسة التى نشرتها «واشنطن بوست» أن عدد الوافدين من فرنسا إلى داعش زاد ثلاثة أضعاف مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى خاصة ألمانيا، لأن ألمانيا تأتى فى المرتبة الثانية بعد فرنسا من حيث عدد المنضمين إلى «داعش»، ثم بعد ذلك بريطانيا وبلجيكا ونيوزيلندا والسويد وفنلندا والدنمارك والنرويج.
وفى عام ٢٠١٥ ارتفع عدد الفرنسيين المنضمين للتنظيم الإرهابى «داعش» بشكل مهول وبلغت نسبة الزيادة ١٣٠٪، وذلك بحسب تقرير صادر من المخابرات الفرنسية فى ٢٠١٥ نشرته صحيفة «لوفيجارو» الفرنسية.
وقال التقرير الصادر عن المخابرات الفرنسية: إنه منذ انتهاء عام ٢٠١٤، زاد عدد المواطنين الفرنسيين المنضمين لداعش بنسبة ١٣٠٪، وبلغ العدد فى ٢٠١٥ نحو ١٢٨١ فرنسيا منضما للتنظيم. وأشار التقرير إلى أن فرنسا تعتبر من أكثر الدول الأوروبية من حيث عدد المتطوعين الأوروبيين فى التنظيمات الإرهابية مثل «داعش».
ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد وذلك لأن عددا كبيرا من النساء الفرنسيات انضممن للتنظيم الإرهابى «داعش»، فبحسب قناة «بى أف أم» فإن أربع نساء من بين عشرة فرنسيين ذهبوا للتنظيم فى كل من سوريا والعراق وتم تجنيدهن عن طريق النت، وذلك فى عام ٢٠١٥. وأكدت القناة أنه فى عام ٢٠١٥ انضمت نحو ١٤٠ سيدة فرنسية للتنظيم الإرهابى «داعش» وذلك مقارنة بعام ٢٠١٤ الذى انضمت فيه نحو ٦٩ امرأة فقط.
أما فى عام ٢٠١٦ تراجع عدد الفرنسيين المنضمين إلى التنظيم الإرهابى «داعش»، وذلك بحسب ما قاله وزير الداخلية الفرنسى برنار كازنوف، حيث أكد أن عدد المواطنين الفرنسيين الذين سافروا للانضمام إلى تنظيم «داعش» الإرهابى فى ٢٠١٦ تراجع كثيرًا مقارنة بالعام الماضى، وذلك بسبب الخسائر التى تكبدها التنظيم خلال الفترة السابقة.
وفى مطلع عام ٢٠١٧ قل عدد الفرنسيين المنضمين للتنظيم الإرهابى «داعش» مقارنة بعام ٢٠١٦، حيث أكد رئيس وحدة تنسيق مكافحة الإرهاب فى فرنسا لويك جارنييه، أن عدد الفرنسيين المتواجدين فى «داعش» فى كل من سوريا والعراق هذا العام يبلغون ٧٠٠ مواطن فرنسى قُتل منهم ٢٣٢ عنصرا.
وهو ما أكده مؤخرًا قصر الإليزيه فى آخر إحصائية له نشرها، حيث أكد أن عدد الفرنسيين المتواجدين حاليا ضمن تنظيم «داعش» الإرهابى فى كل من العراق وسوريا نحو ٧٠٠ عنصر.
مستقبل «العائدون» 
يهدف تنظيم داعش الإرهابى بعد انحصاره فى سوريا والعراق إلى استحداث استراتيجية جديدة تقوم على توغله فى المجتمع الأوروبى والقيام باستراتيجيات التوحش التى يتبعها، وهو ما يؤدى إلى نشر الرعب فى كل مكان فى فرنسا وأوروبا بشكل عام، كم سيحاول التنظيم زيادة اندماج عناصر جديد غير معروفة وغير مراقبة من السلطات الفرنسية لتقوم بعملية نوعية كبير تستهدف الفرنسين والشخصيات العامة فى فرنسا، كعمليات الدهس وغيرها واستهداف أماكن جديدة كمنشآت رياضية ونوادى ليلية للقيام بهذه الأعمال الإرهابية وفى حالة نجاح هذه الاستراتيجية لن تنفع معها أى حلول أمنية أو مخابراتية فرنسى للتعامل معها.
من جانبه أكد الدكتور قدرى إسماعيل، عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بالإسكندرية، أن المراقب لما يحدث من خسارة تنظيم داعش فى سوريا والعراق يجد أن الخسائر كلها تقع فى الأرض ولكن الخسائر البشرية موجودة ولكن بنسبة ضئيلة للغاية، وهو ما يشير إلى أن هناك نسبا كبيرة من عناصر داعش تفر وتهرب من أماكن الصراع وبالتالى يمكن عودتها إلى دولها الأصلية فى القريب العاجل وهى تحمل نفس الأفكار المتطرفة، مشيرًا إلى أن فرنسا أحد أهم الدول التى ذهب منها مواطنون للحرب مع داعش. وأوضح إسماعيل فى تصريح خاص لـ«البوابة» أن انتهاء خلافة داعش وحلمها على الأرض فى سوريا والعراق يعنى أن التنظيم سيحاول عمل استراتيجية جديدة، والعمل كذئاب منفردة فى كل الدول التى يمكن العودة عليها، وهو ما سيهدد دول ومجتمعات وعواصم العالم بشكل كبير، مضيفًا أن الذى انضم إلى داعش عن طريق الفكر والاقتناع لن تنفع معه الحلول الأمنية فقط.
وأشار إلى التنظيم المتطرف الأكثر خطورة ودموية فى تاريخ الحركات الإرهابية المتطرفة يحاول استهداف كل الدولة التى شاركت فى التحالف الدولى وعلى رأسها فرنسا، خاصة أن فرنسا شاركت بشكل كبير فى الضربات الجوية للرقة والتى كانت أهم معاقل للتنظيم فى سوريا، مؤكدًا أن تنظيم للدولة سيستغل العديد من الشباب الفرنسى من أجل تنفيذهم عمليات إرهابية داخل دولهم.
وأضاف أن لا بد من وجود تعاون مخابراتى وأمنى على أعلى مستوى بين دول العالم وتحديد مفهوم موحد للإرهاب لمحاولة محاصرة الإرهاب فى كل الدولة، مشيرًا إلى مصر والرئيس السيسى كانوا من أوائل الدولة التى طالبت بمحاربة الإرهاب والذى تحول الآن لظاهرة تهدد دول العالم أجمع.