الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

نهاية داعش.. أسئلة ومحاذير «2»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بدون التقليل من شأن التحديات العسكرية، التى انطوت عليها عملية مواجهة التنظيم، فإن تلك المواجهة، مثلت نوع الصراع الذى يجب أن تكون الولايات المتحدة، ومعها شركاؤها المحليون، قادرة على كسبه، تمامًا مثلما أن «داعش» - ذاته- كان يمثل نوع الخصم الذى يجب أن تكون الولايات المتحدة، وكذلك شركاؤها قادرة على إلحاق الهزيمة به فى ساحة المعركة.
لذلك كله، ينبغى أن نكون حذرين من القفز إلى استنتاج مؤداه، أن هذا النجاح بالذات، هو نموذج للنجاح الذى يجب تحقيقه فى صراعات المستقبل، أو أنه يمثل دليلًا واضحًا على جهود أمريكا فى مجال «بناء الأمم» فى أماكن أخرى. بشكل خاص، يجب التأكيد على أن الظروف التى أدت إلى جعل هزيمة «داعش» أمرًا ممكنًا، غير متوافرة فى أفغانستان، أو اليمن، أو ليبيا، وأن هذا تحديدًا هو السبب الذى أدى إلى فشل الجهود الأمريكية فى تلك البلدان، المرة تلو الأخرى.
يضاف لذلك، أن هزيمة تنظيم «داعش» تفتح صندوقًا لشرور ومشكلات لا حصر لها، مثل مصير الأكراد، ورغبة الأسد فى استعادة سلطته فى ذلك الجزء من سوريا الذى طُرد منه التنظيم، ودور إيران وتركيا فى سوريا، والظهور المحتمل لمنظمات جهادية جديدة فى المنطقة. هزيمة «داعش» تمثل نصرًا واضحًا ما فى ذلك شك، ولكن لا ينبغى المبالغة فى أهميتها الأوسع نطاقًا بحال.
السؤال الرابع: هل يستحق الرئيس ترامب بعض الفضل هنا؟ نعم، ولكن أقل كثيرًا من الفضل، الذى يحتمل أن يدعيه. فخلال حملته الانتخابية الرئاسية عام ٢٠١٦، انتقد دونالد ترامب سياسات إدارة باراك أوباما تجاه «داعش» بشكل متكرر، ووعد بأن «داعش سيزول على نحو سريع جدًا إذا ما تم انتخابه». لكن استرداد الموصل والرقة، والزوال الوشيك لـ«داعش»، يثبت بالكاد صواب رأيه، لسبب بسيط، وهو أن الحملة التى هزمت تنظيم «داعش»، من تصميم وتنفيذ إدارة أوباما فى الأساس، وعندما جاء ترامب للحكم، فإنه لم يَحد عنها كثيرًا. صحيح أنه منح القادة العسكريين سلطة أكبر، إلى حد ما، للتصرف من تلقاء أنفسهم فى ميادين القتال، ولكنه لم يخصص لهم موارد إضافية كبيرة، كما لم يغير فى الاستراتيجية الرئيسية لإدارة أوباما، فى التصدى للتنظيم. على أن ترامب، وفى جميع الأحوال، يستحق الفضل، على الأقل، لتمسكه بالنهج الذى ورثه، والذى ربما سارع من وتيرته بعض الشيء، ولكنه إذا ما كا صادقًا حقًا، فإنه يجب أن يمنح سلفه الكثير من الفضل أيضًا (وهو ما لن يفعله حسب اعتقادى).
السؤال الخامس، هل يمثل سقوط الرقة نقطة تحول رئيسية فى الحملة ضد «التطرف العنيف»؟ من المبكر جدًا أن نقول ذلك. أو نحن لن نعرف الإجابة على هذا السؤال، وهو أمر لا يمثل مشكلة بالنسبة لى. واستكمالًا لما تقدم، أقول إن الأمر المؤكد هنا، هو أن هزيمة التنظيم قد قوضت جدوى التكتيكات العنيفة التى يلجأ إليها، وتلجأ إليها الجماعات المتطرفة الأخرى، مثل «القاعدة» على سبيل المثال... دعونا نأمل ذلك.
فى المدى القصير، على الأقل، لا أحد يعتقد أن هزيمة «داعش» ستزيل خطره تماما. وكما جاء فى تقرير لصحيفة نيويورك تايمز قبل بضعة أيام، فإن «التنظيم أبعد ما يكون عن الهزيمة، ولا يزال أقوى بكثير اليوم، مما كان عليه عندما انسحبت القوات الأمريكية من العراق». وفى هذا السياق، حذر «أندرو باركر»، رئيس جهاز الاستخبارات البريطانية الداخلية «إم آى ٥» مؤخرًا، من أن التهديد الذى يمثله داعش «متعدد الأوجه، ويتطور بسرعة، ويعمل بوتيرة لم نرها من قبل».
ولا تزال المشكلة الرئيسية التى تؤثر على الشرق الأوسط الأوسع نطاقًا، هى الافتقار إلى مؤسسات سياسية فاعلة، وهى مشكلة تفاقمت بسبب التدخل المتكرر، وأحيانا العنيف، فى المنطقة، من قبل مختلف القوى الأجنبية (بما فى ذلك الولايات المتحدة). وهذا الأمر ينطبق على مصر، وليبيا، والعراق، وسوريا، واليمن، والصومال، وأفغانستان، وأجزاء من إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
فعلى مدى أكثر من عقدين من الزمن، كانت الاستجابة الأمريكية الرئيسية للإرهاب، تتمثل فى قرع ناقوس الخطر، وتضخيم التهديد، والاستجابة باستخدام القوة، على الرغم من أن الخطر الفعلى الذى يشكله الإرهابيون على الأمريكيين العاديين، ضئيل للغاية، إذا ما قورن بالمخاطر الأخرى. وهذا النهج لم يؤد، فحسب، إلى توريط الولايات المتحدة فى صراعات مفتوحة، فى العديد من الأماكن، بل ساعد أيضا على تسميم سياستنا، وصرف أنظارنا عن التهديدات الأكثر خطورة (مثل المعدل المروع لعنف الأسلحة - بما فى ذلك إطلاق النار الجماعي، فى الداخل).
أرجو ألا تسيئوا فهمى: فأنا سعيد لأن «داعش» يتجه نحو مكانه الطبيعى فى مزبلة التاريخ، ولكن هذا لا يحول دون أن أقول إنه لا يزال هناك نقاش، يتعين علينا الانخراط فيه، حول الكيفية التى يجب أن تعالج بها الولايات المتحدة، والدول الأخرى، هذه المسألة فى مستقبل الأيام.
الترجمة نقلًا عن «الاتحاد الإماراتى»