الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

عميد الأدب ردا على اتهامه بالصهيونية: لا یضر البحر أمسى زاخرًا

طه حسين
طه حسين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كعادة الصهاينة في إشعال الفتن، أثارت دولة الاحتلال الإسرائيلي، عبر صفحتها الموجّهة للعرب على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك "إسرائيل تتكلم بالعربي"، منشورًا تزعم فيه زيارة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين إلى الجامعة العبرية في ذكرى رحيله الأربع والأربعين، في محاولة جديدة لتشويه واحد من رموز الثقافة العربية.
وكتبت الصفحة: "خاض الدكتور طه حسين وطوال مسيرته التنويرية معارك على كل الجبهات جراء أفكاره الجريئة والفكر المتحرر بعيدًا عن تسييس العلوم، وهو ما جعله عميدًا للفكر العربي المتحرر الليبرالي بلا منازع". ونسبت الصفحة أيضًا إلى عميد الأدب العربي قوله "إن اليهود العرب تم التنكيل والإساءة إليهم في الكثير من الحوادث ومجريات التاريخ العربي رغم أنهم أبرياء". 
المنشور الذي أثارت به الصفحة التابعة لوزارة الخارجية الإسرائيلية لم يذكر الفارق الكبير في موقف الدكتور طه حسين ودعمه لليهود وبين موقفه الرافض تمامًا لإقامة دولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، فلم تُشر إلى دفاعه عن القدس من خلال العديد من المقالات، منها مقال نُشر في مجلة كوكب الشرق بعنوان "فلسطين"، بعد تظاهرة للشباب الفلسطيني عام 1933، استشهد فيها 12 فلسطينيًّا.
مزاعم قديمة
مزاعم دعم عميد الأدب العربي للصهاينة ليست جديدة، فقد سبق أن اتهمه البعض بتوثيق علاقته ودعاة الفكر الصهيونى، سواء في بعثته الفرنسية أو خلال فترة تألقه بين الجامعة والوزارة والمجمع اللغوي في مصر، حيث زعموا اتصاله بجماعة المستشرقين اليهود الذين كانوا يسيطرون على جامعة السوربون الفرنسية، مستشهدين بعلاقته بأستاذه اليهودي دوركايم، باعتباره المشرف على رسالته للدكتوراه عن الفلسفة الاجتماعية عند ابن خلدون، لكن الأستاذ الفرنسي كان قد توفي قبل مناقشة الرسالة، وأكمل الإشراف عليها أحد تلاميذه، وكانت نظريته قائمة على أن العدالة الاجتماعية والتضامن الاجتماعى كفيلان بالقضاء على الصراع الاجتماعى وتحقيق الاستقرار فى المجتمع، كذلك اعتماده على نظرية اليهودي الفرنسي مرجليوث في كتابه "الشعر الجاهلى"، وأيضًا إشرافه على رسالة الدكتوراه التي تقدم بها الباحث اليهودي إسرائيل ولفنسون إلى الجامعة المصرية، وكانت أطروحة ولفنسون تدور حول اليهود فى البلاد العربية، وكانت الرسالة سببًا في هجوم الدكتور فؤاد حسنين أستاذ اليونانية بجامعة القاهرة، وصاحب كتاب "التوراة الهيروغليفية"، عليه، بقوله: "إن معظم ما أورده إسرائيل ولفنسون وأعانه الدكتور طه حسين المشرف، إنما هو كل ما أرادت الصهيونية إذاعته من آراء فى هذا البحث، وكان حلقة من حلقات الدعاية الصهيونية"، بينما رسالة الدكتوراه هذه أشرف عليها اثنان هما الشيخ عبدالوهاب النجار الأزهري المعمم، وطه حسين، وقد نشرتها لجنة التأليف والترجمة والنشر في كتاب، وهي اللجنة التي ضمت علّامة مثل أحمد أمين، والد الكاتب والمفكر جلال أمين.
وتأتي أغلب مزاعم الهجوم على عميد الأدب العربي واتهامه بمُحاباة الصهيونية، في الوقت الذي لم تكن فيه دولة الاحتلال الإسرائيلي قد أعلنت قيامها بعد، وأنه كان يتعامل مع فلسطين باعتبارها أرضًا عربية تقع تحت سيطرة الانتداب البريطاني الذي كان يحتل مصر في ذلك الوقت أيضًا؛ كما أنه يرجع إلى خلط الكثيرين بين اليهودية كديانة، والصهيونية كحركة سياسية فاشية، حيث يرى هؤلاء أن كل يهودي هو صهيوني بالضرورة ويؤيد ما تقوم به العصابات الصهيونية في فلسطين، ما يتنافى مع وجهة النظر التي تبنّاها كبار المفكرين في ذلك العصر، ومنهم طه حسين وشكيب أرسلان وجورجى زيدان ورشيد رضا، فجميعهم كان يفرق بين اليهودي واليهودية كديانة، وبين الصهيوني والصهيونية كحركة سياسية وفكرية.
أرض عربية تحت الانتداب:
ومن دلائل تعامل عميد الأدب العربي مع الأراضي المحتلة باعتبارها أرضًا عربية تحت الانتداب لا اعترافًا بالوجود الصهيوني، ما روي عن تفوق طالب اسمه حسن ظاظا فى اللغة العبرية- بعد أن أدخل طه حسين إلى الجامعة دراسات اللغات الشرقية- وكان من حقه أن يحصل على بعثة لاستكمال دراسته، فطلب طه حسين أن تكون بعثته إلى الجامعة العبرية بالقدس، فجاءه مدير البعثات وقال له إن هذا مخالف للقانون الذي يحدد البلاد التي تذهب إليها البعثات، فقال له طه حسين: اقرأها علىّ، فقال: إنها فرنسا وألمانيا وبريطانيا"، فقاطعه طه حسين وقال له "قف واقرأ مرة أخرى"، حتى وصل إلى بريطانيا، فطلب منه التوقف، وقال له "بريطانيا يعني إيه؟ يعني الإمبراطورية، وهي تشمل البلاد العربية الداخلة تحت سيطرتها، ومنها فلسطين التي هي تحت الانتداب البريطاني، وبالتالي فإنها تدخل فى نطاق الإمبراطورية، إذن فالبعثة إلى القدس قانونية".
وبينما كان الكثيرون يهاجمون زيارة عميد الأدب العربي للمدارس الإسرائيلية في الإسكندرية عام 1943، وإلقاءه محاضرة عن دور اليهود فى الأدب العربى، والتي أشارت إليها مجلة "الشمس" اليهودية التي كانت تصدر باللغة العربية بقولها "حفلت المدارس الإسرائيلية بالإسكندرية بعدد زاخر من أفاضل أهل الإسكندرية لحضور المحاضرة القيِّمة التى ألقاها عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين، وحضرها سيادة الحاخام ابراتو والحاخام فنثورا، وقد قوطعت فى كثير من مواضعها بعاصفة من التصفيق، وأعلنت المدارس الإسرائيلية عن جائزة خُصصت باسم الدكتور طه حسين تعطى سنويًّا للفائز الأول والفائزة الأولى فى اللغة العربية"، تناسى المهاجمون أن المحاضرة رصدت لحظات الالتقاء والتعايش بين اليهود والمسلمين والعرب فى جميع عصور الحضارة العربية، وفي الوقت نفسه انطلق طه حسين من القضية الفلسطينية، مؤكدًا حق الفلسطينيين في أرضهم واغتصاب الصهاينة لهذه الأرض، وكذلك هجومه الحاد على الساسة الأوروبيين، والحضارة الأوروبية بصفة عامة؛ لكونها تريد ترسيخ الديمقراطية في بلادها، وترفض ذلك وتتجه إلى العنف والسلاح في التعامل مع الدول الأخرى غير الأوروبية، وإشارته إلى ضلوع الاحتلال الإنجليزي في تحقيق حلم الحركة الصهيونية بتمكين الصهاينة من أرض فلسطين.
كل هذا الهجوم وتتابع الأحداث دعا مجلة "الاثنين" التي كانت تصدر عن دار الهلال، إلى توجيه سؤال لوزير المعارف الأسبق في 18 أكتوبر 1945 وهو: "يقولون عنك إنك تعمل على مساعدة الصهيونية فماذا تقول؟" فكان ردّه منشدًا قول الشاعر "لا یضر البحر أمسى زاخرًا... أن رمى فيه غلام بحجر".
النمنم ودفاعه عن طه حسين
وردًّا على كل هذه الهجمات التي عادت إلى الانتشار في الأعوام السابقة، كان الكاتب الصحفي حلمي النمنم، وزير الثقافة، قد أصدر كتابًا بعنوان "طه حسين والصهيونية"، دافع فيه عن عميد الأدب العربي، ووصفه بأنه كان داعمًا للسلام والتعايش، مؤكدًا أنه لم يجامل اليهود أو الإسرائيليين على الإطلاق؛ وأنه طالب في مختلف مواقفه السياسية بإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، وتحميله الغرب مسئولية ما جرى بها من تطورات سلبية.
وجاء كتاب النمنم من بابين، أولهما قدّم صورة لحياة طه حسين وحياته وفكره، والمعارك التى خاضها؛ أما الباب الثاني الذي حمل عنوان "الصهيونية وفلسطين عند طه حسين" فتناول دلائل اهتمام عميد الأدب العربي بهذه القضية، وأشار إلى أن أرشيف طه حسين يكذّب ادعاءات عدم الالتفات إلى القضية الفلسطينية، حيث نشر وكتب كثيرًا عن قضية فلسطين، كذلك أشار إلى موقفه الصريح في حوار مع سامح كريم فى مجلة الإذاعة والتليفزيون، حيث قال: "لا توجد حضارة لإسرائيل حتى نواجهها، وبالتالى لا توجد لها حضارة تصارعنا، وإنما يوجد استخدام واستغلال من جماعة اليهود الوافدين من الغرب المستغلين لحضارة هذا الغرب"، كما نقل النمنم مقالة عنوانها "غريب" كتبها وزير المعارف الأسبق عن صديقه الكاتب الفلسطيني محمد علي الطاهر، الذي هرب من تعنت الاحتلال البريطاني وحاول العودة إلى بلاده لزيارة أمه فمنعته سلطات الاحتلال "فما يكون الرجل من أهل فلسطين غريبًا في مصر، وما ينبغي أن يكون الرجل من أهل مصر غريبًا في فلسطين".
وبيّن النمنم أن طه حسين نشر أكثر من مقالة عام 1945، وهو العام الذي أنشئت فيه جامعة الدول العربية، وانتقد فيها موقف الجامعة من قضية فلسطين ووصفها بأنها "لا تفعل شيئًا سوى إصدار البيانات والتصريحات، فيما تطالب الجماعات الصهيونية علنًا بإقامة دولة لهم على أرضها"، وأن "الجامعة لم تعالج أمر فلسطين بما يستحق من العزم والحزم والصرامة وبما يلائم ما تضطرب به النفوس العربية في جميع الأقطار"، وفي العام التالي، وتحديدًا في 10 مارس عام 1946 نشر مقالة أخرى في صحيفة "البلاغ"، اعتبر فيها فلسطين "مسرحًا لهذا الصراع الهائل بين باطل الصهيونية وحق العرب، وبين تسلّط الاستعمار وحق العرب"، كذلك ضم الكتاب مقالة عنوانها "الصلح مع إسرائيل" نشرت في 4 يونيو 1956 في صحيفة "الجمهورية" التي كان الرئيس الراحل أنور السادات مديرها العام آنذاك، وقال فيها "الصلح مع الظالمين إجرام ما دام ظلمهم قائمًا. الرضا بقصة فلسطين وظلم إسرائيل وأعوانها هو مشاركة في الإثم".