الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

البطريرك.. 5 سنوات مع الآلام

البابا تواضروس الثانى-
البابا تواضروس الثانى- بابا الإسكندرية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
خلف البابا الأكثر شعبية فى تاريخ الكنيسة المصرية «شنودة»، اُختير فى ظل ظروف صعبة يواجهها الوطن، حمل مسئولية كبيرة وأثبتت الأيام حكمته وتعامله بحنكة مع قضايا داخلية صعبة مرت بها مصر فى عهد «الإخوان»، احتوى المعارضين قبل المؤيدين واستمع لمطالبهم، أصبح سفيرًا لبلاده فى الشرق والغرب، ملفات شائكة اقتحمها البابا تواضروس، وعالجها بذكاء فى الكنيسة الأرثوذكسية بإطلاق «دستور للإصلاح» وأعاد لمتضررى الأحوال الشخصية حقوقهم، تحاور مع الطوائف الأخرى، وتواصل مع أقباط المهجر لدعم مصر، حتى الأطفال شملهم برعايته، وما زال يقف مع بلاده داخليًا وخارجيًا فى حربها ضد الإرهاب.

المجدِّد.. صاغ دستورًا لإصلاح الكنيسة
وضع لوائح وقوانين تضبط أداءها.. وقدم حلوًل لمتضررى الأحوال الشخصية
قاد الكنيسة لمواكبة العصر واستحداث طريقة لصناعة «الزيت المقدس»
«ترتيب البيت من الداخل».. شعار رفعه البابا تواضروس الثانى- بابا الإسكندرية- فى أول تصريحاته عقب توليه السدة المرقسية، ورغم الملفات المليئة بالمشكلات العالقة لسنوات طوال؛ فإنه تمكن من تقديم الدواء لعلاج هذه المشكلات.
الأحوال الشخصية
الأحوال الشخصية- حسبما سمّاها البابا الراحل شنودة الثالث- شّكلت صداعًا فى رأس الكنيسة لسنوات عدة دون حل فى ظل عدم السماح بالطلاق إلا لعلة الزنى، ما أدى لتراكم الملفات بالمجلس الإكليريكى صاحب القول الفصل فى أحقية الطلاق كنسيًا، ومنح تصريح زواج ثانٍ.
جاء البطريرك الحالى «تواضروس الثاني» بوعود صريحة، بأنه سيريح المتعبين من تلك الأزمة ولينتظر المتضررون ويترووا قليلًا ليروا انفراجة أو بصيصًا للأمل، وبالفعل عكف المجمع المقدس للكنيسة على دراسة اللائحة وسيمنارات للمناقشة، وأخيرًا أقروا تعديلات جديدة تفتح باب الأمل للمتضررين.
لم يكتف البابا بإقرار لائحة تزيل الأعباء عن كاهل المضارين من هجر أو فرقة أو غياب زوج أو عجز ومرض ليس له علاج، ليكونوا سببًا فى الانفصال، بينما أعاد هيكلة المجلس الإكليريكى المعنى بالفصل كنسيًا فى الأحوال الشخصية؛ وأصدر فى يوليو ٢٠١٥، ٦ قرارات منفصلة بشأن تشكيل المجلس الإكليريكى الذى بدأ عمله من تاريخ الإصدار، ومن المقرر أن يسند إلى التشكيلات الجديدة مهام المجالس الإكليريكية لمدة ثلاثة أعوام قابلة للتجديد.

«الميرون» على الطرق الحديثة
وضع الكنيسة على طريق التجدد الدائم ومواكبة العصر باستخدام التكنولوجيا الحديثة، رغم محاولات عرقلة المسيرة، قام البابا باستحداث طريقة لصناعة «الميرون» الزيت المقدس- الذى يستخدم فى دهن الكنائس الجديدة للمباركة- بجلب الزيوت العطرية المكونة للتركيبة من أماكن مؤتمنه وبشهادات مضمونة، بدلا من استخلاص الزيوت من الزهور بالطريقة القديمة والتى تستنزف الوقت والمجهود ولا تخرج بكفاءة وجودة استخراج العطر من شركات متخصصة، وتلاوة الصلوات والقداسات المعروفة والمتبعة عليه.
دستور وقوانين
اتخذ البطريرك طريق إعداد دستور لإدارة الأمور بالكنيسة، ولعل حزمة اللوائح الداخلية المنظمة لغالبية الأمور الكنسية، كانت فى أجندة البابا وأولوياته، واهتم بوضع القوانين المنظمة للعمل الكنسى.
لوائح لتنظيم العمل الكنسى
بعد تكليف لجان من المجمع المقدس ومشاركة قانونيين، أعدت الكنيسة ثلاث لوائح، هى: لائحة الكهنة، ولائحة الرهبنة، ولائحة مجلس الكنائس القبطية الأرثوذكسية، وطرحت على المجمع المقدس للتصويت بعد الدراسة.
لائحة الكهنة حظرت ترشح المرأة للالتحاق بالسلك الكهنوتي، وضمت ١٢ مادة، تنظم عملية الترشح للسلك الكهنوتى ومهام رجال الكهنوت المسيحيين، والمكافأة المالية التى يحصل عليها هو وأسرته، وطريقة مساءلته وتجريده من الرتبة الكهنوتية، كما حددت الحد الأدنى لراتب القس بـ١٥٠٠ جنيه بخلاف المكافآت والبدلات- لتكون مواكبة لظروف الحياة.
كما تضمنت اللائحة أمرا غاية فى الأهمية، وهى فحص المرشحين للالتحاق بالسلك الكهنوتى طبيا ونفسيا، وتقديم إقرار ذمة مالية، وإلحاق الكاهن الجديد بمعهد إعداد الكهنة إجباريا خلال أول عام لسيامته، وإلزام الكاهن بتقديم تقرير دورى لقياس أدائه للإيبارشية التابع لها.
ولائحة شئون الأديرة حددت معايير الاختيارات للأمور الديرية والمشرفين والأمناء وغيرها وتوضح مهام كل منهما، أما لائحة الرهبنة وإقامة مدارس للرهبان وتنشيط الدور البحثى والعلمى للأديرة، ولائحة الانضباط الرهبانى التى تشتمل على ٣ طرق لمحاسبة الرهبان، وتم إصدار لائحة مجالس الكنائس، والتى نصت ولأول مرة على إشراك المرأة والشباب فى عضوية مجالس الكنائس الأرثوذكسية فى مصر وخارجها.
ولم يقف عند هذا الحد، لكن أعد لوائح للمرتلين وغيرهم تنظم أعمال الكنيسة من الصغير إلى الكبير، وصولا إلى لائحة البطريرك وتعديلات اللائحة المعروفة بـ«٥٧» لاختيار البطريرك، ووضع نصوص جديدة بعدما دأب لسان العلمانيين لسنوات طويلة مطالبين بتعديلها.
وفى ضوء اهتمامات البابا تواضروس، أصبح متابعًا جيدًا لمواقع التواصل الاجتماعى والأخبار، ويرد على رواده وسائليه من أبناء الوطن والكنيسة، وأكد أن بابه مفتوح للجميع وأولى اهتماما، خاصة بالشباب الكنسى فعقد لقاءات عدة مع الخدام والخادمات وغيرهم، بل وصل إلى دعوة معارضيه أو منتقديه للقاء، ليسمع إليهم ويسمعوا إليه، وتبادل معهم أطراف الحديث، ولذا حاول جاهدًا احتضان الجميع دون لفظ أحد- وبسؤاله دائمًا عن المقارنة بينه وبين البابا الراحل، كانت إجابته المعهودة، إننى تلميذ فى مدرسة البابا شنودة، لا سيما أن لكل عهد رجاله ولكل عصر مقوماته، والله يختار لكل عصر من يخدمه.

التعليم والكنيسة
أولى البطريرك اهتمامًا خاصًا بالتعليم للصغار والأطفال داخل الكنيسة القبطية وشكل لجنة لتطوير التعليم، كما استطاع تجديده بالكلية الإكليريكية واستعان بأساتذة متخصصين فى الجامعات وأدخل أقسامًا جديدة تفيد فى المجال الخدمى بصورة خاصة والعام والمجتمعى بصورة أشمل.
تقول الدكتورة عايدة نصيف، أستاذ الفلسفة بالكلية الإكليريكية ونائب رئيس قسم العلوم الإنسانية، إن البابا يضع أمامه ثلاثة أمور «الله، والإنسان، والعالم» برؤية إيجابية تتفق مع التعليم الأرثوذكسى وثقافة العالم المعاصرة، وله رؤية تجديدية تتفق مع روح الإنجيل والتقليد الكنسى والتاريخ المسيحى، آملًا أن يُنشر مفهوم التنوير من خلال التصور المسيحى ونستطيع أن نلمس ذلك من خلال مواقف عدة.
وأضافت لـ«البوابة»، أنه أخذ على عاتقه الاهتمام بالتعليم فى الكنيسة بصفة خاصة وبالبحث العلمى بصفة عامة؛ فقد قام بدعوة كل الأكاديميين والأساتذة بالجامعات المصرية فى لقاء مفتوح فى أول ٢٠١٣، وهو يعد أول لقاء يقوم به بابا الكرسى المرقسى لسماع رؤى وأفكار الأكاديميين من أبناء الكنيسة فى معظم جامعات مصر.
وتابعت: «إن البابا استمع لنا فى طرح أفكار ورؤى لتطوير التعليم فى الكنيسة، وكان قداسة البابا يسمع ويحاور بكل اهتمام وحب، بل خرج من اللقاء بتوصيات للاستعانة بكل من يريد المساهمة فى خدمة الكنيسة».
وأشارت إلى أنه اللقاء الأول فى تاريخ مصر المعاصر، الذى يجمع أساتذة وعلمانيين مع البطريرك ليستمع إلى رؤاهم ومشاريعهم الفكرية للكنيسة والوطن، وذلك يُعد فى اعتقادى إرساء لمشروع إصلاحى للكنيسة المصرية وتجديدًا لها.
وتابعت: «إن البابا دعا إلى المؤتمر الأول للكليات الإكليريكية لتنمية مهارات الأستاذ الإكليريكى على مستوى إكليريكيات مصر، والتنمية كانت تشتمل على الاتصال الفعال فى العملية التعليمية وتنمية مهارات التفكير بما يواكب العصر، بل وتنمية مهارات البحث العلمى بهدف رفع كفاءة الأستاذ الإكليريكى، وبهدف تخريج طلاب قادرين على مواجهة التحديات، ونجح المؤتمر فى توحيد المناهج بنسبة تسعين بالمائة، وبدأت الكليات بالفعل تطبيق التوصيات التى خرج بها المؤتمر منذ أكثر من عام».

عندما خرج البابا عن صمته للمرة الأولى عام ٢٠١٦
البابا «تواضروس»: الاعتداءات الطائفية أقل من حرق الكنائس.. وطالبت أقباط المهجر بوقف التظاهرات
المرة الأولى التى أعلن فيها البابا تواضروس عن قلقه عن وضع المسيحيين فى مصر، بعد الاعتداءات الطائفية فى محافظتى المنيا وبنى سويف، قال البابا آنذاك فى لقائه بالنواب: «إن الاعتداءات على المسيحيين التى نسمعها يوميا، وأنا أحاول أن أكون صبورا لدرجة كبيرة، فالأحداث وصلت لمرحلة الخطر وتحتاج لتضافرنا جميعا».
وكشف البابا خلال لقائه مع أعضاء من مجلس النواب وقيادات ائتلاف دعم مصر، فى ٢٤ يوليو ٢٠١٦ بمقر الكاتدرائية، عن تقرير حول أن الاعتداءات تشير إلى وقوع ٣٧ حادث اعتداء ضد الأقباط فى المنيا فقط، خلال ٣ سنوات بمعدل اعتداء كل شهر، وتابع: «دوركم كمجلس نواب قبل الشرطة والكنيسة، دوركم أولى تماما وأنتم أدرى فى أمور السياسة والجغرافيا، فدول كتير فيها حروب وخراب، بس إحنا بلادنا ما يحصلش فيها كدا، الكلام لوحده مش هيكفى لازم فعل ومؤثر فى الحياة»، واختتم: «إحنا فى إيدينا نعمة وهتضيع مننا».
وقال البابا: «إن هناك حكاما تعاقبوا على مصر وهدمت الكنائس فى عهدهم، ولا يمكن اعتبار المسيحين فى مصر أقلية حتى ولو كان عددهم صغيرا، والنسيج الوطنى فى هذه اللحمة والتركيبة الفريدة بين المصريين عمره قرون طويلة، ويؤسفنا جميعا أن هذه الصورة الفريدة تتشوه بالأحداث والاعتداءات، وهى مسئوليتنا أمام العالم وأمام أنفسنا وأمام مستقبل أولادنا.
أقباط الخارج
وأكد البابا أنه خاطب أقباط المهجر وأرسل للكنائس القبطية فى أمريكا يطلب وقف المظاهرات ضد أحداث المنيا، والتى دعوا لتنظيمها أمام البيت الأبيض، وقال البابا للنواب: «أقباط المهجر حتى الآن فى منتهى الدعم لمصر، وأرسلت لهم فى كنائسنا بأمريكا مباشرة.. مفيش مظاهرات تتعمل، وأعلم أن مش كلهم هيسمعوا الكلام».
وتابع البابا، فى المنيا تخرج مجموعات مؤججة بعد صلاة الجمعة وتتجه لحرق بيت بدعوى أنه كنيسة، وهى ليست جريمة اجتماعية بل اعتداء مقصود، ودعا البابا إلى تسمية الأشياء بمسمياتها لنبدأ العلاج، وقال: «أرجو أن يلفت ذلك نظركم، لماذا غضب الأقباط من الاعتداءات الصغيرة الآن بينما صمتوا أمام اعتداءات أغسطس ٢٠١٤»؟
واستكمل البابا: «التزمنا الصمت بعد حرق كنائسنا عقب أحداث فض اعتصام الإخوان في ميدان رابعة العدوية، وكنا مدركين كمسلمين ومسيحيين جميعًا أننا نواجه عدوا، أما الحوادث التى تحدث حاليًا أقل حجمًا مما جرى من حرق الكنائس، ولكن الغضب فى الشعب القبطى أكبر بكثير، فلماذا؟ أنا أترك لكم الإجابة».

5 مرات بكى فيها
عرف البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية بابتسامته الصافية، والتى تدوى فى حضرة الأطفال، لما يكنه من حب شديد لهؤلاء الصغار، وطالما أخفى الأحزان داخله إلا فى ظروف جعلته يخرج عن المعتاد، لتنهمر عيناه بالدموع إما شعورًا بالمسئولية أو حزنا على الأوضاع.
عصا الرعاية
فى خمس سنوات باباوية رصدت «البوابة» المرات التى خرج فيها البابا عن المعتاد، وظهرت دموعه أمام الجميع، ولعل أولها يوم تسلم عصا الرعاية الباباوية فى أكتوبر من عام ٢٠١٢، حينما سلّم الأنبا باخوميوس القائم مقام البطريرك- آنذاك- ما يعنى تولى البابا المسئولية والمهام لرعاية الأقباط فى الداخل والخارج، ليكون خليفة مار مرقس الرسول كاروز الديار المصرية.
أعباء ومسئولية كبيرة أضيفت على عاتق الأنبا تواضروس، مع الدقيقة الأولى التى تم الإعلان فيها عن فوزه بمنصب البطريرك، وأصبح بابا الكنيسة الأرثوذكسية الـ١١٨ فى يوم ٤ نوفمبر ٢٠١٢، مع تسلمة عصا الرعية بعد تجليسه على كرسى مارمرقس.
وتعُد كلمات الأنبا باخوميوس حافزا لدموع البطريرك للمرة الأولى أمام الكاميرات حينما قال له: «فى هذا اليوم نسلم الفرح لقداسته، وإن كان الله استخدمنا الفترة الماضية لكى نتحمل مسئولية العمل بصلواتكم وأصوامكم، الرب صنع معنا عظائم كثيرة إلى أن أتى بنا إلى هذا اليوم المبارك، نرجع بعدها إلى إيبارشياتنا صغارا تحت أقدام قداسة أبينا البابا تواضروس، أقولها من قلبى سأصير له ابنا وخادما وتحت قدميك».
رحيل والدته
والمرة الثانية فى مارس ٢٠١٤ غلبت البطريرك دموعه حال وقوفه أمام «صندوق» يحمل جثمان والدته فى صلاة الجنازة والوداع، ترأس بابا الكنيسة تواضروس الثانى الصلاة فى ثبات بالكاتدرائية المرقسية بالإسكندرية، وسرعان ما أجهش بالبكاء لرحيل والدته بالجسد، واستكمل الصلوات، ولم يشارك أفراد أسرته تشييع الجثمان إلى مثواه الأخير بمدافن القديسة دميانة، بينما اقتصر على تلقى العزاء وصلاة الثالث على روحها بالكنيسة ذاتها.
تفجير البطرسية
وخلال زيارة البابا تواضروس الثانى فى أثينا ووسط صلوات القداس الإلهى بلغه خبر تفجير الكنيسة البطرسية وسقوط عدد من الشهداء، فلم يستجمع البابا قواه أمام الألم وتساقطت دموعه على الهيكل وسط الصلاة- وقطع الزيارة عائدًا للقاهرة، ليسجل المرة الرابعة فى ١٢ ديسمبر ٢٠١٦ خلال صلاة الجنازة على أجساد شهداء حادث تفجير البطرسية، وقف البطريرك بكنيسة العذراء بمدينة نصر- متكئًا على عصا الرعاية، بين الصناديق ووسط الألحان وقراءة الإنجيل انهمرت عيناه بالبكاء قائلًا: «لتكن لاَ إِرَادَتِى بَلْ إِرَادَتُكَ»؛ ولم يستطع التحكم فى سيل الدموع من عينيه حزنًا على الأطفال والنساء والشباب الذين راحوا ضحية أعمال إرهابية غاشمة.
وفى أعقاب الصلاة شيع الجثامين فى جنازة رسمية للشهداء، تقدمها الرئيس عبدالفتاح السيسى وقيادات الدولة ومختلف الشخصيات العامة، ووقتها أعلن عن مرتكبى الحادث الإرهابى الغادر.
تفجير طنطا
وتسجل المرة الرابعة للدموع فى عيون البطريرك - حينما كان يصلى القداس فى الكنيسة المرقسية بالإسكندرية إبريل ٢٠١٧، والتى وقع خارجها تفجير بعد دقائق من تفجير كاتدرائية مارجرجس بطنطا، وراح على إثره عدد من الشهداء، فلم يتماسك البطريرك من ذهول الموقف وغلبت الدموع ثباته، ليدعو الله بالسلامة للبلاد شعبا وكنيسة ومؤسسات.
وإن كان البطريرك يتحمل الكثير من الهموم والآلام داخل قلبه دون تعبير عنها، لكن تغلب المواقف الطباع وتدعو العيون للدموع تعبيرًا عن انفطار القلب حزنًا.
الأنبا كيرلس
ولعل المرة الخامسة فى أغسطس ٢٠١٨، حينما ترأس صلاة الجنازة على جثمان الأنبا كيرلس، مطران ميلانو وتوابعها بإيطاليا، أجهش البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، بالبكاء،على المطران الذى توفى بشكل مفاجئ عن عمر ناهز الـ٦٥ عاما، بعد أن قضى ٣٨ عامًا فى الحياة الرهبانية، منها ٣١ سنة أسقفًا ثم مطرانًا.

احكى يا بابا.. 11 قصة سجلها للأطفال
«شجرة مشهورة ونتيجة الامتحان والمخترع الصغير» أشهرها
لقاءات مباشرة وعبر «الفيديو كونفرانس مع الأطفال فى مصر وبالمهجر
«البابا»: البلد يتقدم كل يوم بعد «30 يونيو» والمصريون يتمتعون بالتعايش السلمى
لقاءات مستمرة يجريها البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية مع الأطفال داخل مصر وفى المهجر، من خلال لقاءات مباشرة، وعبر الفيديو كونفرانس.
فور توليه سدة مارمرقس، أكد البابا الذى حمل مسئولية لجنة الطفولة بالمجمع المقدس منذ عام ٢٠٠٥، على أنه سيخصص لجنة دائمة للطفولة فى المجمع المقدس وبإشرافه نظرا لأهمية هذا الملف داخل الكنيسة. «الحل يبدأ مع الأطفال» هكذا يؤكد البابا تواضروس دائمًا، مخصصًا جزءًا من وقته الرعوى داخل مصر وخلال زياراته لبلاد المهجر للقاء الأطفال والاستماع إلى أسئلتهم والإجابة عليها.
البابا وحكايات الأطفال
ممسكًا بعصا الرعاية وقف البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، وسط مجموعة من الأطفال يروى لهم القصص ويشاركهم الأنشطة، لتتنوع الحكايات التى بدأت ضمن إطار مشروع بناء الوعى الذى يتبناه المركز الإعلامى للكنيسة القبطية، للتدرب على فضيلة مسيحية من خلال حكاية يرويها البابا بأسلوبه المميز لمجموعة من الأطفال. ١١ هو عدد القصص التى سجلها البابا بحضور عدد من الأطفال، شاركهم فيها عدة فضائل مسيحية ‘ فنجده فى حكاية «الشجرة الفرحانة» يتحدث عن العطاء، ليجذب الأطفال الذين جلسوا على شكل دائرة، فبدأ البابا القصه قائلًا: «نبتدى منين الحكاية، كان فيه ولد زعلان ماشى لقى الشجرة بتكلمه مالك يا صاحبى؟ قالها: مش لاقى حد ألعب معاه، فساعدته الشجرة، ليلعب»، وليكسر حالة الصمت شارك البابا الأطفال القصة قائلًا لهم: «مين اللى فرحان الولد ولا الشجرة».
فنجده فى يوم واحد يلتقى بثلاث مجموعات من الأطفال من كنائس الإسكندرية ومن إيبارشيتى البحيرة والمحلة الكبرى، حيث حكى لكل منهم قصة تعليمية سلوكية تحمل قيمة ورسالة نافعة لحياته.
كما استضاف البابا ما يقارب من ١٠٠ طفل، من أبناء أسرة القديس نيقولاوس الملحقة بكنيسة مارمرقس للأقباط الأرثوذكس بمصر الجديدة، استمع البابا فيها إلى أسئلتهم، حيث يقوم الأطفال بطرح الأسئلة فى كل مجالات الحياة، ليجيب عنها البابا شخصيا.
فكرة عمل حـكايـات الأطفال بحسب القس بولس حليم المتحدث الإعلامى للكنيسة القبطية الأرثوذكسية جاءت للاهتمام بالنشء الصـــغيـــر، مشيرًا هـم نصف الحاضر وكل المستقبل، ولذلك يحرص قداسة البابا على الالتقاء بهم، وبأسلوبه الشيق يقص عليهم حكاياته إنـارة لـذهنهم البـرىء وغـرسا للقيم المسيحية والإنسانية فى أعماقهم.
وأضاف «حليم» تنوعت القصص والأهداف منها، ففى يناير ٢٠١٥ بدأت سلسة حكايات البابا مع الأطفال بقصة «شجرة مشهورة»، وفى مايو ٢٠١٥ تم طرح قصة «فكرة جميلة» وسبقها فى إبريل من العام نفسه قصة «نتيجة الامتحان»، و«الشجرة الفرحانة» فى يونيو، و«المخترع الصغير» فى سبتمير، و«الهدية العجيبة» فى شهر نوفمبر، و«الأصحاب الخمس» وكل هذه القصص خلال عام ٢٠١٥. واستهل عام ٢٠١٦ بقصة «صاحبة الورد» فى شهر يناير، و«أحلام الشجرات الثلاثة» فى فبراير، بينما قص البابا ثلاث قصص خلال عام ٢٠١٧ وهى «الريش والكلام» فى مايو، والمخترع الحزين فى شهر يوليو، وسر الفنان الغامض خلال شهر سبتمبر.
..وأطفال المهجر
البابا الذى كان قبل وصوله لسدة مارمرقس مقررًا للجنة الطفولة بالمجمع المقدس، لم يقتصر تواصله داخل حدود مصر وإنما يتواصل مع أطفال المهجر من خلال الفيديو كونفرانس، ففى وقت سابق من العام الجارى نظمت إيبارشية ميسساجا وفانكوفر وغرب كندا مؤتمرًا لأطفال أونتاريو، تواصل خلالها البابا تواضروس مع أطفال المؤتمر عبر خاصية الـ video confrance واستمع إلى بعض التراتيل وألقى عليهم، بحضور ٥٣٠ طفلًا إلى جانب ٢٥٠ خادما وخادمة. وخلال زيارته لأمريكا ظهر البابا فى فيديو وحوله عدد كبير من أطفال كنيسة البابا كيرلس السادس بويست مينستر بولاية كاليفورنيا، وهو يحاورهم ويصفق ويقدم الهدايا لهم. كما يحرص البابا خلال زياراته للمهجر على منح سر «المعمودية» أحد أسرار الكنيسة السبعة لعدد من المواليد الجدد، فخلال زياراته لأمريكا فى عام ٢٠١٥ قام البابا بمعمودية ١٢ طفلا فى كنيسة مارمينا فى ولاية كاليفورنيا، كما وقع خلال زيارته لأستراليا على شهادة معمودية لأحد الأطفال هناك.
..والأطفال المبدعون
ولاهتمامه بالأطفال وتنمية مهاراتهم يحرص البابا منذ أن كان أسقفًا عامًا للبحيرة على تنظيم مسابقات للأطفال من ذوى المواهب المتميزين فى الفنون وأوجه الإبداع المختلفة، حيث يتم اختيار ١٠٠ طفل منهم من كل إيبارشيات الكرازة المرقسية عن طريق مسابقة تعد خصيصًا لذلك. ولاستمرار نجاح خدمة الأطفال المبدعين يحرص البابا على لقاء خدام الأطفال باستمرار.

سفير مصر إلى العالم
تولى البابا تواضروس الثانى كرسى مار مرقس فى أوقات عصيبة تمر بها مصر؛ حيث كانت جماعة الإخوان لا تزال تسيطر على مقاليد الحكم فى البلاد، الذى تحل ذكرى ميلاده فى ٤ نوفمبر؛ حيث ولد بمحافظة الدقهلية عام ١٩٥٢، وبعد ٦٠ عاما بالتمام، وفى ٤ نوفمبر ٢٠١٢ وقع اختيار الأنبا تواضروس ليتولى كرسى البطريركية المرقسية عن طريق القرعة الهيكلية ليكون بابا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الـ١١٨، وسط احتفال مصرى مسيحى فى أرجاء الكاتدرائية والكنائس المصرية بالمحافظات. رغم ما عاشته مصر من أحداث إرهابية وطائفية، وأوضاع سياسية واقتصادية غير مستقرة، كان لزامًا عليه أن يحمل هموم الوطن فى كل تحركاته الخارجية، والتى كانت تحركات وطنية فى الأساس، زار فيها الكنائس والجاليات المصرية.
السفير
كثيرًا ما يخرج عن النص بكونه رجل دين، لكنه لم ينس أنه مصرى فى المقام الأول، وقبل أن يكون الرجل الأول والمسئول عن ملايين من أبناء طائفته الأرثوذكسية فى الداخل والخارج، إنه البابا تواضروس الثانى الذى استحق لقب «البابا السفير» منذ توليه الكرسى البطريركى فى نوفمبر ٢٠١٢، ومنذ زيارته الأولى للخارج وحتى الآن كان ولا يزال دائم الحرص على أن يرفع اسم مصر عاليًا أمام الأجانب، فيتحدث عن تاريخها وحضارتها والتعايش السلمى بين المسلمين والمسيحيين.
مصر بلد من طراز خاص
فى سبتمبر الماضى، وخلال زيارته لاستراليا، قال البابا: «إن مصر الآن تمر بوقت عصيب، لكن فى نفس الوقت كل المصريين يحاولون أن يبنوا مصر الجديدة، والمصريون معتدلون، وأى اعتداءات على الشعب المصرى تأتى من خارج البلاد»، وأضاف البابا «نحن بحاجة إلى بناء مصر الجديدة، فنحن بلد من طراز خاص، ولدينا أحلام كثيرة». وقال: «نحن كمصريين نضع آمالنا وأحلامنا على عاتق الرئيس، ونحاول أن نبنى مستقبل مصر، لذلك نحن نقدر جدًا كل مساندة لبلدنا مصر فى هذا الوقت العصيب». وتابع: «مصر تتقدم كل يوم وبخاصة بعد ثورة ٣٠ يونيو التى تعد بداية جديدة فى كل شىء، فمصر فى استقرارها استقرار للشرق الأوسط ومدن البحر المتوسط».
خليط من الحضارات
فى زيارته لليابان، أغسطس الماضي، عبر البابا عن سعادته بتدشين أول كنيسة مصرية أرثوذكسية فى اليابان، وفى ذكره لمصر قال البابا تواضروس، إن الكنيسة القبطية المصرية نشأت فى القرن الأول الميلادي، وتحديدًا فى الإسكندرية، ومعروف تاريخيًا أن مدينة الإسكندرية أنشئت قبل القاهرة، ولذلك يحمل لقب بابا الإسكندرية، مستطردًا: «كانت مصر فرعونية، ثم جاءت المسيحية، ثم الإسلام، لتصبح مصر خليطا من الحضارة الغنية الفرعونية المسيحية الإسلامية، والتاريخ الكبير».
مصر بتسلم عليكم
«مصر بتسلم عليكم».. ومن مصر إلى الكويت، كانت رسالة السلام من البابا تواضروس فى إبريل الماضى، أثناء زيارته للكويت. وقال فيها: «مصر والكويت قريبين.. يعنى لو قولت لكم مصر بتسلم عليكم يعنى مصر مش بعيدة»، مُضيفًا: «النهاردة عيد تحرير سيناء ٢٥ إبريل فى مصر؛ فهى مناسبة طيبة، يعنى هنا الكنيسة تحتفل بالتدشين وإحنا بنحتفل بتحرير سيناء»، متابعًا: «ربنا يبارك فى حياتكم ورزقكم تعيشوا بالأمانة دايمًا».
يوم ١٠ مايو الماضي، وفى زيارته الأولى للعاصمة البريطانية لندن، فقد استقبلت الملكة إليزابيث، البابا تواضروس فى قلعة ويندسور، وكان اللقاء تاريخيًا، بحسب وصف سفير بريطانيا فى القاهرة، الذى قال: «إن ‏الملكة الـ٦٦ على مدار ١٥٠٠ سنة تستقبل بابا مصر الـ ١١٨ خلال ٢٠٠٠ سنة.. طرفان ذوا حكمة وخبرة كبيرة فى التعايش والاستمرارية فى عالم متغير».
زيارة تاريخية بعد قطيعة ربع قرن
فى ديسمبر ٢٠١٦، توجه البابا تواضروس إلى العاصمة اليونانية أثينا، والتى كانت زيارة تاريخية، بعد قطيعة دامت ربع قرن، بين بابا الإسكندرية واليونان؛ حيث دشن البطريرك عددًا من الكنائس القبطية هناك، وعلى سبيل الحديث عن مصر، قال إن ٩٩ ٪ من المصريين يعيشون حول نهر النيل، ويشربون منه الماء والاعتدالية والوسطية، والتأكيد أن العلاقة بين الكنيسة والدولة علاقة طيبة، إلا أنه لم يحدث أن قام رئيس الدولة بزيارة الكنيسة إلا منذ سنتين فقط، حين قام الرئيس عبدالفتاح السيسى بزيارة الكاتدرائية ليلة عيد الميلاد، وأن البرلمان المصرى للمرة الأولى يكون فيه ٣٩ عضوًا مصريًا مسيحيًا. وفى سبتمبر ٢٠١٦، وبدعوة من الملك عبدالله زار البابا تواضروس لأول مرة دولة الأردن، وأعرب خلال زيارته للمملكة الهاشمية عن تقديره الكبير للدور المهم الذى يقوم به الأردن فى تعزيز التفاهم ومد جسور التلاقى بين مختلف أتباع الأديان السماوية، مشيرًا إلى تقديره للدور التاريخى للأردن فى الحفاظ على المقدسات الإسلامية والمسيحية فى القدس. وفى فبراير ٢٠١٤، زار البابا تواضروس إيطاليا لمدة ٨ أيام التقى فيها لأول مرة مع البابا فرنسيس الأول، بابا روما، وهو أول لقاء يجمع بين الكنيستين بالفاتيكان منذ ٤٠ عامًا.

الدقة المتناهية جمعت بين «الصيدلى واللاهوتى»
كاهن بأمريكا: «البابا» حريص على الأمانة للنفس الأخير
بعيدًا عن الأساقفة المقربين من البابا وصخب الشخصيات التى تتحدث عنه والذين دائمًا نجدهم فى جواره، سواء فى اللقاءات الكنسية أو الرسمية أو حتى فى سفرياته الخارجية، هناك دائمًا كهنة من أبناء البابا فى كنائس مصر وخارجها، التقى بعضهم بالبابا، وكان بينه وبين البطريرك مواقف فى ذكرى انتخابه، من بينهم القمص ميخائيل إدوارد كاهن كنيسة مار مرقس بكليفلاند بأوهايو بالولايات المتحدة الأمريكية، والذى يتحدث عن تنشئة البابا فى أسرة مسيحية حقة وكهنوتية كان لها أثرها الكبير فى حياته وسلوكه واختياراته؛ بداية من الناحية العلمية وحصوله على بكالوريوس الصيدلة وزمالة هيئة الصحة العالمية بإنجلترا فى ١٩٨٥، ومرورا بالمجال الدينى؛ حيث حصل على بكالوريوس الكلية الإكليركية فى ١٩٨٣، وكان لهذا الأثر الكبير فى خدمته، فالصفة الأساسية التى تجمع بين الصيدلى واللاهوتى هى الدقة المتناهية، وتسمى فى المسيحية: «موهبة الإفراز والتمييز».
اهتمامه بمسيحيى الخارج
عن متابعة آباء الكنيسة الأرثوذكس لعظات البابا داخل مصر، أكد كاهن الولايات المتحدة أن أعضاء الكنيسة فى العالم أجمع يحرصون على متابعة عظات البابا من مصر خلال القنوات القبطية المصرية، بالإضافة إلى إنشائه قناة للأطفال، وما يقدمه البابا بنفسه من قصص وموضوعات كثيرة وشيقة للأطفال لها تأثيرها فى الجميع. أيضًا يراعى البابا الدقة والمساواة والعدل بين أبنائه داخل مصر وخارجها سواء فى القاهرة والإسكندرية والإبارشيات والأديرة، من إلقاء العظات والتعليم فى الإكليركيات، وحل المشاكل وتدبير وسد احتياجات الخدمة برسامة الأساقفة والكهنة وإعداد الخدام والخدمات واللقاءات للإجابة عن أسئلتهم، مع تدشين الكنائس والمذابح وعمل الميرون.
أما بالنسبة لخدمته بالخارج، يقول كاهن كنيسة الولايات المتحدة، إن البابا زار أوروبا وأمريكا وكندا وأستراليا واليابان، وكثيرا من البلاد العربية، وفى كل هذه الزيارات يعظ ويعلم ويدشن الكنائس والمذابح ويزور المسئولين من ملوك ورؤساء، ويدعو للتعرف على عظمة الكنيسة المصرية.
علاقته بالكنائس الأخرى
حول وضعه كبطريرك للكرازة المرقسية وعلاقته مع الكنائس الأخري، يقول القمص ميخائيل إدوارد إن البابا تواضروس أمين جدا فى أرثوذكسيته، وحريص جدا على الحفاظ على الأمانة الأرثوذكسية إلى النفس الأخير.