السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ألغام على طريق المصالحة العراقية الكردية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حمم بركان الأزمة التى انفجرت منذ الشهر الماضى بين الحكومة العراقية وإقليم كردستان، ما زالت بعيدة عن مرحلة (الهدوء) رغم ما قد يظهر على السطح. خلال العقود الماضية التى شهدت شدًّا وجذبًا فى العلاقات بين الحكومة المركزية والإقليم، كانت طبيعة الخلافات تمثل صراعًا على التفاصيل.. أما القضايا الجوهرية مثل آبار النفط ومدينة كركوك- جوهرة حلم الدولة الكردية الذى أطاح به الزعيم الكردى مسعود برزاني- لم تتفجر حممها البركانية إلا مؤخرا.
أبرز العقبات التى تشكل تحديًا أمام نجاح أى مفاوضات بين الطرفين هى الضغوط السياسية والاقتصادية التى تكبل الطرفين.. برزانى يواجه حالة سخط شعبى نتيجة ركود اقتصادى ألقى ظلاله على مختلف فئات الشعب الكردى الذى يراقب مظاهر البذخ التى تقتصر على دوائر محددة-منها البيشمركة أو الجيش الكردي- حالة الرفاهية أفقدت هؤلاء المقاتلين أبرز سمات المحارب الشرس الجبلى التى طالما جعلت منهم مقاتلين أشداء لا يستهان بمهاراتهم. الحالة الأمنية التى ظل ينعم بها إقليم كردستان منذ ٢٠٠٣ أصبحت مهددة مع تصاعد حالات العنف والسرقة. فى مدار سعى البرزانى إلى أى ورقة تمنحه الشعبية والاستمرار فى قيادة الأكراد.. وإحباطات متراكمة لدى الطرف الكردى نتيجة تعرضه لإقصاء أبعده عن المشاركة الفعلية فى الحياة السياسية نتيجة التمدد الإيرانى فى السيطرة على القرار السياسى والعسكرى فى العراق.. للأسف كل إعلانات النفى الصادرة عن الحكومة تبددت أمام صور تحمل ألف علامة استفهام، أقربها وأبرزها ظهور قائد الحرس الثورى الإيرانى «قاسم سليمانى» قرب مدينة كركوك، وهو يرسم مشهد أحداث العملية العسكرية التى قام بها الجيش العراقى فى هذه المدينة، والأغرب ظهوره تحت أنظار قوات التحالف التى تقودها أمريكا رغم إدراجه ضمن المطلوبين دوليا بتهمة الإرهاب! مخزون هذه الشكوك والمخاوف من الجانب الكردى يؤكده اشتراط وجود إشراف دولى يضمن تنفيذ بنود أية اتفاقية سياسية أو أمنية بين الطرفين.
مصادر مقربة من برزانى نقلت عنه محاولات تبريره مغامرة الاستفتاء الفاشلة التى أطاحت بمستقبله السياسى، أن التصريحات الأمريكية المعلنة والمؤكدة رفضها الاستفتاء على انفصال إقليم كردستان ودعم وحدة العراق، كانت مناقضة تماما لما كان يقال له من مسئولى الإدارة الأمريكية خلف الأبواب المغلقة.. ذريعة تنطبق عليها مقولة (عذر أقبح من ذنب)، إذ طالما تذمر برزانى فى لقاءات مصورة من خذلان أمريكا له لمطالب شعبه! كما أنها لا تعطى برزانى حق القيام بمغامرات تخدم مصالحه الشخصية على حساب العرق الكردى الذى طالما رفع لواء الدفاع عنه.. فى توقيت خطير، يشتت برزانى سير معركة عسكرية يواجه فيها العراق- دون استثناء- أخطر التحديات لتطهير أرضه من تنظيم إرهابى أحرق ما تبقى من الأخضر واليابس من حضارة بلاد الرافدين.
فى المقابل يتعرض رئيس حكومة العراق حيدر العبادى لضغوط سياسية هائلة، داخليا- فى القضية الكردية وغيرها- يواجه ألغامًا سياسية وضعها سلفه نورى المالكى، أدت إلى خلق صراع مكتوم داخل حزب (الدعوة)، الذى ينتميان إليه، امتد إلى إحداث شقاق داخل الكتلة الشيعية من المنتظر أن يلقى بظلاله على الانتخابات البرلمانية القريبة. العبادى عبر تحركاته الدبلوماسية يسعى بجسارة أمام عودة العراق إلى جذوره العربية، رغم الضغوط التى يتعرض لها سواء من صقور حزب الدعوة أو من إيران التى تسعى بقوة للحفاظ على اليد العليا فى القرار السياسى العراقي.
التحدى الأخطر أمام العبادى ما بعد الانتصار العسكري، تحقيق انتصار سياسى واقتصادى ينقذ العراق من حالة (الهشاشة) التى تنخر فى عظامه..الفوضى والتشتت الحاليين لا يمكن اعتمادها أساسًا لبناء أى كيان سياسى قادر على مواجهة ملفات تمثل ألغامًا خطيرة قابلة للانفجار، منها الإنسانية المتمثلة فى إعادة مئات آلاف المهجرين إلى مدنهم المحررة- ملف لم تنجز فيه الحكومة سوى خطوات محدودة جدًا-.. اقتصاديا، فساد مالى يلتهم خيرات أغنى بلاد المنطقة العربية.. سياسيا، إقصاء تام وممنهج يسعى إلى سلخ العراق سياسيا وأمنيا عن جذوره العربية.
تحرك الدبلوماسية الأمريكية إلى تنشيط العلاقات العراقية-السعودية الذى توجته رعاية أمريكية ممثلة فى وزير الخارجية تيلرسون، لتوقيع عدة اتفاقيات فى إطار الإعلان عن تشكيل مجلس التنسيق العراقي- السعودى خلال زيارة العبادى الأيام الماضية إلى السعودية.. خطوة تحتمل عدة قراءات.. إحداها استغلال التقارب بين السعودية والحكومة العراقية من طرف، والتأثير الأمريكى على برزانى من الطرف الآخر، للتوصل إلى تقارب يضع حدا للخلافات بين حكومة المركز والإقليم.. القراءة الأخرى تسعى إلى ضم العراق إلى معسكر التصدى للأطماع الإيرانية المتوغلة فى المنطقة، فى حالة جدية التصريحات الصادرة عن الإدارة الأمريكية.