الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

روشتة المثقفين لتنشيط السياحة الثقافية في مصر

حلمي النمنم وزير
حلمي النمنم وزير الثقافة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بقدر ما تشهد مصر الآن حالة مبهجة من الزخم الثقافي والفني فإن هذه الحالة تومئ لأهمية السياحة الثقافية وتبرهن على إمكانية النجاح الكبير للتعاون المؤسسي بين عدة وزارات وجهات متعددة لتشجيع السياحة الثقافية.
فما إن ينتهِ مهرجان الفنون والفولكلور الأفرو صيني بنهاية هذا الشهر، من المقرر أن يبدأ مهرجان الموسيقى العربية في دورته الجديدة مع إطلالة الشهر الجديد في مصر المبدعة والمنفتحة على كل الإبداعات الإنسانية في العالم.
وإذ أطلق وزير الشباب والرياضة المهندس خالد عبدالعزيز فعاليات مهرجان الفنون والفولكلور الأفرو صيني في دورته الثانية مساء الأربعاء الماضي من قصر محمد علي بمنطقة المنيل، بالتعاون مع وزارات الثقافة والسياحة والآثار، فإن هذا المهرجان الذي تشارك فيه الصين مع 26 دولة إفريقية وأمريكية لاتينية يستمر حتى نهاية أكتوبر الحالي.
ويتجلى التعاون الثقافي المؤسسي بين عدة وزارات في مهرجان الفنون والفولكلور الأفرو صيني في وقت يتصاعد فيه الاهتمام بعناوين السياحة الثقافية، كما يدعو فيه بعض المثقفين البارزين رجال الأعمال لدعم هذا النمط من السياحة.
فها هو الكاتب والشاعر الكبير فاروق جويدة يرى أن تجارب رجال الأعمال المصريين الذين وجهوا دعوات لنجوم الكرة العالمية لزيارة مصر، فكرة ناجحة وتركت آثارًا بعيدة على السياحة المصرية، لكن هناك جانبًا آخر يجب أن نهتم به وهو الثقافة".. داعيًا رجال الأعمال لتبنّي فكرة توجيه دعوات لمشاهير المثقفين في العالم لزيارة مصر، كما يحدث مع نجوم كرة القدم.
ولا ريب أن وزارة الثقافة يمكنها أن تكون طرفًا رئيسيًّا في منظومة مؤسسية متكاملة لتفعيل السياحة الثقافية في مصر برصيدها الحضاري الثري وقد تتمثل هذه المنظومة المؤسسية في "المجلس الأعلى للسياحة" الذي يضم عدة وزارات.
ورأى وزير الثقافة حلمي النمنم أن "التحدي الحقيقي يتمثل في تأسيس الفعاليات بشكل قوي وصحيح" وهي رؤية ينبغي تطبيقها عمليًّا في مجال السياحة الثقافية، وبما يتوافق مع معايير الزمن العالمي ومتطلبات التعامل مع الضيوف الأجانب التي ستجد في المخزون الأصيل للقيم المصرية ما يكفي في فعاليات ثقافية ومهرجانات فنية، مثل المهرجان الحالي للفنون والفولكلور الأفروصيني.
وتتوزع فعاليات وأنشطة المهرجان الأفرو صيني في عدة أماكن ومواقع سياحية وتراثية مثل قلعة صلاح الدين وشارع المعز في قلب القاهرة الفاطمية العتيقة، فضلًا عن مدينتي الإسكندرية وأسوان.
وهذا المهرجان الذي يسعى لدعم التواصل بين دول القارة الإفريقية والصين وتعزيز التعاون الثقافي والفني بين الجانبين، يشهد في دورته الحالية 18 عرضًا استعراضيًّا و16 فيلمًا سينمائيًّا، فضلًا عن سوق للحِرف التراثية وورشة عمل للفنون التشكيلية والرسوم المتحركة، كما يتضمن قسمًا لإبداعات ذوي الاحتياجات الخاصة في الموسيقى والغناء والرسم والحِرف اليدوية والتراثية.
وكانت فكرة هذا المهرجان قد وُلدت في قمة الصين- أفريقيا التي عُقدت عام 2015 في جوهانسبرج، واكتمل نضجها مع الاحتفال في مطلع العام الماضي بمرور 60 عامًا على إقامة علاقات دبلوماسية بين مصر والصين الشعبية لتنطلق الدورة الأولى للمهرجان في شهر يوليو الماضي، بينما تقام الدورة الحالية للمهرجان بعنوان: "لقاء الموسيقى والفنون مع إفريقيا والصين وأمريكا اللاتينية".
ويشدو في الدورة الثانية لهذا المهرجان الأفرو صيني، الفنان التونسي الكبير لطفي بوشناق، بينما تجلى الوعي بأهمية "السياحة الثقافية" في تصريح لرئيسة مهرجان الفنون والفولكلور الأفرو صيني سهير عبدالقادر قالت فيه إن "المهرجان يظهر صورة مصر الحقيقية أمام العالم بما يسهم في دعم السياحة المصرية".
وبمواهبها الشابة قدمت أوركسترا وزارة الشباب والرياضة في الحفل الافتتاحي لهذا المهرجان، مقطوعات موسيقية لكبار الموسيقيين، فيما تتضمن قائمة الذين تقرر تكريمهم في المهرجان السفيرة مشيرة خطاب، وعازف الجاز يحيى خليل، والموسيقار علي ماهر زيدان.
وغداة اختتام هذا المهرجان الأفرو صيني واعتبارًا من أول نوفمير المقبل يلتقي عشاق الموسيقى والطرب الأصيل مع المهرجان السنوي للموسيقى العربية في دورته السادسة والعشرين، فيما أوضحت رئيسة دار الأوبرا المصرية الدكتورة إيناس عبدالدايم أن المهرجان سيستمر على مدى أسبوعين.
وعلى غرار مهرجان الفنون والفولكلور الذي تتوزع أنشطته في عدة مواقع ومدن، وبمنظور يراعي معايير التنوع والعدالة الثقافية، سيقدم مهرجان الموسيقى العربية "الذي بات يشكل أحد أهم المحافل القومية للموسيقى العربية" عروضه على مسارح متعددة، ما بين المسرح الكبير والصغير في دار الأوبرا ومسرح الجمهورية ومعهد الموسيقى العربية، فضلًا عن مسرح أوبرا الإسكندرية وأوبرا دمنهور، فيما استحدث المهرجان نظام الحجز الإلكتروني تيسيرًا على الجمهور.
وبلمسة وفاء مصرية فإن الدورة الجديدة لمهرجان الموسيقى العربية مُهداة لروح الفنان محسن فاروق، فيما يقام معرض صور فوتوغرافية حول مسيرة هذا المطرب المصري الراحل ببهو المسرح الكبير في دار الأوبرا.
وفضلًا عن تكريم اسم الفنان الراحل محسن فاروق سيشهد المهرجان في دورته الجديدة تكريم أكثر من 20 فنانًا أسهموا في إثراء الحياة الفنية المصرية والعربية، من بينهم المطرب السعودي الراحل طلال المداح، والموسيقار المصري الراحل علي إسماعيل، والمطرب الراحل عماد عبدالحليم الذي قضى في 20 أكتوبر 1995 عن عمر ناهز نحو 35 عامًا.
وهذه الدورة الجديدة لمهرجان الموسيقي العربية تتضمن 45 حفلًا موسيقيًّا وغنائيًّا بمشاركة 84 فنانًا من 8 دول عربية هي مصر ولبنان وسوريا وفلسطين والكويت والعراق وتونس والمغرب.
وبوصفها عازفة فلوت عالمية تشارك الدكتورة إيناس عبدالدايم بالعزف في حفل افتتاح الدورة السادسة والعشرين لمهرجان الموسيقى العربية الذي يحمل عنوان: "الدراما الموسيقية"، فيما أوضحت في مؤتمر صحفي، أمس الأول الخميس، أن الحفل سيتضمن مقطوعات موسيقية من "أشهر تترات المسلسلات المصرية والعربية" لتبرز جماليات ودور الموسيقى في الدراما.
وأضافت الدكتورة إيناس عبدالدايم أن هذه المقطوعات لأشهر تترات المسلسلات ستعزفها أوركسترا شكلت خصيصى لهذه المناسبة بقيادة المايسترو المصري أحمد عاطف، لافتة إلى أن الحفل سيشهد إبداعات مؤلفين موسيقيين من مصر والعالم العربي ككل، مثل المصريين راجح داود وتامر كروان، والتونسي أمين أبو حافا، والعراقي رعد خلف.
ولعشاق عازف البيانو الشهير عمر خيرت أن يلتقوا إبداعاته في هذا المهرجان العربي، إلى جانب عازفي العود العراقيين أحمد شمة وسالم عبدالكريم ومواطنهما عازف القانون فرات قدوري، كما يأتي من العراق عازف التشيللو قصي قدوري، مع عازفي العود المصريين ممدوح الجبالي ومدثر أبو الوفا.
وإذ شارك الفنان التونسي لطفي بوشناق في مهرجان الفنون والفولكلور الأفرو صيني ويحظى بتكريم من هذا المهرجان، فإنه سيشارك أيضًا في مهرجان الموسيقى العربية مع فنانتين من تونس هما: يسرا محنوش وأميمة طالب، وفنانين مصريين هم هاني شاكر ونهال نبيل ووائل الفشني وآية عبدالله وآيات فاروق ونهى حافظ وصابرين النجيلي وأحمد عفت، فضلًا عن فنانين من بلدان عربية اخرى كاللبنانيين عاصي الحلاني ورامي عياش، والسوري صفوان بهلوان، والكويتي عبدالله الرويشد، والفلسطيني محمد عساف.
ولئن شهد مهرجان الفنون والفولكلور الأفرو صيني حضورًا للإبداعات الشابة، كما يتجلى في أوركسترا وزارة الشباب والرياضة، فإن الدورة السادسة والعشرين لمهرجان الموسيقى العربية ستشهد العديد من الإبداعات الشابة، كما تقام مسابقة فنية على هامش المهرجان للشباب.
ووسط دعوات لفنانين مثل الموسيقار حلمي بكر باستحداث قناة فضائية خاصة بدار الأوبرا المصرية لتبث إبداعاتها للعالم كمنبر مصري للفن الرفيع ووجه مضيء للثقافة المصرية بتجلياتها المتعددة، فإن الدورة السادسة والعشرين لمهرجان الموسيقى العربية تتضمن مؤتمرًا علميًّا يشارك فيه 42 باحثًا من 16 دولة، من بينها، إلى جانب الدول العربية، الولايات المتحدة والدنمارك.
وواقع الحال أن دار الأوبرا كصرح ثقافي وفني مصري باتت تجيب بجدارة على "سؤال الفن والمجتمع" بقدر ما تبرهن على عدم صحة مقولات ظالمة للمصريين تزعم أن سوادهم الأعظم لا يتجاوب مع الذوق الفني الرفيع.
وتبدو فعاليات مهرجانات الأوبرا نموذجًا دالًّا لإمكانية تقديم روائع الموسيقى والغناء للشعب المصري بكل أطيافه وشرائحه والارتقاء بالذوق العام للمجتمع ودحر ثقافة القبح والتلوث السمعي- البصري، فيما تتجلى صحة رهانات رئيسة دار الأوبرا المصرية حول الأوبرا كمنارة ثقافية يلتف حولها كل المصريين.
ويعيد المؤتمر العلمي المرتقب في سياق الدورة الجديدة لمهرجان الموسيقى العربية، اهتمامات ثقافية وبحثية حول العلاقة بين الموسيقى والتاريخ، فيما أثمرت هذه الاهتمامات المصرية من قبل مشروعًا ثقافيًّا عنوانه: "الموسيقى والذاكرة" وهو مشروع شارك به 14 مؤرخًا وموسيقيًّا وكان يمثل بحق "خروجًا حميدًا على النمط التقليدي في دراسة التاريخ بقدر ما انطلق برحابة التصورات الثقافية في رحاب غير تقليدية".
وإذا كانت الموسيقى لغة الشعوب في العالم، والتاريخ قصة هذه الشعوب، فإن فكرة اللقاء بين الموسيقى والتاريخ تتجسد في مهرجان الفنون والفولكلور الأفروصيني، ناهيك عن مهرجان الموسيقى العربية، ومثل هذه التظاهرات الثقافية والفنية العالمية فرصة لمزيد من البحث في قضايا تاريخية مثل لقاء الموسيقى الشرقية مع الموسيقى الغربية وانعكاسات هذا اللقاء والتواصل والتفاعل الثقافي على أذواق المصريين، ناهيك عن الحداثة وتغير المجتمع المصري.
وكان بعض الكتاب والمعلقين في الصحف ووسائل الإعلام قد أثاروا أسئلة حول غياب أغنية مصرية يمكن أن تحظى بانتشار عالمي على غرار ما حققته أغنية "ديسباسيتو" بكل انعكاساتها الإيجابية على السياحة والاقتصاد ككل، في جزيرة بورتوريكو، آملين أن نشهد قريبًا مثل هذه الأغنية.
ولعل السياحة الثقافية بفعالياتها ومهرجاناتها يمكن أن تستفيد من المخزون الثقافي والفني المصري بقدر ما تضيف عناصر جديدة للقوة الناعمة المصرية. ووسط حالة البهجة والحفاوة بضيوف مصر في مهرجانين كبيرين تجرى إيقاعات الإبداع الإنساني في أنهار لا تحصى، وتتحدث مصر عن نفسها ويتجلى جمالها!