الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

الشاعر فتحي عبدالسميع يواجه "تلف الأعصاب" والضمائر

فتحي عبد السميع
فتحي عبد السميع
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يأمل فتحي عبدالسميع، الشاعر المصري الكبير، في أن يعود آخر اليوم إلى بيته، دون أن يفقد فقرة من عنقه؛ فالشاعر يحتاج لجراحة في الفقرات العنقية، قد تؤدي إلى مشكلة في الحبل الشوكي وتلف الأعصاب، ما يستلزم جراحة عاجلة حسبما أكد طبيبه المعالج.
تواصلت "البوابة نيوز" مع "عبد السميع" للوقوف على تفاصيل ما يحدث له بشأن حالته الصحية؛ فأوضح أن وزارة العدل ظلت تقتطع من راتبه 10% طيلة 30 عاما قضاها بين أروقة المحاكم، في صندوق مخصص للعلاج والرعاية الصحية، واليوم حين توجه لمستشفى المعادي العسكري التي تعاقدت معها الوزارة، أخبروه بأنه لا يمكن إجراء الجراحة لأن الوزارة لم تنه حساباتها السنوية مع المستشفى، وهو أمر غريب إذ يؤدي لتساؤل عريض عن مصير الصناديق التي ادخر فيها الموظفون أموالهم.
اليوم تتوالى مئات المناشدات لوزارة الثقافة المصرية بالتدخل بشكل عاجل لإنقاذ الشاعر الكبير.
وفتحي عبد السميع آمن بأن الشعر ملتحم بالعمل؛ يجري على ألسنة الصيادين والفلاحين والعمال وكل الكادحين ولم يراه يوما ابنا للراحة والدعة، ولهذا لم ير غضاضة بأن تكون له وظيفة تقيم حياته بمحكمة قنا.
هو أيضا عضو باتحاد الكتاب وكاتب وباحث اجتماعي أثرى الحياة الثقافية والإبداعية، العربية وليس المصرية فحسب؛ ظل بصيرا بطبيعة الحياة القاسية المتعجلة، يلتقط منها مشاهد إنسانية عميقة ويرسلها كفنان فطري يحمل نايه؛ بلغة مدهشة وفكر طازج وإيقاع خفي لا يراه إلا المبصرون. 
يقول في إحدى قصائده: "وقوفي مَشيٌ، ومِشْيَتِي وقوف/ كثيرًا ما مَشيتُ أيامًا وأسابيعَ/ 
حوْلَ زهرةٍ واحدةٍ/ أَلُمُّ أسمَاءَها وهِيَ تَتَجدَّدُ كلَّ يوم/ وكُلَّمَا انصرفتُ أَنَّبَنِي ضميري/ يَنقُصُنِي تأهيلٌ للسَّيْرِ بكفاءةٍ حوْلَ زهرةٍ/ تَنْقُصُنِي أجيالُ تُكمِلُ الشَّهِيقَ الذي بَدَأتُه/ مَشَّاءٌ لا يُحِبُّ الوصولَ/ لا مِقعَدَ لي في الحياة/ وظَهْرِي مَسنودٌ ببابِهَا المفتوح". 
ومن مركز "قفط" جاء عبدالسميع، بشغف السؤال، ولقد سعى نحو أساتذة "قليلين" ممن يسميهم سكان البيت السحري داخل كل إنسان، وكان يعد نفسه في بداياته ضيفا على هذا البيت الذي هو الشعر، بعيدا عن النقاد من حملة ختم النسر ذي المنقار الحاد، ممن يعدون مثالا سيئا لقاريء الشعر. 
هو أحد القامات الحقيقية بمشهد قصيدة النثر بعيدا عن المدعين الكثر، ويرى أن الشعر قاتل بمعارك كثيرة لأجل بقائنا لكننا لم ندرك قيمته بعد، وهو أكبر من كل تصور عنه، وبحاجةٍ إلى اكتشافٍ دائِمٍ، تمامًا كالإنسان، ولا حاجة لنا لشاعر لا يصغي لحركة الطير، او فاقد للقدرة على توليد الدهشة.
يدرك الشاعر زيف النخب، ويعرف أن تصفيقا حادا لمبدع حقيقي ربما لن يأتي إلا بعد أن يحتويه القبر، وفي أحد دواوينه يبدو عليما باختلال الموازين حين يقول: "من يخبر الصبر مثلي ؟/أنا الذي وقفت أكثر من ربع قرن/أمام أفران الجنوب دون زفرة واحدة/الحظ ؟/ربما/غير أنهم يصطادون/بلا حظ/وبلا صبر/وبلا صنارة/وبلا بحر".
وتتركز الدهشة بقصائد عبدالسميع، واتساع الحكمة التي عمقتها السنين، يقول: "حتى لو أنفتح الباب
ماذا سأفعل/ أنا الذي بلغت الشيخوخة/ تحديقًا في المقبض"
فتحي عبدالسميع ترأس النادي الأدبي بمحافظته، وارتبط عضويا بكل هموم المصريين وآزر ثوراتهم كما تفاعل مع القضية العربية وفي قلبها فلسطين، وكان يرى أن كل تنمية تتجاهل بناء الإنسان وعمران الجذور مآلها البوار. 
أصدر عبدالسميع دواوين عدة، يحمل كل منها بصمة فريدة منها "الخيط في يدي"، "تقطيبة المحارب" "خازنة الماء"، "فراشة في الدخان"، "تمثال رملي"، "الموتى يقفزون من النافذة"، "الجميلة والمقدس"، "الشاعر والطفل والحجر"، "أحد عشر ظلا لحجر".
أما أعماله الجديدة فهي "ميزان الدم: طقوس القتل الثأري في صعيد مصر"، "الفكر المسحور" "العادة والطقس والأسطورة" و"الثأر والجغرافيا" وقد اعتبرت كتاباته عن الثأر فريدة في مضمونها الذي كتبه شاعر عارف ببواطن الحياة المصرية وسبل الخروج من مزالق العادات المتخلفة.
ويبقى الشعر ضرورة لا ترفا بحياة فتحي عبدالسميع أو كما يقول: حين نحتفي بالشعر نحتفى بكينونتنا الحقيقية، بالمعجزة التى يحملها كل منا، نريد أن نغرف من مائه ونغسل أعيننا حتى ترى، وأنوفنا حتى تشم وأرواحنا حتى ترقص رقصتها الخلاقة.