الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

جمهورية إيران السرية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كلنا نفهم إيران، النظام الطموح للهيمنة والنفوذ، لكننا فى الحقيقة لا نعرفه جيدًا. عنده الغاية تبرر الوسيلة، من بيع السجائر إلى تزوير العملات، والمتاجرة بالمخدرات، وغسل الأموال. جمع وتوجيه أموال الخُمس الدينية لأغراض حربية، وتأسيس شبكات معقدة من الشركات فى إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا، من إرسال رجال الدين المحملين بطلب الولاءات إلى مدربى القتال على السلاح. هذه نشاطات الإمبراطورية الإيرانية التى لا تظهر على السطح، تحاول تسخير كل ما تضع يدها عليه لخدمة غاياتها. وهى من خلال الخلايا، وشبكات التهريب السرية، بنت مشروعها النووى ولا تزال تفعل.
ومع أن بث النزاعات هوايتها الرسمية؛ فإنها لا تحارب بنفسها. آخر حرب خاضتها القوات المسلحة الإيرانية كانت أمام العراق، وانتهت عام ١٩٨٨. فى تلك الحرب، رمى النظام الجديد بما تبقى من قوات الشاه المهزومة للتخلص منها. بعد الثورة صار الجيش النظامى الإيرانى يقاد من قبل آيات الله المرتابين فيه، الذين لا يعترفون بالرتب العسكرية، ولا يحترمون إلا التراتبية الدينية. بعدها أصبحت كل معارك نظام طهران توكل إلى الخلايا والشبكات والمندسين؛ «حزب الله» لبنان، «حزب الله» العراق، «أنصار الله» اليمن، «الفاطميّون» الأفغان، وعشرات غيرها نشرت فى أنحاء المنطقة تحارب من أجل رفعة دولة آية الله.
إيران لم، وربما لن، تخوض مواجهات عسكرية بالبوارج وأسراب المقاتلات، فهي، رغم بنائها، الذى لا يكل، لأسطولها البحرى والبرى بأفضل الأسلحة، تتحاشى المواجهات الكبرى. ترسل سفنها حاملة السلاح تبحر سرًا إلى موانئ المناطق المضطربة. كما يتولى جنودها على الأرض حراسة قوافل «فيلق القدس» العابرة لبلاد الرافدين، لتعزيز قدرات الميليشيات الأجنبية التى تقاتل تحت إمرتها هناك.
وفِى آخر مواقفها الرسمية، أعلنت الحكومة الأمريكية أنها تنوى تنسيق الجهود بين مؤسساتها الرقابية والأمنية، وتستعين بحكومات دول المنطقة المتحالفة معها للتعرف أكثر على شبكات التهريب والتدريب، وكيف تدير طهران حروبها السرية فى أنحاء العالم. تقول إنها ستذيع المعلومات التى بحوزتها عن شركات طهران السرية، وستفضح المتعاملين معها. وتقول إنها ستكشف عن الأدلة التى تبرهن على علاقات إيران بتنظيم القاعدة. وهى كانت من المفاجآت الغريبة التى قلبت كثيرًا من مفاهيمنا عن إيران فى عام ٢٠٠٣. ففى تلك السنة هزت العاصمة السعودية انفجارات من تنفيذ تنظيم القاعدة، كنا نعتقد أنهم إرهابيون سعوديون على أرض سعودية. وكانت المفاجأة أن اتصالات التكليف الهاتفية جاءت من إيران إلى تلك الخلية فى الرياض. تفجير مايو (أيار)، من ذلك العام، تم بأمر هاتفى من مساعد بن لادن القيادى المصرى الهارب سيف العدل المختبئ مع رفاقه الإرهابيين فى ضيافة إيران. وهو نفسه الذى دبّر قتل ١٨ أمريكيًا فى العاصمة الصومالية عام ١٩٩٣، ويعتقد أن له دورًا فى التخطيط لهجمات سبتمبر (أيلول) فى الولايات المتحدة!
قبل تلك الحادثة لم يخطر ببالنا أبدًا أن يلتقى العدوّان؛ نظام طهران وتنظيم القاعدة، ويعملان معًا فوق الأرض نفسها وضد الهدف نفسه. بعدها أصبحنا نرى إيران بلد الألغاز، أكثر غموضًا مما كنا نظن ونعتقد. ومعرفتها جيدًا ستتطلب من قوى المنطقة العمل المشترك، من أجل تفكيك ألغازها والكشف عن شبكات التهريب والتخريب والمعلومات. قبل الانخراط فى أى عمل ضده بات التعرف أكثر على النظام الإيرانى ضرورة أولى.
نقلا عن «الشرق الأوسط» اللندنية