رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حب الوطن

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حب الوطن والشوق إليه فطرة بشرية يشترك فيها الناس جميعًا، بل قيل إن من علامة الرشد أن تكون النفس إلى بلدها توَّاقة، وإلى مسقط رأسها مشتاقة. وقد اشتاق النبى صلى الله عليه وسلم إلى مكة، بل واغرورقت عيناه بالدمع شوقًا إليها، وكان الصحابة رضى الله عنهم بعد الهجرة إلى المدينة المنورة يحفون إلى مكة ويشعرون بالشوق إليها، وإلى ربوعها وجبالها ووديانها وكل ما فيها، وقد مرض «بلال» رضى الله عنه، وذهب النبى صلى الله عليه وسلم لزيارته، ودخل عليه وهو ينشد شعرًا، يعبر فيه عن حنينه إلى مكة وشوقه إليها، بل كان يتمنى أن يسعده القدر ولو ليلة واحدة يقضيها فى الوادى، الذى قال عنه الله سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم «بواد غير ذى ذرع». وهنا اتجه النبى إلى ربه يدعوه قائلًا: «اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت مكة أو أشد». 
ولقد قال النبى صلى الله عليه وسلم عند خروجه مهاجًرا فى سبيل الله من بلده وموطنه وأحب بلاد الله إلى قلبه: «والله إنك لأحبُ بلاد الله إلى الله، وأحبُ بلاد الله إلي، ولولا أن قومى أخرجونى منك ما خرجت». نعم إن ارتباط الإنسان بوطنه ومسقط رأسه وموطن آبائه وأجداده ارتباط قوى وعميق، لذلك كان انتزاعه منه وإخراجه قسرًا صعبًا وأشبه بنزع الظفر من اللحم. 
ولقد تجلى فى عصرنا الراهن حب الوطن والشوق والحنين إليه فى اللاجئين السوريين، الذين يعانون الأمرين فى البعد عن أوطانهم، لأنهم لم يخرجوا منها مختارين، وإنما خرجوا مضطرين حفاظًا على أرواحهم وأرواح أبنائهم وأسرهم، بل إن كثيرًا منهم لم يخرج من بلده ووطنه ومسقط رأسه وخزانة ذكرياته، والشاهد على أفراحه وأحزانه إلا بعد أن أصابه الضر وفقد أحد المقربين إليه، وفر بمن تبقى حتى لا يلقون جميعًا المصير نفسه، وهو القتل والموت دون أى ذنب وفى معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل، سوى أنهم هم الخاسر الوحيد والأوحد فيها. إن هذه المعركة بجانب ما سببته من خراب ودمار وقتل أطفال ونساء ورجال وشباب وشيوخ بوحشية لم تر البشرية لها مثيلًا، مثلت أيضًا صفعة على جبين العصر الحديث، عصر التكنولوجيا والثورة العلمية، عصر الديموقراطية، والحرية، وحقوق الإنسان، والذى كان لديه من الفراغ ما جعله ينظر إلى أحوال الحيوانات والكلاب الضالة فى الشوارع، والقطط المتسولة أمام مطاعم اللحوم والأسماك، فتحرك لهم ضميره وأخذ يدافع عنهم ويؤسس الجمعيات والمنظمات التى تسعى إلى حل مشاكل هذه الحيوانات المسكينة. ولم يكن فى ذهن هذا العصر قط أنه بعد هذه النهضة فى كل المجالات، وبعد أن شهد من يفكر ويخطط فى الحياة على الكواكب الأخرى أنه سيأتى يوم ويرى أناسًا لا يجدون طعامًا ولا شرابًا ولا مأوى، تركوا بلادهم فرارًا من الحرب ليواجهوا حروبًا أخرى، هى البحث عن المطعم والمشرب والمسكن.
وبالرغم من كل معاناتهم لا يزالون يحتفظون بحبهم لوطنهم، وما زالت أنفسهم تتوق إلى زيارته والعيش فيه، لذلك تراهم فى الأعياد يتدفقون على الحدود من أجل العودة إلى سوريا الحبيبة وقضاء إجازة العيد فيها، فالعيد لا يكون عيدًا إلا فى سوريا التى ترعرعوا فيها وتنفسوا هواءها وارتووا من مائها وتدثروا بسمائها وذاقوا حلاوة السعادة فيها، على الرغم مما حل بها من خراب ودمار، قد يثير الحزن والشجن أكثر من إثارته للعيد والفرح، وبالرغم أيضًا من قدومهم من بلدان أخرى أكثر استقرارًا وجمالًا وتناسبًا للاحتفال بالعيد من سوريا فى ظروفها الحالية، لكن يبقى حب الوطن هو الأساس وهو المحرك المعنوى وهو الدافع، وهو الباعث على الحزن والسرور، ويبقى وطن الإنسان مهما كانت حاله أحب وأطيب وأجمل إلى قلب الإنسان من أى مكان آخر. أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن ينعم على سوريا بالأمن والأمان والاستقرار، وأن يعود إليها أهلها سالمين غانمين، إنه ولى ذلك والقادر عليه.