الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الدوحة والأزمات في الشرق الأوسط "2 ـ 2"

جورج مالبرونو
جورج مالبرونو
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
صحفى بجريدة «لوفيجارو» ورهينة سابقة لدى الجماعات الجهادية فى العراق
قطر تمول الجماعات الإرهابية مثل «طالبان» والقاعدة و«جبهة النصرة» فى سوريا وقائدها «الجولانى» الذى ظهر على «الجزيرة» 
النظام القطرى يتفاوض نيابة عن الدول الغربية مع الجماعات الإرهابية للإفراج عن الرهائن
الممارسات المنافية للالتزامات القانونية المفروضة منذ ٢٠١٤، على الدول الكبرى وهى أكثر الدول التى يتعرض رعاياها للاختطاف من قبل الجماعات الإرهابية، لا توقع على القطر المسئولية، بما أن العديد من المسئولين القطريين لدى مساءلتهم يعترفون بأنهم يبادرون إلى ذلك بناءً على طلب هذه الدول وموافقتها، إلا أنه فى حالات قليلة مثلما حصل فى قضية الرهينة التشيكية التى تم دفع فديتها بتدخل قطر، وذلك دون علم سلطات البلاد المعنية، لكن على العموم حين نتوقف عند معظم حالات الاختطاف هذه يجب التوضيح أن قطر لا تتدخل إلا بموافقة وبطلب من قِبل الدول المعنية، وهو ما حصل فى حادثة اختطافى مع زميلى فى العراق فى عام ٢٠١٤، من قبل حركة سلفية تحمل اسم «الجيش الإسلامى بالعراق» المتكونة نواته من إدارة سلفية التفت حولها عناصر «بعثية» وعسكريون وجواسيس من أتباع الرئيس السابق صدام حسين، حيث لجأت فرنسا إلى قطر لحل الأزمة، واعتقدنا أن قناة الجزيرة لعبت دورا مهما فى ذلك بمناشدة المختطفين بتحريرنا لا غير، لكننا اكتشفنا فيما بعد، وأنا أمازح وزير خارجية قطرى خلال مأدبة غذاء جمعتنا بفرنسا، ما جاء فى قوله: «لا تزعجنى من فضلك، فلقد دفعنا المال من أجل تحريرك!».

ما يمكن قوله هنا: «إن كان القطريون قد دفعوا الفدية للجيش الإسلامى، فلم يكن ذلك ليتم دون موافقة الحكومة الفرنسية»، ومع ذلك، حتى وإن اعتبر الجيش الإسلامى بالعراق جماعة إرهابية بما أنها لجأت لأفعال إرهابية متمثلة فى اختطاف مدنيين وعلى وجه الخصوص صحفيين، فإن هذه الجماعة لم تكن بالضرورة منغلقة على الحوار بما أنها فتحت باب المفاوضات مع فرنسا، وبالمناسبة فقد التحق جزء من عناصر هذه الجماعة فيما بعد بتنظيم القاعدة فيما التحق الجزء الآخر بجماعة الصحوة المتمردة التى انضمت لصفوف الجيش الأمريكى لمحاربة القاعدة.
جدير القول، إنه فى مثل هذه القضايا الحساسة، تتدخل قطر لاستغلال جميع الفرص لفرض نفسها وأداء دور مهم فى ذلك، وتثير هذه اللعبة القطرية المريبة السؤال حول سياسة الدبلوماسية القطرية المنتهجة خلال العشرين سنة الماضية، والمؤسسة على اقتناص الفرص والتحاور مع الجميع، وإن اقتضى الأمر ذلك مع الجماعات الإرهابية الممنوع التفاوض معها، لكن يبدو أن الموضوع أصبح اختصاصا قطريا فى الحديث مع جميع أطراف النزاعات دون تمييز، كمصادقة حماس طالبان، وعلاقات متوترة مع حزب الله، ومميزة مع القاعدة، بفضل هذه الروابط صنعت قطر لنفسها فرصة لتمويل الجماعات الإرهابية على غرار القاعدة فى سوريا، وإلا ما سبب ظهور محمد الجولانى المتكرر والاستثنائى على قناة الجزيرة؟ هو ما يمكن تحليله أن فى ذلك طريقة لقطر لتأكيد تمويلها لهذه الجماعات بغية مرافقتها والتأثير على مسارها، مثل محاولتها الفاشلة فى تلميع صور جماعة جبهة النصرة.

لا يمكن اعتبار سياسة قطر إزاء هذه الجماعات اعتباطيا، لكن يطرح أشكال تمويل هذه العناصر الإرهابية، وإن كان يسدى خدمة ذات طابع إنسانى للدول التى اختطفت رعاياها، بما أنها تتدخل بطلب من حكوماتها، وبالتالى يدعم مكانتها كطرف فاعل فى هذه الدبلوماسية «القناصة» التى أصبحت علامتها المسجلة، ومع هذا يبقى هذا الوضع غير مقبول مطلقا.
إن سُئلت أنا المواطن الفرنسى عن رأيى فى مساعدة قطر من أجل تحريرى سأقول حتما إن للإمارة فضلًا علىّ، ولكن من وجهة نظرى الصحفى، أعتبر مواصلة دفع الفدية وبكل موضوعية، هو مواصلة لدعم الجماعات الإرهابية ماديا، ولن يساعد ذلك إلا على توسيع هذه الشبكة، وبالتالى من المفروض محاربة هذه الفكرة، وهى السياسة التى انتهجتها فرنسا التى دفعت مقابلًا ماديًا معتبرًا، وعلى مدار سنين للجماعات فى إفريقيا، وسبق لوزير الخارجية الأسبق لوران فابوس أن اعترف أن مجموع الفدية التى دفعت لتنظيم القاعدة فى المغرب الإسلامى خلال الفترة ما بين ٢٠١١ و٢٠١٦، قد قدرت بـ١٠٠ مليون دولار، وهى قيمة ما يسمح للجماعات الإرهابية فى المنطقة بشراء مختلف أنواع الأسلحة وشراء الذمم والتحالفات، رغم البعد الإنسانى الذى تتسم به عملية تحرير الرهائن والسماح لهم بالعودة بين أهاليهم سالمين، والذى يسمح لقطر بفرض نفسها بشكل جيد فى الصراع من خلال إسداء خدمات. ويكون تحويل الأموال لصالح الجماعات الإرهابية أمرا واقعا كذلك، لكل واحد الحرية فى التحليل من زاوية مغايرة، لكن فى سياق محاربة الإرهاب خصوصا تنظيم القاعدة وداعش فإن الوضع يطرح أشكال عدم قبول تمويل هذه الجماعات، لأن ذلك يدعم وجودها ويزيد من خطرها، وسينقلب الأمر علينا حتما. 
ويتبقى من النقاط المطروحة فى شكل علامة استفهام، حول مصادر التمويل القادمة من جهات خاصة، التى لا تخفى عن علم السلطات، أن قطر تلعب فى منطقة رمادية، شبه إنسانية وشبه سياسية، تسمح لها بالانفلات من الشباك فيما يخص مسألة تمويلها للإرهاب، مسألة حساسة معقدة لكن حقيقية، يستوجب على بلدان المجتمع الدولى التدخل للنظر فيها خصوصا فى ظل الأزمة الحالية مع السعودية التى تحاول مؤخرا استدراك الوضع، لأن مكافحة الإرهاب أصبحت من أولويات فرنسا على غرار عدة دول أوروبية ومن الشرق الأوسط، حيث قررت حكومات هذه البلدان عدم التساهل والمجاملة فيما يتعلق بالمسائل التى لها علاقة بالإرهاب وطرق تمويله، خصوصا حين نقدر القيمة المالية الضخمة التى تحولت لصالح الجماعات الإرهابية مع السؤال الملح، لماذا نالت "جبهة النصرة وداعش" فى سوريا حصة الأسد من هذه الغنيمة، بفضل مساعدة قطر؟.