السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تطبيق الشريعة.. بين السياسة والدين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بادئ ذى بدء نود أن نؤكد أن الدعوة إلى تطبيق الشريعة، ليست - كما يتوهم الكثيرون - دعوة دينية خالصة، وإنما لها بعد سياسى خطير يتمثل فى السعى نحو الوصول إلى الحكم، وذلك بإقامة الحكومة الإسـلامية. إن السعى نحو الوصول إلى الحكم، فى ظل نظام تعدد الأحزاب، أمر مشروع، وإنما يكمن الخطأ والخطر فى إقحام الدين فى الأمور السياسية. ومحاولة - بعض الداعين إلى تطبيق الشريعة - الإيهام بأنها دعوة دينية خالصة لا تبتغى إلا وجه الله وتنفيذ أوامره، ومن هنا حاولت بعض الجماعات الدينية التأكيد على وجود تماثل بين الإسلام وتطبيق الشريعة، مدخلين فى روع الناس أن الدعوة إلى تطبيق الشريعة هى دعوة إلى الإسلام، وأن رفض هذه الدعوة هو مروق عن الإسلام. 
واللافت للنظر أن عددًا من الكتَّاب وبعض القيادات السياسية داخل الحكومة وخارجها انساق وراء هذا الوهم - رغم معارضته الصريحة للجماعات الدينية المتطرفة - وظن أن معارضة تطبيق الشريعة تعنى اتهامه بالوقوف فى وجه الإسلام. ومن هنا جاء الموقف الغريب لهؤلاء الساسة والكتَّاب، والمتمثل أحيانًا فى تملق التيار الدينى بإعلان تأييد الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، والاكتفاء -فى أغلب الأحيان- بنقد التيار الدينى المتطرف دون الاقتراب من قضية تطبيق الشريعة لمعالجتها بطريقة موضوعية.
إن إحجام الكثير من المفكرين والكتَّاب عن تناول مسألة تطبيق الشريعة لبيان ما لها وما عليها، بالامتناع عن مناقشة هذا الموضوع أصلًا، أدى - ضمن مجموعة أخرى من الأسباب لها أهميتها ولا يتسع المجال هنا لعرضها- إلى وقوع الشباب فريسة سهلة لإغواءات الجماعات الدينية المتطرفة.
وإذا كانت الدعوة إلى تطبيق الشريعة تلقى استجابة من قبل قطاع كبير من الشعب المصرى، فإن أحد أشكال هذه الاستجابة يرجع إلى الأمل فى أن إقامة الحد على السارق، سيقضى على الفساد المتفشى بشراسة فى مجتمعنا، وأن إقامة حد الزنا ستؤدى إلى حماية المجتمع من الرذائل، تحديدًا، بمعناها الجنسى. وهنا يحق لنا أن نتساءل: هل أدى تطبيق الشريعة فى الأقطار التى قامت بتطبيقها بالفعل إلى القضاء على الرذائل؟ إن نظرة متأنية ومتفحصة إلى طبيعة ما يدور بعيدًا عن الأنظار فى تلك المجتمعات، تؤكد لنا أن الأمل فى أن يؤدى تطبيق الشريعة إلى القضاء على الرذائل بمعناها الجنسى، هو مجرد أمل مخادع. ويرجع السبب فى ذلك إلى أننا وإن استطعنا أن نمنع عوامل الغواية الآتية إلينا من الداخل، فليس فى وسعنا أن نمنع ما يرد منها من الخارج، وذلك لأن طبيعة تكوين العالَم الذى نعيش فيه اليوم، اختلفت عما كانت عليه منذ قرون، فلم يعد بالإمكان - بعد ثورة الاتصالات التى تحققت فى هذا القرن - أن نعزل أنفسنا عما يحيط بنا، إذ لم تعد الحدود السياسية للدول أسوارًا صماء بقدر ما أصبحت موجات من الأثير تحمل نبض العالَم. لقد صار العالَم أشبه بقرية واحدة، وعلى ذلك فإن أقصى ما يمكن أن تؤدى إليه إقامة الحدود فى هذا المجال هو العمل على تقهقر تلك الرذائل لتتم فى الخفاء على نحو أكثر حدة. 
وهنا يبرز سؤال: هل الرذائل الأخلاقية تقتصر على الجنسية فحسب؟! من الملاحظ أننا فى مصر، وفى سائر المجتمعات العربية، نعطى للرذائل المتصلة بأمور الجنس حجمًا هائلًا يكاد يلاشى ما عداها من رذائل، مثل: الكذب والنفاق والتكاسل أو الإهمال فى أداء الواجب وعدم الوفاء بالعهد. فى حين أن مثل هذه الرذائل الأخيرة لا تقل من حيث نتائجها الضارة عن رذيلة كالزنا. 
إن الأضرار الناجمة عن ارتكاب الزنا، تحيط بمرتكبى هذه الجريمة وحدهم - وليس فى هذا إقلال من خطر هذه الجريمة - فى حين أن جريمة المنافقين من قادة الرأى مثلًا تفسد كثيرًا من الشباب، وتؤدى بهم إلى التخبط والضياع. 
إن الدول التى طبقت الشريعة الإسلامية، تعاقب الزناة وتقيم عليهم الحد، فكم يا ترى عدد هؤلاء الذين تمت معاقبتهم بتهمة منافقة حكَّام تلك الدول؟! إن ما نراه فى تلك الدول هو عكس ذلك تمامًا، إذ يتم التنكيل بكل من يقول ما يرى أنه الحق. 
يبقى بعد ذلك أن نقول إن التفكير فى مشروع قومى يستنفد طاقة الشباب فى تعمير البلاد وبنائها، لهو أجدى فى صرف الشباب عن كل المثيرات الضارة التى ترد إلينا من الخارج والداخل على السواء.