الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

من يطفئ الشمس على أرض الرافدين؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ما إن تطأ القدم أرض مطار بغداد وتكتحل العين بأشجار نخيلها الشاهد على عصور الشموخ والازدهار التى عاشها هذا البلد العريق، حتى تغمرك رائحة كريهة تنهش مخالبها فى كل تفاصيل الجسد العراقى. الفساد الذى أصبح القاسم المشترك فى أبجديات الحياة اليومية، دونه يصبح الحصول على أبسط الحقوق مهمة مستحيلة تدخل المواطن العادى فى متاهات ودوائر مفرغة لتجبره على العودة إلى استجداء الطرق الملتوية. بالتالى لم يبق للعراقيين -بعدما أصبح دستور «اللا منطق» هو الحاكم على كل وأى شيء- سوى مناشدة رحمة السماء. صراخ الغضب المشروع أصبح السمة السائدة فى الشارع العراقي، الحقوق، السلطة، البذخ كلها تمثل أركان دولة النعيم الذى تقتصر حدود التمتع به على الساسة والأحزاب والميليشيات، كأنهم لم يكتفوا بالمليارات المسروقة من خير العراق التى كشفت عنها وثائق حساباتهم فى البنوك، بل أصروا على تحويل حياة المواطن البسيط إلى جحيم من المعاناة اليومية، حتى عمال المقاهى الشعبية ومحلات التسوق وسائقى سيارات الأجرة الذين كانوا يشغلون أرقى المناصب الحكومية والدبلوماسية.
الرد المكرر على السؤال الذى دفعهم إلى هذه المهن البسيطة فى أواخر أعمارهم هو البحث عن لقمة العيش بعدما عجزت حكومة «أغنى دولة عربية» عن توفير رواتب تقاعد تضمن لهم أدنى متطلبات الحياة الكريمة.
الأدهى أن الإجابة لا تتوقف عند هذا الحد، بل تمتد إلى شكوى مريرة نتيجة إهانات يتعرضون لها ممن يصفون أنفسهم فوق البشر وفوق أى قانون. إن كانت مقومات هذه الكلمة ما زال لها وجود فى البلد الذى سن فيه «حمورابى» أول قوانين!
حالة اليأس السياسى لم تتراكم من فراغ.. الكيانات المعارضة والداعية للإصلاح -للأسف- فى حالة انقسام بين كيانات صغيرة، بالتالى هى عاجزة عن الخروج من حالة التشرذم وتشكيل كتلة إصلاح قوية ومؤثرة على الحكومة، رغم أن المطالب واحدة ومعروفة، أبرزها محاربة جادة للفساد وإجراء إصلاح سياسى جذرى لا يعتمد على حلول المسكنات، إلا أن بعض التيارات المدنية العاجزة عن تعبئة الشارع -مثلا- لا تتقبل لجوء بعض المحسوبين عليها إلى عقد تفاهمات مع تيار الزعيم الدينى «مقتدى الصدر»، نظرًا لوجود خلافات جذرية وتاريخية بين الثوابت الأساسية التى قام عليها كلا الطرفين، ورغم قدرة الأخير على التحشيد الهائل عبر صرف أو إحضار مئات الآلاف فى ساعات لمجرد أمر منه، إلا أن الأسلوب المتقلب وغير المدروس يدفع بالعديد من التيارات المدنية إلى اتهام الصدر بأنه يثير الشارع العراقى ثم يدعو إلى التهدئة فجأة، وفقًا لمصالحه الشخصية فقط.
الأمر الأكثر إثارة للدهشة أن الحكومة تتعامل بطريقة «خليهم يتسلوا» مع بلوغ الغضب ضد المنظومة السياسية -بلا استثناء- لعل أحد الأمثلة من سلسلة قرارات غير مدروسة تصدر يوميًا، زيادة رواتب نواب البرلمان رغم أن المعلومات الموثقة عن فسادهم المالى هى مادة متداولة علنًا فى الشارع العراقى، أيضًا اقتطاع جزء من رواتب وتقاعد صغار الموظفين التى بالكاد تكفى مطالبهم الأساسية بذريعة جمع مساعدات لما يعرف بالحشد الشعبى الذى أصبح طرفًا مؤثرًا فى معادلة أمنية ما زال يحيطها الغموض والتخبط.
مجرد إعلان حكومى وقرار برلمانى صدر بإدراجها ضمن قوات الجيش العرقى دون الكشف عن آلية واقعية لتطبيق الخطة أو أى تفاصيل عن جدية تنفيذ القرار، أصبح واقع الأمر بلوغ هذه القوى -التى واقعيًا ما زالت مجرد ميليشيات لم تدرج ضمن الجيش- مرحلة نفوذ تتجاوز كل القوى الأمنية الرسمية رغم التصريحات المعلنة رسميًا ضد كل مظاهر الطائفية، إلا أن العين لا تخطئ الاصطدام ببعض مظاهرها الواضحة، سواء عبر أعلام مرفوعة على أسقف منازل كثيرة، أو ملصقات تملأ الشوارع والميادين، تحمل بعدًا طائفيًا مرفوضًا وصل إلى جدران المؤسسات الحكومية، وهو أمر مستحدث على عراق ما بعد ٢٠٠٣، بل حتى ضمن الشهادات التى جمعتها خلال لقاءاتى مع مجموعة من السيدات المهجرات من مختلف محافظات العراق المحررة من داعش، أكدن لى أن السبب وراء عدم عودتهن إلى مدنهن والبقاء فى المخيمات هو طائفي.
فى المقابل، المواطن البسيط لم تعد تعنيه إشكالية عراق ما قبل أو بعد ٢٠٠٣، هو ببساطة يترحم على الطرق، المرافق، الخدمات، السلع التموينية التى كانت توفر له بأقل الأسعار، يريد بارقة أمل تخفف من معاناته اليومية بغض النظر عن طبيعة المنظومة السياسية، سواء كانت فى صورة دكتاتورية أو حرب طائفية، حتى أصبحت مشاهد اعتداء الحشود الغاضبة على مواكب مسئولى الحكومة والأحزاب متكررة، الفرق فى المواجهة الأمنية أن رئيس الحكومة «حيدر البغدادى» يتعامل بقدر أكبر من ضبط النفس مقارنة بسلفه «نورى المالكى» خصوصا بعدما تكررت حوادث إطلاق النار على التظاهرات السلمية بالقرب من المنطقة الخضراء أو ساحة التحرير.
لعل عجائب «ألف ليلة وليلة» ما زالت تلقى بظلالها على العراق، منها يستلهم الشعب القدرة على الممارسة والاستمتاع بطقوس الحياة اليومية متجاوزًا كل الظروف من أجل البقاء.