السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

عمرو عبدالحافظ صاحب مبادرة مراجعات "الإرهابية" بالسجون في حواره لـ"البوابة نيوز": "الإخوان" أصبحت طاردة لأعضائها.. "الجماعة" خالفت المنطق السياسي في معظم قراراتها

عمرو عبدالحافظ
عمرو عبدالحافظ
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عناصر الجماعة.. واعتدوا علينا فى السجون بالضرب والشتم 

بعد عودة الحديث من جديد عن المراجعات الفكرية لجماعة الإخوان، يحاول فريق داخل الجماعة السير على درب الجماعة الإسلامية فى التسعينيات، ويقدم رؤية جديدة، محاولًا أن يظهر فى ثوب جديد ويندمج فى المجتمع مرة أخرى، وذلك بعدما ساءت سمعة الإخوان وأصبحت منبوذة من الشعب، بعد سلسلة أعمال العنف التى ارتكبتها عقب ثورة 30 يونيو 2013، عقب عزل الرئيس الإخوانى محمد مرسي. 
وحاورت «البوابة» عمرو عبدالحافظ، والذى قدم أطروحة لمشروع المراجعات من داخل سجن الفيوم، حيث تم سجنه على خلفية انضمامه لجماعة إرهابية أسست بما يخالف القانون، ويواجه حكما بالسجن عشر سنوات، فإلى نص الحوار: 
■ حدثنا عن ملامح المشروع الفكرى الذى تعملون عليه منذ عامين؟
- جاءت مراجعاتنا فى محورين رئيسيين: الأول مراجعة المواقف السياسية للجماعة منذ يناير ٢٠١١ وحتى الآن فى ضوء القواعد العلمية للممارسة السياسية، وانتهينا فيها إلى أن الجماعة خالفت المنطق السياسى فى معظم قراراتها وتوجهاتها فدخلت بنفسها وبالبلاد فى صدام لم تحسن حساب تبعاته، ومن ثم يصبح العمل وفق قواعد السياسة باحتراف ضمن أهم ملامح المشروع الجديد.
والثانى بمراجعة المنطلقات الفكرية التأسيسية والمقولات الفكرية الكبرى عند حسن البنا وغيره من منظرى الجماعة، اكتشفنا وجود ثغرات فى الفكرة الرئيسية؛ مثل اعتبار التراجع السياسى للأمة هو سر تأخرها، بينما الصحيح من وجهة نظرنا أن الأمة تراجعت حضاريا بشكل كامل ولم تتراجع سياسيا فحسب، وبالتالى فإن التغيير لا يتمركز حول إصلاح الحكم ووصول الجماعة إلى السلطة، وإنما التغيير يتطلب إصلاح جوانب عديدة يكون الحكم واحدا منها وليس مركزا لها، إذن يصبح الصراع المحتدم حول السلطة والوصول إليها ليس هو المرتكز الذى ينبغى أن نتمحور حوله. 
■ وما ملامح ذلك المشروع الأساسية؟
- بحثنا فكرة وجوب دولة إسلامية عالمية ينضوى تحت لوائها كل مسلمى العالم واعتبار أن هذا هو هدف تأسيس الجماعة، بعد البحث وجدنا أن كثيرا من مفكرى الأمة يرون أن دولة الخلافة كانت تجربة تاريخية بنت عصرها، وليست واجبا شرعيا يتحتم على المسلمين إعادته، على اعتبار أن السياسة من الأمور التى يبحث فيها المسلم عن المصلحة فى ضوء مقاصد الشريعة وليست من الأمور التى يجد فيها نصوصا قاطعة تحدد تفصيلا ماذا ينبغى أن يفعل؟، وبالتالى تصبح الدولة ونطاقها وطرق تشكيلها جهدا بشريا يلتمس فيه المسلم مقاصد الشرع، وتتوالى الملامح بعد ذلك مما يضيق المقام عن شرحه، مثل التخلى عن فكرة الخلط بين الدين والتنظيم واعتبار المجتمع هو المظلة الكبرى للعمل وليس التنظيم الضيق، والتخلى عن صيغة التنظيم الشمولى الذى يعمل فى كل المجالات واعتماد صيغة التنظيمات الفضفاضة التى تتعدد وتتنوع وتتخصص، وينفصل فيها الدعوى عن الحزبي.
■ ما رد فعل الإخوان على المراجعات؟
قبل أن نبدأ رحلة مراجعاتنا، طالبنا الإخوان بتبنى مشروع المراجعات، ولكنهم رفضوا، فقررنا أن نخوض التجربة بأنفسنا بعيدا عن التنظيم، فلجأ الإخوان إلى عدة حيل لصرفنا عن هدفنا؛ منها محاولة احتوائنا وإقناعنا أن المراجعات سوف تشق الصف وتحدث نوعا من الخلاف والفرقة، ولم نقتنع وأصررنا على الاستمرار لقناعتنا بأن المراجعة واجب الوقت.
■ وهل تعرضتم للإيذاء البدنى من قبل الإخوان بسبب المراجعات الفكرية التى أخرجتموها؟
- نعم، فقد بدأوا فى محاولات منعنا من الحديث إلى السجناء وإطلاق حملة شائعات ضدنا بهدف صرف السجناء عنا، ولما لم يفلحوا فى كل ذلك واستقام مشروعنا ووجد رأيا عاما مساندا لم يجدوا ما يواجهوننا به إلا الشتم والتجريح وادعاء أننا نحارب الدين، حتى وصل بهم الارتباك إلى الاعتداء علينا بالأيدي.
■ ما حجم تعاملك مع أجهزة الأمن فيما يخص مشروعك الفكرى والمراجعات المطروحة، خاصة أن كل المراجعات الفكرية للتنظيمات الدينية داخل السجون تمت بتفاهمات مع أجهزة الأمن؟ 
- بدأنا مراجعاتنا بدافع ذاتي، ولم تكن أجهزة الدولة على علم بها، لأننا كنا نتحرك داخل السجن ونلتقى بصورة طبيعية كما هو متاح لكل السجناء، ثم أعلنا عن أفكارنا وعن وجودنا فى وسائل الإعلام واستطعنا التواصل مع بعض العلماء والمفكرين والباحثين.
وبعد الإعلان، انتبهت أجهزة الدولة لشيء يجرى داخل سجن الفيوم فبدأت فى فحص الملف والتحقيق معنا بهدف التأكد من مدى جدية هذا الإعلان وهل هو مراجعة حقيقية أم مجرد مناورة بهدف الخروج من السجن، وتأكدت بعد فترة التحقيق من جدية المراجعات، خاصة بعد أن اطلعت على كتاباتنا المنشورة.
وأتوقع أن أجهزة الدولة استعانت بخبراء فى شئون الحركات الإسلامية للتأكد من تماسك الأفكار المطروحة، كما تأكدت بعد التحقيق من أهدافنا وأننا نمثل تيارا مهما داخل السجن ولسنا مجرد أفراد قليل عددهم.
■ كم يبلغ عدد المشاركين فى كتابة وصياغة المشروع الفكري؟
- أستطيع أن أقسم فريق المراجعات إلى ثلاث شرائح: الأولى: صناع هذه المراجعات الذين تولوا صياغة المشروع وإدارة مراحله المتعاقبة، والثانية: قادة الرأى الذين استوعبوا ملامح المشروع بصورة متكاملة وانطلقوا إلى جانب أفراد الشريحة الأولى لنشر تفاصيله وإقناع السجناء به، والثالثة: الجماهير التى تمثل الرأى العام المؤيد والمساند للمشروع.
وتوزيع الشرائح الثلاث يشبه الشكل الهرمي، بحيث تكون الشريحة الأولى هى الأقل عددا بطبيعة الحال، ثم يزداد العدد كثيرا فى الشريحة الثانية، ثم يزداد جدا فى الثالثة التى تمثل قاعدة هذا الهرم.
■ وهل تعتقد أن هذا المشروع سوف يلقى رواجًا بين الإخوان السجناء وبين مجموعات الإخوان خارج السجون؟
- أفكارنا تجد رواجا كبيرا سواء داخل التنظيم الإخوانى أو خارجه، ولكن إنسان التنظيم مكبل بقيود انتمائه ويصعب عليه أن يتصرف وفق قناعته قبل أن يستأذن التنظيم الذى لن يأذن له أبدا، لذا لا يستطيع التصرف وفق ما يؤمن به إلا إذا اتخذ قرارا بمغادرة التنظيم نهائيا، نحن نعول على هؤلاء الذين امتلكوا شجاعة اتخاذ هذا القرار، وعلى غيرهم ممن كانوا يدورون فى فلك الإخوان دون ارتباط تنظيمى يقيد قراراتهم وتحركاتهم.
■ هل تتوقعون حجم تأثير خارجى للمشروع الفكرى الخاص بكم فى حال إطلاق سراحكم؟ 
- نعم، فأنا لدى مشروع فكرى متكامل لا يقتصر على السجون فقط، بل أسعى مع رفاقى إلى نشره فى مصر كلها، حينما تحين ساعة الإفراج سوف أواصل دورى فى نشر هذه الأفكار خارج السجن بطبيعة الحال.
■ هل تقوم الإخوان بتجنيد بعض الأفراد داخل السجون فى الوقت الحالي؟
- لا، جماعة الإخوان تعيش حالة إفلاس سياسى وفكرى وحالة من انعدام الرؤية فى مواجهة الحاضر والمستقبل، وبالتالى لم تعد شيئا جاذبا للسجناء من غير الإخوان، بالعكس أصبحت شيئا طاردا لعناصر التنظيم ولغيرهم، ما يشغل الإخوان فى السجن هو الحفاظ على التنظيم من التفتت والعمل على عدم زيادة نسبة الانشقاق.
■ ما طبيعة نقاشات الإخوان داخل السجون؟
- معظم نقاشات الإخوان فى السجن تدور حول الأمور الدينية والمعيشية وتناول الأخبار السياسية بشيء من الانتقاء، وغير مسموح بتداول بعض جوانب الصورة التى تبرز ضعف الإخوان أو وجود أزمة داخل صفوف الجماعة.
وما يسيطر على الإخوان فى السجن هو أن يظل أعضاء الجماعة متمحورين حولها، وفى سبيل ذلك يتم تغييب حقائق وشغل السجناء عن أى شيء يقودهم إلى التفكير فى أداء الجماعة السياسى ورؤيتها فى التعامل مع الحدث.
عبدالماجد
كان للجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد فى مصر، تجربة رائدة فى المراجعات الفكرية؛ حيث أعادوا النظر فى أغلب إن لم يكن كل أقوالهم الفقهية، وآرائهم الفكرية، بشكل مفصل بأدلته وأسانيده، خاصة تلك القضايا المتعلقة بالتكفير واستحلال الدماء وتغيير المنكر بالعنف، وفرض القوة فى مجال الدعوة، والقيام بمهام ولى أمر المسلمين «الأمير» أو «الخليفة» فى إقامة الحدود الشرعية على المخالفين، سواء استحقوا هذه الحدود أم لم يستحقوها.
وارتبطت هذه المراجعات التى ظهرت للنور عام ١٩٩٧، بمبادرة وقف العنف من طرف واحد دون شرط أو قيد، والتى دخلت حيز التنفيذ عام ٢٠٠١، وتسببت فى شق صف الجماعة داخل السجون، بعد أن رفض الشباب من الصف الثانى والثالث ما قام به قادة الصف الأول، معتبرين هذه المراجعات نتيجة طبيعية لضغوط الحكومة فى ذلك الوقت، إلا أن الجميع أبدى فيما بعد موافقته على المراجعات حتى يتمكن من العودة إلى حياته الطبيعية مرة أخرى.
إلا أن ممارسات قادة الجماعة بعد أحداث ٢٥ يناير و٣٠ يونيو وما تلاها من سقوط حكم الجماعة الأم فى مصر، وفض اعتصامى رابعة والنهضة، كشفت القناع عن حقيقة مراجعات الجماعة الإسلامية، وأكدت أنه ليس كل ما يلمع ذهبًا، وظهر ذلك جليا فى ارتداد عدد من قادة الجماعة عن المراجعات، ودعوة بعضهم للعودة إلى العنف ضد الدولة والمجتمع الرافض لحكم الإخوان، فقد اعتلى الإرهابى الهارب عاصم عبدالماجد -أحد قادة المراجعات- منصة رابعة العدوية ليطالب المعتصمين بالثبات، قائلًا: «اثبتوا فإن التولى يوم الزحف من أكبر الكبائر ومن الموبقات السبع»، وكان هو أول الفارين الهاربين إلى قطر!
هذه الممارسات والتصريحات التى تزامنت مع إعلان حزب «البناء والتنمية»، الذراع السياسية للجماعة الإسلامية، تحالفه مع جماعة الإخوان الإرهابية، دون إنكار من الحزب للعنف الذى تمارسه عناصر الجماعة، تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن مبادرة نبذ العنف ومراجعات الجماعة الإسلامية لا تزال حبرًا على ورق فى عقول كثير من قادة العنف وأمراء الدم، من أبناء هذه الجماعة، التى تعتبر نفسها «الجماعة الأب» مثلما يطلق عليها عاصم عبدالماجد.
ولكن باستثناء هذه القيادات التاريخية التى ارتدت عن المراجعات الفكرية للجماعة الإسلامية؛ فإن هناك فصيلًا ظل متمسكًا بمراجعاته، مبرهنًا على صدقه فيها، بكتابة العديد من المقالات وتأليف عدد من الكتب لمواجهة الفكر المتطرف، ومن بينهم الدكتور ناجح إبراهيم، عضو مجلس شورى الجماعة السابق، وكرم زهدي، وفؤاد الدواليبي، وعوض الحطاب، وغيرهم ممن نبذوا العنف وراءهم ظهريًا.