الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

العدالة والقانون «7»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
توقفنا فى الأسبوع الماضى عند أبرز الردود والانتقادات التى وجهت إلى نظرية العدالة عند رولز، فأشرنا إلى موقف مايكل ساندل الذى رأى أن عيب الليبرالية المعاصرة فى كونها لم تأخذ بعين الاعتبار مسألة الجماعة، بل اهتمت بتفرد الذات بشكل قبلي، بمعنى أنه لا ذات عند رولز إلا الذات التى يفترض مسبقًا أنها منفردة بنفسها؛ لكن الذات -كما يراها ساندل- هى ذات مجسدة ضمن نسيج من العلاقات الاجتماعية والإنسانية.
أما إمارتيا صن فرأى عيب تصور رولز أنه يظل قاصرًا من ناحية عدم اهتمامه بالسلوك الفعلى للناس، بمعنى آخر، أن المؤسسية الما فوقية فى بحثها عن الكمال، تركز -فى المقام الأول- على الوصول إلى المؤسسات العادلة، ولا تهتم مباشرة بالمجتمعات الفعلية التى ستنبثق فى النهاية من تلك المؤسسات، إذ لا بد لطبيعة المجتمع الذى سينتج عن أى مجموعة معينة من المؤسسات أن تعتمد على سمات لا مؤسسية، كأنماط السلوك الفعلى للناس وتعاملاتهم الاجتماعية.
وتُعد الانتقادات والردود المتبادلة التى قامت بين رولز ويورجين هابرماس من أهم المناقشات المعاصرة التى أثارتها نظرية العدالة بوصفها إنصافًا، خاصة ما يتعلق بالمقاربة الليبرالية السياسية التى تقيدت بحدودها وتأسست على مقولاتها، وقد ارتكزت انتقادات هابرماس الرئيسية لنظرية رولز فى العدالة على ثلاث مسائل، هي: أولًا، التشكيك فى قدرة الوضع الأصلى -كما جاء فى العدالة بوصفها إنصافًا- عن التعبير عن حكم أخلاقى موضوعى حيادى واجبى بشأن مبادئ العدالة. ثانيًا، الإخفاق فى عدم توضيح الشروط والضوابط التى يتعين على الأطراف المشاركة فى التفاوض للتوصل من خلالها إلى مفهوم سياسى للعدالة يمكنه أن يقوم على أساس أخلاقى ملائم. ثالثًا، الإخفاق فى تحقيق الهدف المتمثل فى المواءمة بين الحريات والحقوق الليبرالية الجوهرية وفق المفهوم الليبرالى المعاصر وبين مفهومها عند القدماء.
يرى هابرماس أنه لا يمكن للمواطنين الذين يُفترض أنهم يتمتعون بالاستقلال الذاتى أن يمثلوا عبر الأطراف المفتقرين لهذا الاستقلال، فالمواطنون ذوو قوة أخلاقية بوصفهم أعضاء فى مجتمع ديمقراطى مثالى حسن التنظيم، ولهم حس بقيمة العدالة والقيم السياسية الأخلاقية عمومًا. إذن، فكيف لمبادئ العدالة -التى جرى التعاقد عليها- أن تتناسب مع شروط تفكير غير موافقة لعقل المواطنين العام؟ كيف لهذه المبادئ أن تعبر عن الشرعية السياسية الليبرالية؟
ولا شك -فيما يرى هابرماس- أن الحقوق والحريات الليبرالية السياسية، بوصفها رؤية مثالية، هى تنظيم للعلاقات بين مواطنين متفاعلين قادرين على اتخاذ قرارات وأحكام حقيقية. وبالتالى، فإن رولز لا يقدم حلًا كافيًا لمشكلات الاستقرار فى ظل واقع التعددية، فالحريات والحقوق الأساسية مثل: الضمير والملكية، وغير ذلك مما عده رولز أولوية دستورية لا تنازل عنها ولا مقايضة لها بغيرها، تبدو غير منسجمة مع المقاربة الجمهورية التى تقول بأولوية المشاركة السياسية بوصفها حقًا يجعل المواطن مستقلًا ومؤكدًا ذاته كعضو فى الجمهورية، ولخيره السياسى العام المتمثل فى الاستقرار الاجتماعى السياسي. وبناء عليه، فإن ليبرالية رولز السياسية غير قادرة على التعامل مع واقع التعددية بشكل ملائم.
ورغم جميع هذه الانتقادات يمكن رؤية تأثير «جون رولز» ومن قبله «كانط» فى أعمال معاصرة أخرى تخص مفهوم العدالة، منها أعمال: توماس ناجل، وتوماس سكانلون، وروبرت نوزيك، وكثير غيرهم الذين تأثرت تحليلاتهم لمشكلات العدالة تأثرًا قويًا بنظرية «كانط» و«جون رولز».