الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

دار الإفتاء.. جهد فكري ومشروعات طموحة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حين تتحدث مؤسسات الدولة عن الإنجازات فهى أنواع: مؤسسات لم تنجز وتوهم الناس أنها أنجزت، وبالتالى فالقائمون عليها مخادعون كاذبون، ومؤسسات أنجزت مهمتها، فالقائمون عليها مخلصون جادون، ومؤسسات أنجزت فوق مهمتها، فالقائمون عليها وطنيون مخلصون لهم احترام زائد وتقدير خاص.
دار الإفتاء المصرية من النوع الثانى، وكادت تصبح من الثالث، لولا الخطوات السريعة التى يقطعها الإرهاب على الأرض، لكنها كانت سباقة حين أسست موقعا بعدة لغات، ومجلة علمية، وفروعا بالمحافظات، ومركزا متخصصا للتعليم عن بُعد، وانتقلت الدار من المحلية للعالمية، وشهدت الأمم المتحدة بإنجازاتها ودورها، واستقلت ماديا وإداريا، ولم تتعرض للفوضى التى تعرضت لها مؤسسات مماثلة.
الأمر جد خطير، ولا مجال فيه للمجاملات، دار الإفتاء ما زال أمامها الكثير والكثير، ولكن ما وصلت إليه فى حدود دورها مقبول جدا، فعلميًا ملأ علماؤها فراغا كبيرا، فمع تعطيل قناة الأزهر لم تنتظر الدار، واستغلت وجود منفذ لها فى قناة الناس، فنشرت من خلاله الوسطية، وقاومت الأفكار المنحرفة، فبينما نجد علماء لا يستغلون المنافذ المتاحة لهم نجد علماء دار الإفتاء يخلقون لأنفسهم مساحات كبيرة لمقاومة التطرف ونشر المنهج الأزهرى الصوفى الأشعرى المذهبى.
تستكمل الدار مهمتها بعقد مؤتمرها العالمى الثانى ١٧-١٩ أكتوبر الحالى، عن «دور الفتوى فى استقرار المجتمعات»، برئاسة فضيلة المفتى الدكتور شوقى علام، ورعاية رئيس الجمهورية، والعنوان نفسه فيه دلالة مهمة، فكأن الدار لم تكتف باستقرار الأفراد وتوجيههم نحو الاعتدال، فاضطلعت بدور أوسع فى استقرار المجتمعات، وعسى أن يتحقق المراد.
قلتُ فى غير هذه النافذة إن أكثر مؤتمراتنا الدينية (وغير الدينية) هى مضيعة للوقت والمال العام، إلا أن المنصف يرى بكل حيادية أن مؤتمرات دار الإفتاء مستثناة، وذلك لسببين:
الأول: أن فضيلة المفتى ومعاونيه مشغولون على ترجمة أعمال المؤتمر إلى نتائج ملموسة، بل إن المتابع لتصريحات ومقالات الدكتور إبراهيم نجم مستشار فضيلة المفتى يلحظ أنه يركز بقوة عما بعد المؤتمر من مشروعات يجرى تنفيذها على الأرض، وكان يمكن أن نقرأ كلامه على أنه دعاية لمؤسسته، لولا أن هذا بالفعل تم عقب تجربة المؤتمر الأول، لذا أكتب هذا المقال والمؤتمر لم ينته، لأن الانشغال الحقيقى بما بعد المؤتمر.
الثاني: أن الدار وبجهود مفتيها السابق الدكتور على جمعة، التزمت المؤسسية طريقا وسبيلا، فلا مجال فيها لوساطة أو مجاملة، ومضى الدكتور شوقى علام على هذا المنوال، لذلك وجه الرئيس السيسى نقدا مباشرا غير ذى مرة لمشيخة الأزهر، لكنه لم يشر بانتقاد واحد لدار الإفتاء، وفوق ذلك وافق على التجديد لفضيلة المفتى فور انتهاء مدته، ودون إبداء ملاحظات، فى الوقت الذى وافق فيه على التجديد لغيره من المشايخ بعد لغط وجدل وإحراج وطول وقت.
تتبقى إشارة مهمة من حيث إن موقف الدار من جماعة الإخوان والجماعات المماثلة موقف الرفض الواضح الجلى، وترتب على هذا أن أحاديث زكمت الأنوف عن الاختراق الإخوانى والسلفى لإحدى المؤسسات الدينية فى الوقت الذى لم يجرؤ واحد أن يتحدث عن أى اختراق مماثل لدار الإفتاء، لماذا؟ لأن الدار تنفى التطرف الفكرى، ومشغولة بالقضايا والأفكار، لا بالأشخاص والمواقف، وليس مواجهتها لانحراف الإخوان وغيرهم موقفا سياسيا، بل موقف فكرى أصيل لم يطرأ عليه تغيير حتى أيام حكم الإخوان.