الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

عبد الحليم محمود.. العالم الورع

عبد الحليم محمود
عبد الحليم محمود
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تميز برؤية إسلامية ثاقبة، وكان له مواقف تجمع بين اللين والشدة ودور بارز في إنشاء العديد من المعاهد الأزهرية والمساجد والجمعيات، وفتح أبوابه على مصراعيها لطلاب العلم من شتى أنحاء العالم، فأعاد للأزهر دوره الريادي كمنارة للتربية والتعليم في العالم الإسلامي، واستحدث بالأزهر إدارة القرآن الكريم، وسعى لدعمها ونشرها في جميع أنحاء مصر والعالم الإسلامي.
إنه عبد الحليم محمود، ولد في مدينة بلبيس بمحافظة الشرقية، ونشأ في أسرة كريمة مشهورة بالصلاح والتقوى، التحق بالأزهر، وحصل على الشهادة العالمية سنة 1932، ثم سافر على نفقته الخاصة لاستكمال تعليمه العالي في باريس، ليحصل على الدكتوراه سنة 1940، وحينما عاد للقاهرة، عمل أستاذًا بجامعة الأزهر، وبعد سنوات تم اختياره لتولي أمانة مجمع البحوث الإسلامية، ثم وزارة الأوقاف، ثم وعين وكيلًا للأزهر في ١٩٧٠، وأخيرا شيخًا للأزهر عام 1973.
وكان عبد الحليم محمود معروف بميوله إلى التصوف العقلاني في فهمه للدين الحنيف، وهو ما كشفه بصورة كبيرة في كتابه "التوحيد الخالص.. الإسلام والعقل"، ودافع محمود عن قضية وحدة الوجود التي يؤمن بها الصوفية بأن القضية التي يثيرها معارضو التصوف تفهم على نحو خاطئ، فالذي يعترض عليه معارضو التصوف، لم يقله الصوفية أنفسهم، فهم يسمونه وحدة الموجود، أما الآخرون فيخلطون بينهما، فالموجود متعدد سماء وأرض وجبال وأناس، أما الوجود الواحد فلا شك فيه، هو وجود الله المستغنى بذاته عن غيره، الذي منح الوجود لكل كائن وليس لكائن غيره.
بعد توليه منصب مشيخة الأزهر، كان له العديد من المواقف القوية في التعامل مع الأزمات السياسية بمنطق الحكمة والقدرة، ولعل في مقدمتها مناداته بعودة الاحتكام إلى الشريعة الإسلامية بعد سقوط الاحتلال الإنجليزي الذي أسقطها ليحل بديلًا عنها أحكام مدنية تُخالف الشرع، خاصة في جميع الأحكام والمواد الجنائية والمدنية والدستورية والدولية.
وبعد عام من توليه منصب شيخ الأزهر تقدم باستقالته ردًا على قرار الرئيس الراحل أنور السادات بتقليص بعض صلاحيات شيخ الأزهر، الأمر الذي أحدث دويًا هائلًا في مصر وسائر أنحاء العالم الإسلامي؛ مما اضطر السادات إلى إصدار قرار أعاد فيه الأمر إلى سابق عهده، وتضمن القرار أن يعامل شيخ الأزهر معاملة الوزير من حيث المرتب والمعاش، ويكون ترتيبه في الأسبقية قبل الوزراء مباشرة، ويكتسب شيخ الأزهر حصانة في منصبه غير القابل للعزل، إضافة إلى أن تقاعده لن يكون قبل 25 عامًا على الأقل.
وعارض الشيخ قانون "جيهان السادات" للأحوال الشخصية، وأكد عدم مطابقة بعض مواده للشريعة الإسلامية، ومع ذلك أصرت الدولة على إصداره فرفض بشدة، ولوح باستقالته، فتم التراجع قليلًا ثم أعادوا المحاولة مرة أخرى قبل وفاة الشيخ، إلا أنه قال: "بعد قليل لن تجدونى ولن تحتاجوا إلى للموافقة على صدور القانون" وبعدها توفى الشيخ، ولم يصدر القانون.
شعر "محمود"، بآلام شديدة، بعد عودته من الأراضي المقدسة، أجرى على إثرها عملية جراحية، تُوفى بعدها، في صبيحة يوم الثلاثاء ١٧ أكتوبر ١٩٧٨، عن عمر ناهز ٦٨ عامًا.