الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

كنـوز سيناء المنسية "ملف"

 رحلة النزول من جبل
رحلة النزول من جبل موسى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مليارات عائدات السياحة الدينية على أرض الفيروز دون استثمار 
مصر تمتلك مسار العائلة المقدسة ومسار النبى موسى.. ووزارة السياحة غارقة فى النوم

طقس غيبوبة يخيم على المجموعة الاقتصادية فى الحكومة، ووزارة السياحة غارقة فى النوم فى العسل دون مواجهة أزمات الملف الاقتصادى فى البلاد، فى وقت توجد فيه البدائل لتحقيق النهضة ومواجهة الأزمة، التقارير تقول إن عائدات السياحة الدينية والعلاجية على أرض الفيروز ستكون بالمليارات حال استثمارها، لكنها معطلة ومهدرة دون استثمارها، الفاتيكان سبق أن أشاد بها فى أكثر من مناسبة، وطالب الإيطاليين بزيارتها، مدينة سانت كاترين ومكتبة الدير وآثار وادى فيران وجبل موسى وحمامات فرعون، وجبل المناجاة أبرز المعالم فى الأرض المقدسة، فيما قال خبير سياحى: «إن استثمارها ينقذ مصر من أزمتها الاقتصادية»، وأكدت خبيرة آثار أن 110 آلاف قطعة أثرية فى وادى فيران ومدينة بيزنطية سياحية كاملة بعيدة عن الاهتمام السياحي، وأن 15 عينًا فى حمامات فرعون للعلاج دون تسليط الضوء عليها، ولفت مراقبون أن جبال سيناء ثروة قومية لتصنيع أجود أنواع الرخام. 
ذهبنا إلى هناك، قررنا أن نرى الواقع المنسى والثروات المهدرة، 7 ساعات سفرًا من القاهرة إلى محافظة جنوب سيناء، داخل سيارة ميكروباص، جعلتنا مكتوفى الأيدى بين مقاعده، كمن كبلت أيديهم من وعثاء السفر، لرحلة شاقة نحو الأراضى المقدسة نزلنا إلى أرض الفيروز، سحر وجمال وخيال، خلق وأبدع ما لم تره العيون فى مكان آخر، أرض يمتزج فيها سحر الطبيعة للبيئة النقية التى تنطق بالقدرة الإلهية مع عبق التاريخ العظيم.. فى سيناء بالوادى المقدس ملتقى الأديان نصلى ونقول «أبدعت يا الله». 

قطعًا، تمثل سيناء أهمية تاريخية، ودينية، وعسكرية سياحية لمصر، فى رحابها، وعلى صخورها سجلت أبجديات العالم القديم، وضمت أرضها واحدًا من أقدم الطرق الحربية «طريق حورس الحربي»، وارتبط اسمها بخروج «موسى»، عليه السلام، وقومه من مصر، وأقيمت بها الأديرة المسيحية.
استوطن الإنسان سيناء منذ العصر الحجرى القديم فى أماكن عدة مثل جبل «المجاهرة»، ومنطقة «الروافعة»، وشمال «بئر حسنة»، وقاع «وادى العريش»، وتشير كل الأدوات النحاسية التى عثر عليها فى العصر العتيق إلى نشاط المصريين فى استخراج النحاس والفيروز فى هذه الفترة المبكرة من تاريخ مصر.
رحلة قطعتها «البوابة» إلى جنوب سيناء، لتنقل من على أرض الواقع معالمها السياحية الدينية والعلاجية، وتسأل هذا السؤال: هل استجاب المسئولون لدعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى بالاهتمام بالسياحة الدينية والعلاجية لسد عجز السياحة الترفيهية؟ 

الآثار الدينية
فى البداية انطلقنا إلى مدينة سانت كاترين، حيث البقعة الوحيدة فى العالم التى تجلى فيها الله على أحد جبالها وكلم سيدنا موسى، تتمتع المدينة بجاذبية روحية لدى أصحاب الديانات السماوية الثلاث الإسلامية، والمسيحية، واليهودية، ففيها بقايا شجرة العليقة المقدسة التى ناجي عندها نبى الله موسى ربه سبحانه وتعالى، وتتواجد فى مكان واحد مع الكنيسة والمسجد داخل سور دير سانت كاترين الذى يعد أهم الأديرة على مستوى العالم.
ويعيش فى الدير مجموعة من الرهبان غير المصريين من جنسيات مختلفة، أغلبهم روسيون ويونانيون، يستقبلون ضيوفهم ويقدمون لهم الخبز وزيت الزيتون والزعتر والملح فذلك طعامهم، فأكلنا ثم قدموا لنا الحلوى.
يقول خالد عليان، مدير آثار دير سانت كاترين، الذى رافقنا فى الرحلة: «إن الدير مسجل فى عداد الآثار الإسلامية والقبطية بقرار وزير الثقافة رقم ٨٥ لسنة ١٩٩٣»، مضيفا أن العديد من الآثار والمزارات الدينية التى تمثل مختلف الأديان السماوية، تنتشر ليس فقط بمدن جنوب سيناء، لكن فى معظم محافظات مصر، والتى تعبر عن مدى التعايش السلمى للأديان المختلفة على أرض مصر وعلى امتداد جميع العصور، مضيفا أنه على أرض سيناء نزلت الوصايا العشر على سيدنا موسى عليه السلام، وهروب العائلة المقدسة، كما كانت المعبر الرئيسى إلى مكة والمدينة «طريق الحج البري» والهند عن طريق البحر الأحمر.
وأضاف أن مساحة مدينة دير سانت كاترين تبلغ حوالى ٥١٣٠ كيلومترًا مربعًا، وهى أكثر مدن سيناء تميزًا، وأعلى الأماكن ارتفاعا فى سيناء، حيث ترتفع أعلى هضبة بحوالى ١٦٠٠ متر فوق سطح البحر وتحيط بها أعلى جبال مصر، وأعلاها قمة جبل كاترين وجبل موسى وجبل الصفصافة.
وأعلنت المنطقة محمية طبيعية لما لها من أهمية طبيعية، وتاريخية ودينية، وتشتهر بالسياحة الدينية وسياحة السفاري، وتسلق الجبال، وجبل موسى، ويتبعها منطقة المروة، ووادى الراحة، وأبوسيلة، وأصبحت منطقة سانت كاترين محمية تراث طبيعى ثقافى عالمى بتصنيف من منظمة اليونيسكو عام ٢٠٠٢.
وأشار إلى أن الإمبراطور «جستيان» بنى دير سانت كاترين فى حوالى عام ٥٤٥م، ويعد من أهم الأديرة على مستوى العالم، موضحا أن القديسة كاترين وهبها الله عقلًا راجحًا وجمالًا فائقًا، فدرست علوم الفلسفة، والشعر، والموسيقى، والطبيعة، والرياضة، والفلك، والطب، أدركت من خلال دراستها بطلان العبادة الوثنية وفسادها، وشاهدت فى رؤيا العذراء مريم تحمل الطفل يسوع، فأسرعت إلى أحد الكهنة المسيحيين، وقصت عليه الرؤيا، وطلبت منه الإرشاد، وألحت عليه فى طلب المعمودية، فعمدها باسم «كاترينا» أى الأكاليل الكثيرة، واستشهدت القديسة كاترين عام ٢٠٥م ورفاتها موجود حاليًا فى الدير الذى سمى باسمها دير سانت كاترين، وكان يسمى بدير طور سيناء منذ إنشائه فى القرن السادس الميلادى، بعد مضى قرون على استشهادها رأى أحد رهبان سيناء رؤيا بأن الملائكة جملوا بقايا جسدها ووضعوها فوق قمة جبل قرب الدير، فصعد الرهبان للجبل فوجدوا الرفات فدفنوها فى أعلى ذلك الجبل، وأطلق على الجبل اسم جبل سانت كاترين. 

مكونات الدير
وتابع: «يحوى الدير منشآت مختلفة، منها كنيسة التجلى التى تحوى داخلها كنيسة العليقة الملتهبة، و٩ كنائس جانبية صغيرة، ويشمل الدير حجرة طعام، ومعصرة زيتون، ومنطقة خادمات، ومعرض جماجم، والجامع الفاطمي، ومكتبة الدير، وبرج الأجراس وبناه راهب من سيناء يسمى «غريغوريوس» عام ١٨١٧م، ويشمل ٩ أجراس معدنية مهداة من الكنيسة الروسية، كما أن أيقونات سانت كاترين أقدم وأندر وأروع أيقونات فى العالم، وهى عبارة عن رسوم دينية مسيحية، حيث يضم أكثر من ألفى أيقونة حفظت كاملة طوال العصور التى مرت عليها وحتى الآن، بل إنها حمت فى فترة تحطيم الأيقونات التى انتشرت فى القسطنطينية والعالم المسيحى فى القرن الثامن لوجودها داخل منطقة خاضعة للعالم الإسلامي، وتعتبر مدرسة فنية لدراسة فن رسم الأيقونات على مستوى العالم.
وتحوى مكتبة دير سانت كاترين ٦٠٠٠ مخطوط منها ٢٣١٩ مخطوطا يونانيا، ٢٨٤ مخطوطا لاتينيا، ٦٠٠ مخطوط عربي، علاوة على المخطوطات الإثيوبية، القبطية، الأرمينية، السريانية، وهى مخطوطات دينية تاريخية جغرافية فلسفية، وأقدمها يعود للقرن الرابع الميلادي».
الجامع الفاطمي
وأشار إلى أن هناك الجامع الفاطمى داخل الدير، وبنى هذا الجامع فى العصر الفاطمي، مما يدل على ثمرة العلاقات الطيبة بين المسلمين والمسيحيين التى بلغت ذروتها فى العصر الفاطمي، وبنى لتصلى فيه قبائل سيناء الذين يقومون بخدمة الدير من القبائل، وأن حب الفاطميين لإنشاء المساجد فى الأماكن دفعهم لإنشاء هذا الجامع بالوادى المقدس، حيث كان يمر به المسلمون فى طريقهم لمكة المكرمة، وتركوا كتابات تذكارية عديدة ما زالت على محراب الجامع إلى الآن.
كنيسة التجلى
أعاد «جستيان» بناء كنيسة العليقة الملتهبة التى بنتها الإمبراطورة هيلانة أم الإمبراطور قسطنطين فى القرن الرابع الميلادي، وكانت قد تهدمت وأدخلها ضمن كنيستها الكبرى التى أنشأتها فى القرن السادس الميلادى وأطلق عليها اسم كنيسة القيامة، وبعد العثور على رفات القديسة كاترين فى القرن التاسع الميلادى، أطلق على هذه الكنيسة اسم كنيسة التجلي، وعلى الدير دير القديسة كاترين، وهى كنيسة طراز بازيليكى تنقسم لصحن، وجناحين، ويغطى الجزء العلوى من نصف قبة شرقية الكنيسة فسيفساء تمتد إلى الجزء العلوى من الجدار الشرقى تصور تجلى السيد المسيح المخصصة له كنيسة التجلي، وتعتبر من أقدم وأجمل فسيفساء فى الشرق.
يوجد فى الجدار الجنوبى للحجرة الشمالية من الحجرات على الجانب الشرقي من كنيسة التجلي، باب يؤدى لـ«كنيسة العليقة الملتهبة» التى تنخفض أرضيتها ٧٠ سم عن أرضية كنيسة التجلى مساحتها ٥ أمتار طولا ٣ أمتار عرضا، وتحوى مذبحا دائريا صغيرا مقاما على أعمدة رخامية فوق بلاطة رخامية تحدد الموقع الحقيقى لشجرة العليقة، وجذورها لا تزال باقية فى هذ الموقع، وتوجد شجرة عليقة بالدير أصلها داخل الكنيسة، وأغصانها خارجها، ولا يدخل هذه الكنيسة أحد إلا ويخلع نعليه بالخارج مثلما فعل نبى الله موسى عند اقترابه من العليقة.
خبراء: الاهتمام بالسياحة العلاجية يُدر لمصر ١٠ مليارات دولار سنويًا
أكد الدكتور مختار الكسباني، أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة القاهرة، أن السياحة الدينية ووكذلك العلاجية قادرتان على تعويض عجز السياحة الترفيهية، مؤكدا أن السياحة الدينية فى جنوب سيناء لم تستغل بنسبة ١٠٪ حتى الآن، وأن هناك العديد من أماكن السياحة العلاجية مثل حمام فرعون والدفن فى الرمال وغيرهما الكثير، والتى تعالج أمراض الروماتيزم وأمراضًا جلدية والشفاء من أمراض مستعصية كثيرة، إضافة إلى رياضة تسلق الجبال العالية والغائبة عن الخريطة السياحية فى بلدنا، والتي إذا استخدمت جيدًا مع تأمين الطرق الوعرة ومراقبة المسابقة بالطيران، ستكون نقلة جيدة فى مصر.
وأشار إلى أنه على المستوى الاقتصادى، يوجد فى سيناء العديد من الجبال متعددة الألوان، التى منها يتم تصنيع أجود أنواع الرخام وجبال الفيروز ثروة طبيعية، خاصة أنه عندما احتلت إسرائيل سيناء كانت تصدر هذه القطع الجبلية إلى إيطاليا لصناعة الرخام.
وقال: «إن السياحة الدينية هى الأقوى لو روج لها الترويج الأمثل، فهى مهبط الأديان، داعيا اليهود لزيارة معالمهم الدينية فى سيناء بعيدًا عن السياسة، فاليهود غير الصهاينة واليهود فى دول العالم كله وليس إسرائيل فقط، ووجودهم كسياح أمر لا شك فيه.
وأضاف: «إن وزارة السياحة تسير بنظام تقليدى لا جديد فيه، كل همها السائح الأوروبى الأبيض، مما جعلهم يتعززون علينا للقدوم إلى مصر وأغلبهم سياح عواجيز وفقراء، ولا تنظر الوزارة إلى دول مهمة مثل الهند ودول جنوب شرق آسيا، ولا يوجد أى برنامج للترويج لأبناء شرق آسيا»، منوهًا بأن السياح الأوروبيين عند زيارة المعالم الأثرية فى إسبانيا يتم إخطارهم بتعرضهم للموت أو الخطر وتحدث مجازر واعتداءات هناك ولا تتأثر الدولة.
وقال: «إن السياحة الإفريقية مطلوبة ومهمة وغائبة عن مصر، لكن التعامل مع السياحة بعقلية الموظفين، ولا توجد الاستعانة بخبراء لإحداث تنمية سياحية بطرق مختلفة»، مشيرا إلي أن إلى الواحات البحرية من أعظم الأماكن السياحية التى يتكالب عليها الإيطاليون، لكن لا يوجد مرشد صحراوى لهم، منوها بأن السياحة الدينية هى التى ستنقذ السياحة فى مصر.
ونوه بأن السياحة العلاجية تدر ١٠ مليارات دولار سنويا، لأن أقل سائح يمكث شهرًا على الأقل للعلاج وأرخص علاج فى مصر ٥٠٠ دولار للسائح فى اليوم، ولا يوجد فى أوروبا بنسبة ١٠٪ من إجمالى الأماكن السياحية فى مصر، وأن أهم الشعوب المهتمة بالسياحة الدينية هم دول جنوب شرق آسيا، والكارثة أنه لا توجد شركة سياحية تفتح لها برامج زيارة الأمر الذى يجعلهم ينصرفون عن البلد بعد أيام قليلة، وتدر السياحة الدينية ٣ مليارات دولار، لو استخدمت الاستخدام الأمثل فى مصر، خاصة أن الأماكن الأثرية تحتاج إلى برامج لها.

ويضيف الدكتور عمر الشحات مدير شئون الآثار بجنوب سيناء: «إن هناك غفلة عن سيناء، لكن المؤتمر الأخير الذى كان بعنوان «سيناء عاصمة السياحة الدينية»، كان له دور مهم فى الترويج للسياحة»، مشيرا إلى أن أهم بقعة سياحية دينية هى سيناء فيها كان رحلة دخول العائلة المقدسة مصر، ومنها خرج اليهود من مصر، وفى مدينة الطور كان أول ميناء يسافر من خلاله الحجاج وهو ميناء الكيلاني.
وأشار إلى أن هناك عددا من الأماكن الأثرية تحتاج إلى الترميم ولدينا مشاريع كبيرة سنعلن عنها لاحقا حول هذا الأمر، فهناك الكثير من الأماكن المشوقة داخل سيناء غائبة عن السياح. 
وتشير أسما رؤوف، مرشدة سياحية ورئيس قسم السياحة الداخلية والخارجية باتحاد شباب تحيا مصر، إلى أن مكاتب السياحة الخارجية لا يوجد لها أى تسويق ملحوظ، ولا توجد أماكن جديدة تسوق لها المكاتب السياحة الخارجية، خاصة أنه لا توجد برامج جديدة ومختلفة فى «البرشور» المقدم للسائح، خاصة أن السائح يبحث عن كل ما هو جديد، وما لم يزره من قبل، مشيرة إلى أنها قدمت برنامجين كاملين لمسار العائلة المقدسة ومسار سيدنا موسى وسيكون هناك تسويق للسياحة الدينية فى الفاتيكان بالتعاون مع البابا هناك، من خلال التواصل مع سفير الفاتيكان.
وأضافت: «من خلال برنامج قدمته عن مسار العائلة المقدسة استطعت من خلاله جذب ٧٠٠ سائح إيطالى من الكنيسة الإيطالية، كما أنه من الأماكن السياحية المهمة التى لا تروج لها الشركات السياحية، هى وادى فيران وفيها ١١٠ آلاف قطعة أثرية ومدينة بيزنطية سياحية كاملة، وقصر ومسجد من العصر الفاطمى وآثار يونانية ورومانية وآثار مسيحية والمدينة كاملة لا يوجد لها أى ترويج نهائيا ومن أكثر الأماكن غير المعروفة فى سيناء».
وتابعت: «هناك مبادرة «مصر أحلى مع أسما» لتنشيط السياحة تعمل على الترويج للسياحة داخليًا وخارجيًا، ونشر الثقافة السياحية وتغيير وتطوير البرنامج السياحى فى مصر، والتوعية فى التعامل مع الآثار بشكل حضارى والتعامل مع السائح بشكل حضارى وليس سلبيًا أيضا، وعملى بمبادرة تحيا مصر، جعلنى أركز كثيرا مع الشباب.