الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

سعي المصالحة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أخشى أن تستغرقنا حالة الاحتراب السياسي إلى حد أن تترجم إلى احتراب أهلي تصمت فيه لغة الكلام ليتكلم العنف والسلاح، فماذا نحن فاعلون آنئذ، وهل يمكن أن يغفر لنا التاريخ ما اقترفته أيدينا بحق هذا الوطن؟.. وهل تقوى حجج كل طرف على درء اتهاماته أو التنصل من المسئولية؟.. وهل يمكن أن تقوى مياه الدهر على إزالة دماء الوطن عن أيدينا.. حكمًا ومعارضة؟.
ظني أن اللحظة تحتاج الى عمل جسور يقدر على كسر حالة التربص والعناد والصمم قبل أن تجرفنا لجج طوفان الاحتراب المدمر الذي يتهدد سد الاندماج التاريخي الذي يبد أن الوهن والهرم قد نالا منه، وخضع لضغوطات تفاعيل النحر من خارج وغفلة أهله من داخل.
وهو بعيد عن موروثات الأساطير وأبطال الحكايات التي تجسدها الشاشة الفضية “,”مُصَالِح“,” يضع يديه على المتخاصمين فيجمعهما ويردهما إلى سيرتهما الأولى، حين كان الكل في واحد، وكانت مصر فوق الأمم وحضارتها تعلم العالم وتقوده.
لكن بين الطوباوية والواقع مساحة ومسافة تقذفان بنا بعيدًا عن النهايات التقليدية لأفلام العصر الذهبي للسينما الرومانسية، خاصة في وجود صراع المصالح وارتباكات تشابكاتها بين الداخل والخارج وغياب الشفافية والمكاشفة لدرجة أن الجزء الظاهر من اللغم العائم في مياه الوطن لا يقاس بالمختفي منه.
نحن أمام تطورات مباغتة كشفت عن عمق الأزمة لعل أبرزها صدمة ردود الفعل الرسمية لما حدث بالمقطم الجمعة 22 مارس 2013، حين أعلنت العديد من القوى السياسية المدنية مشاركتها في تظاهرات، أمام مقر جماعة الإخوان المسلمين بالمقطم تحت اسم جمعة “,”رد الكرامة“,” وذلك احتجاجًا على اعتداءات تعرض لها ناشطون شباب، والتي قام بها منتسبون لجماعة الإخوان ـ حسب ما سجلته فيديوهات الفضائيات وعيونها ـ والتي حفزت استهداف الإعلام عقبها، في انفعال غير مسبوق تُرجم إلى قرارات ضبط وإحضار لأسماء بعينها واشتعلت بورصة التكهنات ورسائل التهديد من رموز إخوانية ومن لف لفها، بل وطالت لغة الخطاب الرئاسي المتسارعة ـ على غير المتبع في جمعات سابقة أكثر عنفًا ـ ويمكن للمراقب والمحلل أن يكتشف يغير عناء أن أمن الجماعة ـ جماعة الإخوان المسلمين ـ يأتي في مرتبة متقدمة عن أمن الوطن، ومقراتها قدس أقداس بما يتجاوز قيمة وثقل مؤسسات سيادية وإعلامية وربما رئاسية أيضًا، بمجرد مقارنة التفاعل الرئاسي السريع والحاد عقب تظاهرات المقطم أمام مقر مكتب الإرشاد، وشبه الصمت التام إزاء حصار المحكمة الدستورية ـ الأحد 30 / 12 / 2012 ـ حيث احتشد ما يقرب من خمسة آلاف شخص أمام مقر المحكمة الدستورية بالمعادي، ـ حسب المصادر الرسمية ـ ورددوا هتافات مناوئة للمحكمة، كما اتهموا قضاتها بالسعي لـ“,”هدم مؤسسات الدولة المنتخبة“,”، إلى درجة أن مستشاري المحكمة الدستورية العليا لم يتمكنوا من الحضور إلى مقر المحكمة، بسبب الحصار المفروض عليها، ورغم فداحة ما ترتب على ذلك من تفويت ومنع صدور أحكام مصيرية بشأن بطلان مجلس الشورى وحل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور ـ آنذاك ـ لم يحرك أحد من قصر الرئاسة ساكنًا. وظني أن جُل ما نحن فيه من أزمات جاء ترتيبًا على هذا.
ويتكرر الأمر مع حصار مدينة الإنتاج الإعلامي مرتين.. الأولى ـ ديسمبر2012 ـ في مواجهة اعتصامات الاتحادية، والثانية ـ مارس2013 ـ كرد فعل لتظاهرات المقطم، ومحاولات اقتحام المدينة والاعتداء على الإعلاميين والمشاركين في البرامج، ويتكرر الصمت واللامبالاة الى درجة تثير الريبة وتحمل رسائل محملة بالدلالات.
وقِس على ذلك تفاعلات السلطة الرتيبة والمفارقة للمسئولية تجاه أحداث بورسعيد الدامية والتعامل الأمني “,”العنفي الفادح“,” مع اعتصامات الاتحادية في دوراتها المختلفة.
على أن المُصالح المنتظر ليس بالضرورة شخصًا بل قد يكون تحركًا أو منظومة قرارات أو إعلانًا رئاسيًا ينقذ ما يمكن إنقاذه أو يقطع الطريق على عناد التصعيد وما يحمله من تداعيات كارثية.
هل يمكن أن يبادر الرئيس درءًا لشبح التفتيت والانقسام والاحتراب الدموي بالتسامي على خصوصية الجماعة إلى آفاق الفعل الوطني، فيصدر قرارًا رئاسيًا ثوريًا بتشكيل مجلس رئاسي ثلاثي يضم الى جواره ممثلاً عن القوات المسلحة وآخر عن تجمع الكتل والأحزاب المدنية ـ جبهة الإنقاذ ـ مع وقف العمل بالدستور الحالي والعودة لدستور 71 بعد تقليص صلاحيات الرئيس، وتكون مدته عامًا على الأكثر يقوم خلاله بوضع دستور جديد يحقق توافقًا وطنيًا حقيقيًا، ينتهي بطرح أسماء مرشحي الرئاسة يكون من بينها الرئيس الحالي، وانتخاب البرلمان بغرفتيه، وبهذا ينزع فتيل الانفجار من لغم تحت مياه واقع مفخخ.