الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

عادل نصيف سفير الفن القبطي في حواره لـ"البوابة نيوز": تجاهل الكنيسة وراء انهيار فن "الأيقونة".. ومسابقة عالمية بمناسبة 25 عامًا على تأسيس اتحاد البرلمانيين الأرثوذكس

عادل نصيف سفير الفن
عادل نصيف سفير الفن القبطي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«الأيقونة» أحد أهم فنون الكنيسة على مر العصور، لم تكن فقط مجرد رسوم على الحائط، لكنها أحد أهم الفنون التى تبعث جوًا من الروحانيات المحفزة للإنسان المصلي.. هكذا يراها الفنان «عادل نصيف»، الذى أكد فى حواره مع «البوابة نيوز»، أن هذا النوع من الفنون له مكانة خاصة فى نفسه، دفعته لإتقانه، قبل أن يتم اختياره محكمًا دوليًا ممثلًا عن الشرق الوسط فى مسابقة «الأيقونة العالمية» التى تقام فى أثينا.
يرى «نصيف»، أن الكنيسة أهملت الفن وأصبحت الأيقونة مجرد رسومات تغطى الجدران، منتقدا استخدام الفن الغربى فى رسوماتها داخل الكنائس المصرية، مؤكدا أن كهنة الكنيسة ليس لديهم وعى بأهمية الفن القبطى الذى تراجع لقرون، مطالبًا بإعادة النظر فى هذا الفن، مشيرا إلى أن «الأيقونة» لها روحانية خاصة تساعد المصلى أن يتعبد لله، وليس العكس، فقد أصبحت مصدر تشويش، بعد أن خرجت من مكان الصلاة لتصل إلى فناء الكنيسة.. وإلى نص الحوار:

■ ما التعريف الصحيح لـ«الأيقونة»؟
- الأيقونة هى الصورة التى تمثل الخليقة السمائية والقديسين أو المسيح أو أى شخصية مقدسة داخل الكنيسة، وترسم بطريقة معينة وخامات معينة على قطعة من الخشب بقماش، وتحضر بدهانات خاصة، ويتم دهان اللوحة بحوالى ثماني طبقات من البطانة، باستخدام خامات من الأكاسيد الطبيعية وصفار البيض، والمعروف عن تلك الخامات أنها معمرة جدا، ولا تسمى أيقونة إلا التي تحمل هذه الصفات، مثلا لو صورة مرسومة على الحائط تسمى لوحة جدارية، أو لوحة موزاييك، وتتميز بالبساطة المباشرة والحالة الروحية، ولا تهتم بالأبعاد وتناقش دائما قضية دينية.
■ وماذا عن مسابقة الأيقونة العالمية والتى تشارك فى تحكيمها؟
- تم الإعلان عنها فى شهر مايو الماضى بمناسبة مرور ٢٥ سنة على تأسيس اتحاد البرلمانيين الأرثوذكسي ومقرها فى أثينا، وهذا تجمع من البرلمانيين المسيحيين حول العالم، وتهدف لصياغة القضايا السياسية بمفهوم سياسى، وهناك مشاركة وتواجد من البرلمان المصرى، والتوقيت يوافق عيد القيامة بين كل الطوائف، فقاموا باقتراح مسابقة عن القيامة لأنها محور الحياة المسيحية، وكنت أحد المحكمين فى مسابقة شاركت فيها ١٩ دولة و٢٢٠ فنانا، وتم عمل تصفية لـ ٧٠ متسابقا، ويشارك من مصر فنان واحد.
ومن المقرر أن تستمرر المسابقة حتى مايو ٢٠١٨، وتنتهى بمؤتمر دولى عن مستقبل الأيقونة الأرثوذكسية، وقيمة الجائزة الأولى ٣ آلاف يورو، والثانية ألفا يورو، والثالثة ألف يورو، بالإضافة لعمل معرض لجميع الأيقونات فى أثينا وعمل كتاب ضخم يضم هذا الأعمال.
■ لكن ما الفرق بين الأيقونة البيزنطية والأيقونة القبطية؟
- الأيقونة البيزنطية هى الأكثر انتشارًا فى روسيا واليونان، ولها ملامح وقواعد فى الرسم، ولا يستطيع أى فنان الخروج عنها، وتختلف عن الأيقونة القبطية التى هى فى الأساس أيقونة محلية، وتتسم بصفات مصرية صميمة، فيقوم الفنان برسم الملامح المصرية ويهتم بوجه المصلى، ولا يهتم بالمنظور مثل الفن الفرعونى، لأنه يعتبر اللوحات «المنظورة» خداعا نظريا، لتبسيط أيقونة لم تؤسسها سلطة فهى شعبية.
فالأقباط فى مصر لم يشغلوا منصب إدارة البلد، ولذا فالأيقونة تظهر نقية جدا وشعبية، وفيرة فى الخامات والجودة ولكنها قوية فى التأثير وخاصة الأيقونات التى كانت ترسم حتى القرن الثامن، والتى كانت نواة للفن القبطى، وبعد القرن الثامن تعثرت الأيقونة القبطية بسبب الظروف السياسية للبلاد والدينية، فتوقف تقريبا إنتاج الأيقونة، وظهرت بعض الريسكات فى القرنين ١٢ و١٣، تلتها فى القرن التاسع عشر محاولات من بعض المستشرقين، ونفذ يوحنا الأرمني وغيره من الذين جاءوا من فلسطين وسوريا وأنتجوا الأيقونات المحلية الموجودة فى مصر القديمة وبها الروح المصرية، فاستطاعوا أن يعبروا عن ملامح الأيقونة المصرية.
فالفن القبطى معناه أنى مصرى قبطى أرثوذكسي، فالأقباط بدأوا فن الأيقونة مبكرا، ولكنهم للأسف توقفوا، ففى الوقت الذى نجد فيه احتفاء بالفن القبطى، ونجد متاحف مثل اللوفر بها لوحة قبطية من القرن السادس وهنا ننسخ الفن الغربى، فهذا يسبب اغترابا وعزلة عن تاريخنا القبطى.

■ لكن هل ما زالت الأيقونة تحمل هذه الصفات وقادرة على التواجد؟
- التوقف يعنى أن نبدأ من جديد وتحديدا من القرن السادس والعشرين، وأول من عاد لإحياء فن الأيقونة هو الدكتور إيزاك فانوس فى القرن العشرين وكانت تجربة فردية، ومن جاءوا بعده كانوا يقلدونه ولم يكونوا على نفس الدراسة والمهارة فى الرسم، وأصبح إنتاج الأيقونة بهدف تغطية الجدران وفقط، وهى الكارثة التى نعانى منها فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والأزمة الثانية هى اللجوء لرسامة الفن الغربى، فنجد معظم كنائسنا على هذا الحال، وغزت الصور الإيطالية مصر، فقام الرسامون بنسخها وإعادة رسمها بملامحها الأوروبية فى الكنيسة القبطية.
فمثلا كنيسة السمائيين فى شرم الشيخ، اجد نفسى غريبا ومنفصلا عن الفن القبطى، فعندما تدخل وتجد صورة منسوخة لفنانين مثل وليم بوجيرو موجودة فى الكنائس.
■ هل تساهم أقسام الفن فى معهد الدراسات القبطية والإكليريكية فى الحفاظ على الفن القبطى؟
- لا أعتقد أن أحدا أبدى اهتماما بمعرفة الفن القبطى، وفن العمارة فى كنائسنا وخاصة عند رجال الدين، فلا توجد منظمة داخل الكنائس لاختيار الأعمال الفنية والتى يكون رعاة الكنائس مسئولين عنها.
فلو الكاهن لديه خلفية عن الفن القبطى سوف يدرك خصوصية وروحانية الفن القبطى، وليس هدفها تزيين الكنائس، وهذا مثبت فى الأيقونات القديمة، للأقباط الذين رسموا لوحات لم يجرؤ أحد على رسامتها مثل أيقونة «العذراء المرضعة» والموجودة فى دير السريان ودير الأنبا أنطونيوس، فلم يكن الفن القبطى صيغة مكررة وإنما متجدد دائما.
ويتضح هذا الشغل القديم فى الدير الأحمر وأبومقار والسريان، وكان يضم فنًا قبطيًا يعبر عن تجدد وحيوية الكنيسة فى الوقت الذى رسمت فيه، أما الصورة فالهدف منها مساعدة المصلى فى حالة الصلاة، ولو كانت الصورة مشوهة أو غير متناسقة وطريقة وضع الأعمال فى الكنيسة قد يسبب نفورا من الفن القبطى لدى الشارع القبطى.
■ ما الخطوات التى يجب أن تتخذها الكنيسة ليعود الفن القبطى إلى الريادة؟
- يجب أن تكون هناك معايير لاختيار الفن واستخدام الكنيسة للصورة هدفه الروحانية، ولكننا أحيانا نستخدمها للتشويش، والصورة خرجت من الكنيسة وأصبحت على الحوائط بشكل عشوائى، فالكنيسة ليست محل ديكور، ولنا فى الفرق بين الكنائس القديمة مثل كنائس مصر القديمة والكنائس التى يتم بناؤها حاليا عِبرة.
وهناك جزء آخر خطير، فأحيانا نجد تيارا يحارب الفن القبطى، ولا توجد هيئة تدعم الفن القبطى، كما أن الكنيسة لا تدعم المواهب والمسابقات فى مجال رسم الأيقونة، ولا يوجد نقد للفن القبطى، فأى شخص يرسم أى رسمة يتم وضعها.
كما أن ممارسة الفن فى الكنيسة ليست لأكل العيش، حيث لا يمكن السماح لأى شخص العمل به، حتى لا تتسلل أفكار غريبة من خلال الفن واللوحات، وأطالب الكنيسة بنشر الأبحاث والاهتمام أكثر بالفن القبطى حتى يعى الشعب تاريخه، فالأجيال التى تتعود على الفن الغربى لن تستعين بالفن القبطى، ويجب إرسال بعثات لدراسة الفن القبطى فى الخارج.

■ ماذا عن اهتمام الدولة بالفن القبطى؟
- إذا كانت الكنيسة لا تهتم بالفن القبطى، والعمارة فى الكنائس، فكيف تهتم الدولة، إذا كانت صاحبة الشأن لا تهتم؟.
■ لماذا حدث تراجع فى الاهتمام بالفن القبطى مقابل الاهتمام بالفن الغربى؟
- يعود ذلك لسببين، الأول يعود لعدم وجود خلفية ثقافية لدى الأقباط بالفن القبطى وحيويته، وتاريخه وخصوصيته، وفى نفس الوقت هروب من روحانية الفن القبطى إلى المادية، فأنا أعتبر الفن الغربى ماديًا نظرًا لوجود تراكم حضارى يساعد على المادية، فيرسم ملامح مميزة ومحددة والتى تخلص منها الفنان القبطى واتجه للروحانية.
فنجد بورتريهات الفيوم أعلى مستوى من رسم البورتريهات فى الوقت الحالى، والأعجب أنهم أثبتوا أن الأقباط هم من رسموها وموجودة على اللوحات الموجودة فى الفن القبطى، والتى لا توجد إلا فى مصر، فبورتريهات الفيوم تبحث عما وراء الطبيعة، وعدم إضافة المزيد من التفاصيل، وأحد أساتذة الفن قالى لى بأثينا نسخ بورتريهات الفيوم أول اختباراتنا للطلاب.
بينما نجد البعض يرسمون صور العذراء والقديسين بملامح غربية، بالرغم من أنهم كانوا من منطقة فلسطين نفس العرق، وهذا يخلق عزلة للمصلى عن الأيقونة، لأنها ليست لها علاقة بالبيئة المحيطة، فنجد المسيحى فى الهند هنديًا وفى إفريقيا إفريقيًا، فلماذا نجده مرسومًا فى مصر إيطاليًا وأمريكيًا؟، وأصبحت الكنائس نسخة مشوهة وبها صور لفنانين داخل الكنائس وتمت رسامتهم كقديسين، فدخول الواقعية أدى إلى هروب الروحانية.
■ هل تجد أن الكنيسة تأثرت بالمناخ العام وتراجع الاهتمام بالفن ككل؟
- للأسف نعم، وكان لا بد ألا يحدث هذا، فالكنيسة ليست من العالم، لأننا عرفنا ثقافة الاستعجال حتى فى رسامة الأيقونات ولنا فى الصور الموجودة فى دير السريان والبحر الأحمر بسوهاج مثال وعبرة، كما أن المجال دخل عليه دخلاء كل عملهم نسخ الصور الغربية حتى أصبحت كل الكنائس متشابهة.