الأربعاء 17 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

الإصلاح الإنجيلي والكتاب المقدس

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من أهم المبادئ التى قام عليها الإصلاح الإنجيلي مبدأ «الكتاب المقدس وحده»، حيث يؤكد الإنجيليون على أنَّ الكتاب المقدس وحده هو كلمة الله، الموحى بها والمعصوم من أي خطأ، وهو دستور الحياة المسيحيَّة الحقَّة، كما أنَّه واضحٌ، وضروري وكافٍ لنستمد منه وحدة العقيدة المسيحيَّة. لأنه بعد ما كان الكتاب المقدس مُتاحًا لجميع مؤمني الكنيسة الأولى، يقرأونه ويدرسونه، حتى قيل أنَّ أهل بيريّة كانوا «أَشْرَفَ مِنَ الَّذِينَ فِي تَسَالُونِيكِى فَقَبِلُوا الْكَلِمَةَ بِكُلِّ نَشَاطٍ فَاحِصِينَ الْكُتُبَ كُلَّ يَوْمٍ: هَلْ هَذِهِ الأُمُورُ هَكَذَا؟» (أعمال ١٧: ١١). جاءت الكنيسة الرومانية الكاثوليكية في القرون المظلمة والعصور الوسطى، لتمنع قراءة الكتاب المقدس عن الشعب، وتمنحه فقط للكهنة والرتب الدينية العليا وصولًا للبابا، وكان الكتاب المقدس يقيد بسلاسل ويوضع على الرفوف، حتى بعدما قامت حركة الإصلاح، التي أتاحت الكتاب المقدس للشعب كل في لغته، جاء قرار مجمع ترنت عام ١٥٤٥م، ليسطر هذه العبارات، «لما كان قد ظهر من الاختبار، أنه إذا سمح لكل إنسان بدون تمييز قراءة الكتاب المقدس المترجم إلى لغة الشعب، فإن تهور البشر الناجم عن قراءته يسبب شرًا أكثر من الخير، لذلك وجب الحصول على رخصة للسماح بقراءة الكتاب المقدس المترجم إلى لغة الشعب»، وفى ذات المجمع صدر قرار بمساواة الكتاب المقدس مع التقليد الكنسي.
آمن المصلحون الإنجيليون بالكتاب المقدس وحده، كمصدر لكل سلطة، والقانون الوحيد المعصوم للإيمان والأعمال، حتى أنَّ لوثر بعد ما قدَّم أطروحاته، شُكلِت له لجنة لمراجعة ما كتبه، ولما طلبت منه اللجنة التراجع عن أطروحاته، قال قولته المشهورة: «ما لم تقنعوني من الكتاب المقدس أن تعاليمي خطأ فإني لن أسحبها، ولن أقبل الاعتماد على تعاليم البابا أو قرارات مجامع الكنيسة، فإنها كثيرًا ما أخطأت وناقض بعضها بعضًا. إنى أقف الآن وضميرى أسير الكتاب المقدس، ولن أقف ضد ضميري، وليكن الله معي». وهكذا ردد زونجلي: «أدرس الكتاب فسيأتي الوقت الذي سيصبح فيه الكتاب المقدس أساس الإيمان الوحيد، وليس أقوال القديس جيروم ولا سائر الآباء».
يؤمن الإنجيليون أنَّ الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد (التوراة والإنجيل)، هو القانون الوحيد المعصوم من الخطأ، وهو الذي من خلاله يُعلن الله عن نفسه، ومقاصده من جهة البشر، ويعتبر الكتاب المقدس سجلًا عن إعلانات الله المتكررة التى أعلن فيها ومن خلالها عن ذاته على مدى العصور والأجيال. 
وتعبير «الكتاب المقدس وحده»، يعني أيضًا سيادة الكتاب المقدس على أي كتابات أخرى، مهما بلغ شأنها أو شأن كاتبها، ولأن الكتاب المقدس هو كلمة الله، فهو الكتاب الذى يوضح طريقة الله التي أعدَّها ليخلصنا، وكل ما كُتب فيه فقد كُتب لكي نؤمن ونخلص، يكتب يوحنا البشير مؤكدًا هذه الحقيقة فيقول: «وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تَلاَمِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِى هذَا الْكِتَابِ. وَأَمَّا هذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ» (يوحنا ٢٠: ٣٠ – ٣١). 
كما أنَّ الكتاب المقدس ضروري للحياة المسيحية، فهو الذي يُعلمنا ويقومنا ويوبخنا ويؤدبنا، يؤكد هذه الحقيقة الرسول بولس لتلميذه تيموثاوس قائلًا: «كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِى فِى الْبِرِّ» (٢ تيموثاوس ٣: ١٦).
 ومن خلال الكتاب المقدس وحده، نعرف بشكل واضحٍ ومؤكدٍ مشيئة الله لحياتنا. 
و«الكتاب المقدس وحده»، يعني أنَّه كافٍ، أي أننا غير محتاجين لأن نُضيف إليه شيئًا، وألا نساويه بأي كُتبٍ أخرى، وأنه لا توجد إعلانات إلهية معاصرة تتساوى في سلطتها مع الكتاب المقدس. 
وأنَّ الله لا يطلب منا شيئًا لم يوص به فى الكتاب المقدس، سواء كان بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
أخيرًا «كفاية الكتاب المقدس» تعني أن كل ما تحتاج الكنيسة أن تعرفه من أجل عبادتها وتنظيمها الإداري هو موجود ومتاح ومعلن بحسب مقاصد الله في الكلمة المقدسة.
ولأن «الكتاب المقدس وحده»، هو الذي شهد عنه الروح القدس، «لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللَّهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ» 
(٢ بطرس ١: ٢١). هذا يعنى أنَّ الكتاب المقدس هو كلمة الله المدُونة ليشهد ويُعِدّ الإنسان والبشريّة قاطبة لاستقبال كلمة الله المتجسد، شخص المسيح، والإعلان النهائي والكامل عن الله.
إن عقيدة الكتاب المقدس وحده، تؤكد لنا أنَّ لدينا في الكتاب المقدس كل ما نحتاج معرفته عن الله، وعن الخلاص الذي أعدَّه لنا، وعن خطته الرائعة لحياتنا، ونحن لا نحتاج لكتابٍ غيره نضع ثقتنا فيه من جهة هذه الأمور.