الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ضربة جزاء

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حالة من الذهول.. شعور بالانكسار.. الصمت يُخيِّم على الأجواء.. تحولت الجماهير إلى أصنام.. عيون تزرف عَبَرَات.. حزن يتمدد فى الأحشاء.. لا أحد يريد أن يصدق.. العقل فَقَد قدرته على الاستيعاب.. أصبح اليأس سيدًا للموقف.. يسقط صلاح على الأرض.. يدفن رأسه بين يديه.. يحاول أن يرفعها فلا يستطيع.. يُحاول النهوض مرة ثانية.. الدقيقة (٨٦).. وقت قاتل.. ضاع الحلم؟!.. كيف ضاع؟!.. هل ممكن أن يعود؟ ربما، ولكن كيف؟! الأمر بالغ الصعوبة.
نهض صلاح.. يضع يديه فوق رأسه.. شعور بقلة الحيلة.. يصرخ فى الملعب.. يستحث الجماهير من أجل المؤازرة.. لحظة تحول.. بدأ التحدي.. تهتف الجماهير، زلزال فى المدرجات.. محاولة للهروب من الانكسار والتمسك بالنصر.. تُستأنف المباراة.. محاولات مستميتة من أجل الفوز.. إصرار على الهدف.. ولكن دون جدوى.. انتهى عمر المباراة الأصلي.
خمس دقائق محتسبة وقتًا بدلًا من الضائع.. جاءت مثل بريق من أمل.. تمر الدقائق ثقيلة قاتمة.. تأتى الدقيقة الثالثة من الوقت الإضافى المحتسب، الدقيقة (٩٣)، ويأتى معها الفرج.. ضربة جزاء.. فرحة عارمة ممزوجة بالخوف.. الأمل قد عاد من جديد.. هل سنفقده مرة أخرى؟! ماذا سيحدث؟! نحن عطشى للفرح، نريد أن نعيش نصرًا ما، ياااارب.
صلاح سيسدد ركلة الجزاء.. شجاعة يُحسد عليها، وموقف لا يُحسد عليه.. مشهد مهيب، ماذا لو أضاع، فأضاع الحلم من جديد؟!.. يناجى صلاح ربه من خلال حديثه إلى الكرة، يرجوها ألا تخذله، فتنهار الجموع الغفيرة من خلفه.. الجميع فى صمت.. الجميع يترقب.. الجميع بصوت واحد ينادى يااااارب.. يذهب صلاح إلى الكرة المثبتة أمامه على نقطة الجزاء.. تحتبس الأنفاس.. تدق القلوب.. رعشة خفيفة تسرى فى الأجساد.. يُطلق الجندى قذيفته باتجاه المرمى.. تخطت القذيفة خط المرمى.. كادت أن تخرق الشباك.. تهتف الجماهير بصوت مثل الرعد.. فرحة جنونية.. الله أكبر.. صعدنا إلى كأس العالم، بعد اختفاء دام ثمانية وعشرين عامًا، وكأننا انتظرنا حتى يَكبُر صلاح!
نعم؛ إنها فرحة كبيرة، ولـمَ لا نفرح؟! نريد أن نتغلب على هذا العبوس الذى يعلو ملامحنا، وعلى هذه التجاعيد التى تكسوها.. وجوهنا أرهقها الزمن، وأجسادنا أنهكها السعى من أجل لقمة العيش.. نريد أن نتعلق بأى شيء يُثير فرحتنا.. أى شيء يجعلنا نبتهج ونبتسم.. نريد أن نردد اسم هذا الوطن كثيرًا ونرفع عَلَمه خفاقًا، نتمثل النصر فى صورة علمه ونشيده.
إنها وحدها الساحرة المستديرة التى لديها قدرة عجيبة على إسعاد الجماهير، وتحريك مشاعرهم، حتى أخذت بألبابهم، وربما تكون الإجابة صعبة، إن لم تكن مستحيلة على التساؤل الذى يقول: لماذا تعشق الجماهير كرة القدم على وجه الخصوص من بين كل الألعاب الرياضية؟! لماذا يكون لها كل هذا التأثير؟!
إن المبارة عبارة عن عرض مسرحي، عرض يستمر لمدة تسعين دقيقة، المشاهدون هم الجمهور، واللاعبون هم الممثلون، والمدرب هو المخرج، وأرض الملعب هى خشبة المسرح، ولكن يضاف إلى ذلك الحكم؛ فتلك المسرحية عبارة عن معركة، تحتاج إلى قاضٍ؛ فهى معركة عادلة، كل خصم يعرف خصمه بوضوح، يعلم من معه ومن ضده، ويبقى الأمر على هذا النحو حتى آخر لحظة.
إنها معركة تخضع لقواعد وقوانين، وربما كان الملعب هو المكان الوحيد الذى تتحقق فيه سيادة القانون!.. لعل الناس يعشقون كرة القدم لهذا السبب، إنهم يريدون أن يستمتعوا بمعركة لا مجال فيها لاختراق القانون، لا مجال فيها للمراوغات والأكاذيب، فيبكون لها فرحًا وحزنًا، إنها مسرحية هزلية، ولكنها مسرحية عادلة صادقة.
فإلى الجماهير المصرية، وإلى منتخبنا الوطنى، وإلى محمد صلاح، وإلى الساحرة المستديرة التى أسعدت قلوبنا، وإلى كل من منحوا أنفسهم الفرصة ليجربوا سحرها، إلى كل هؤلاء كتبت هذه الكلمات.