الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

باحثة البادية وتحرير المرأة«6»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تواصل «البوابة» نشر حلقات الدراسة الأخيرة التي كتبها المفكر الكبير الدكتور رفعت السعيد عن باحثة البادية -ملك حفني ناصف- قبل رحيله داعين الله أن يتغمده برحمته.
وقبل أن نتواصل مع باحثة البادية أستأذن القارئ فى أن أعود لأسجل تلك الحالة من الترفع والاحتقار الطبقى لفئات من السيدات المصريات فهى تكيل لهن الشتائم غير المقبولة ولقد يكون هناك سبب للنقد، لكن هذا النقد تجاوز كل الحدود ليتخطاها إلى ألفاظ مثل «الوساخة» و«القذارة» و«الجهل» و«الفخر الكاذب والطنطنة الفارغة» وهى تتواصل فى كل مقالاتها بهذه القسوة. وربما كان محقة لكنها كانت مبالغة.
وبعد ذلك آتى إلى المقال التاسع لنقرأ لباحثة البادية «وأول ما يلفت نظر باحثة مثلى عن زيارتها للقاهرة كثرة وجود السيدات ذوات البشرة البيضاء فى شوارعها ومنازلها. كلنا من جنس واحد إما من سلالة العرب الفاتحين أو بقايا الفراعنة ولا هؤلاء ولا أولئك عرف عنهم بياض البشرة ولم يأت فى تاريخهم اشتداد حمرة الخدود وزيادة بياض الوجوه إلا ما كان مبالغة» ثم تمضى باحثة البادية فى بحثها «لماذا نجد نساء القاهرة كلهن شقراوات ونساء المدن الأخرى أقل بياضا؟» وتجيب إن فى الأمر لسرا، هو المسحوقات والمراهم وضروب الأصبغة تفعل بالوجوه أفعالها، ولكن «هل يصلح العطار ما أفسده الدهر؟» (ص٣٦). وتمضى ملك حفنى ناصف لنقرأ «تزعم عاشقة الطلاء أن البياض حلية، ولكن هل تعتقد أن هذا الأبيض الذى خيل إليها أنه أبيض يبقى أبيض؟» والإجابة عند باحثة البادية تأتى حاسمة قاصمة فتقول: «كلا فالأبيض الذى تعمدت طلاؤه واجتهدت فى تنميقه لا يلبث أن يأتيه لون أزرق فيصبح وجهها بنفسجيا فهل سمعت شاعرا يتغزل فى وجه بنفسجي؟ وماذا لو لفح الحر هذا الوجه المدهون فسال عليه العرق مخططا جداول تنقل من كحل المحاجر إلى صفحات الخدود فيختلط الأسود والأحمر والبنفسجى فهل هذا وجه جميل؟».
ثم وبعد أن تشبع تقريعا تعود ملك حفنى ناصف لتسأل «لماذا يعد البياض أفضل من الوجه الأسمر؟ إن مسألة اللون مسألة اعتبارية صرفة لا أثر فعليا لها، فأنا قد أحب اللون الأخضر بينما جارتى تحب الأحمر فهل تتميز إحدانا عن الأخري» ثم تمسك باحثة البادية بهراوتها لتؤدب هذه الجماعة من النساء وتقول: «إن هؤلاء السيدات يقلدن ولكن تنقصهن ملكة الذوق فى كثير مما يعملن، فإن الوجوه شديدة البياض والاحمرار يكون فيها دائما عينان زرقاوان ويكسو رأسها شعر أشقر وحاجبان قريبان من ذلك فتلائم بعضها بعضا أما نساؤنا فإنهن بينما يصبغن حواجبهن بالسواد الفاحم إلى نصف الأنف، وأعينهن يكاد كحلها يخلق لها حاجبين آخرين تراهن بعد ذلك وهن يصبغن وجوههن بالشقرة فأين الذوق الحسن من هذا الترقيع الشائن؟» (ص٣٧) ولا تكتفى باحثة البادية بهذا التقريع ولكنها تواصل الهجوم وكأنها تهاجم جيشا من الأعداء فتقول «الوجه المدهون يضيع كثيرا من معانى الجمال.. ولكن الطلاء يظهر الوجه كأنه ليس فيه حياة، بل هو يدفع صاحبته إلى تصنع الحركات والتصنع يذهب بهجة الجمال، ولست أبالغ إن قلت إننى أعتبر كل طالية لوجهها تمثالا من الرخام فإذا كان الشاعر حافظ إبراهيم يعجب لصمت تماثيل الطليان فأنا أتعجب من تكلم تماثيل المصريات» (ص٣٧) ثم تحكى باحثة البادية كيف حضرت سائحة فرنسية مجلسا لها وفجأة دخلت علينا زائرتان من قسم التماثيل فبهتت السائحة وخجلتا نحن، وطوال الجلسة كنت أختلس نظرات للسائحة فأراها تكاد تجهر بضحكة عالية احتقارا واستهزاءً من هاتين المرأتين». ثم تمضى فى هجماتها اللاذعة المليئة بصفات غير لائقة فتقول «فيا ويحنا أما يكفينا أن يحكم علينا الغربيون بالجهل والتأخر حتى يروا ما يسجل علينا العار» وتعود ملك حفنى ناصف لمهاجمة كل من تتزين (ربما لأن شيخ العرب زوجها لم يكن يسمح بذلك) فتقول «إن السيدة التى تغش وجهها تستحق الاحتقار لأنها تزدرى صنع الخالق سبحانه وتعمد إلى تغييره، ومن يزدرى بصنع الله كافر. (هكذا دفعة واحدة كافر) تصوروا إذا وقف واحد من المتأسلمين وقال لمن تصبغ شعرها أو تضع «روج» أو كحلا إنها كافرة.. إننا إزاء سيدة بلا «فرامل» فما إن تندفع حتى لا تتوقف.. وتصل إلى التكفير. وتمضى ولا تكف «إنها تخدع الرائين والرائيات والخادع يستحق أن يمتهن، وهى تجنى على صحتها وتستدعى الشيخوخة إلى بشرتها فهى إذن لا تدرى النافع من الضار. ومن لا يدرى نفع نفسه أبله لا يستحق الاحترام وهى تجنى على الآداب فتجعل من نفسها قدوة فاسدة لبناتنا» (ص٣٨). وتمضى باحثة البادية فى تطاولها «إن التى تطلى وجهها ساقطة فى رأيى ولتغضب من هذا القول فأنا لا يهمنى رضاء التماثيل».
وتعود لتقول «ألا يا نساؤنا اتركن هذه العادة الذميمة.. واعلمن أننا مصريات فإن لم يكن فى أجدادنا هذا البياض فمن أين أتيتن به.. وما أحلى السمرة الجاذبة لو فهمتن معناها. إنها جميلة لأنها جميلة ولأنها مصرية.. وكل شيء طبيعى جميل» (ص٣٩) وقبل أن أمضى إلى مقالات أخرى فإننى أتساءل كيف سمحت لها صحيفة «الجريدة» باتهام الطالبات بالكفر. ولقد فتشت فى صفحات الجريدة عن هذه الفترة فلم أجد ردا عليها.. هل هى الليبرالية أم هو احترام لحرم شيخ العرب.. ولابنة حفنى بك ناصف. ولكن لم تزل دهشتى كيف؟ ولماذا؟ سكت أحمد لطفى السيد!
وأواصل؟