رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

القضية الكردية «1»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أعاد استفتاء الاستقلال الذى أُجرى فى كردستان العراق فى الخامس والعشرين من سبتمبر الماضى الحديث مرة أخرى حول القضية الكردية التى كنا نظن أنها قضية لا حل لها، وأنها مثل القضايا العالقة فى العالم والتى لم تحل حتى الآن مثل قضية قبرص، وقضية الجزر بين الإمارات وإيران، والقضية الفلسطينية، وقضية ترسيم الحدود بين تركيا واليونان، وقضية «قارة باغ» بين أرمينيا وأزربيجان. فهذه كلها قضايا دولية بقى الحال فيها كما هو عليه، ولم تستطع القوى والمنظمات الدولية حل هذه القضايا العالقة والمستعصية على الحل، والتى يتشبث كل طرف من أطرافها برأيه ولا يريد التحرك عنه والرجوع إلى الخلف خطوة، لذلك أحيانًا تُنسى هذه القضايا وتُمحى من أذهاننا ثم تنبعث مرة أخرى من جديد وتحيا لفترة من الوقت ثم تغط فى سبات عميق فترة أخرى، ودائمًا ما يكون إيقاظها على كارثة كبرى أو تهديد بحدوث كارثة أعاذنا الله منها. ولا شك أن العلاقات بيننا نحن العرب والأكراد علاقات قوية وراسخة تضرب بجذورها فى أعماق التاريخ، فبيننا وبينهم أخوة ونسب وجوار وميراث دينى وثقافى وتاريخى لا يستطيع أحد أن ينكره أو يجادل حوله، وعلى مر العصور حارب العرب والأكراد فى جيش واحد وتحت قيادة واحدة فى معارك كثيرة شهدتها الدول المختلفة مثل الدولتين الأيوبية والعثمانية. 
ولقد برزت القضية الكردية فى منطقة الشرق الأوسط واكتسبت بعدًا دوليًا كإحدى القضايا التى تشغل الرأى العام العالمى فى النصف الثانى من القرن العشرين، وذلك لعدة أسباب أهمها بالنسبة للغرب انتشار العنصر الكردى بين الثلاثة عناصر الأقوى والأكثر تأثيرًا فى الشرق الأوسط وهم العرب والترك والفرس، ومن هنا مثل الأكراد عنصرًا مهمًا للغرب الذى سعى لاستغلاله فى معادلاته الاستراتيجية وتوازناته التى يريد تطبيقها فى علاقاته مع شعوب المنطقة، وقد وضح هذا بجلاء فى علاقة الولايات المتحدة مع أكراد سوريا، وتحديدًا مع «وحدات حماية الشعب» التى تصنفها تركيا منظمة إرهابية فى حين تتحالف معها الولايات المتحدة وتمدها بالسلاح وتعتبرها شريكًا لها فى الحرب على داعش فى سوريا، وفى الوقت ذاته تتحالف الولايات المتحدة مع إقليم كردستان العراق وتسلح «البشمركة»، وتعتبره شريكًا لها فى حربها على داعش فى العراق، وفى الوقت نفسه تعلن رسميًا أنها مع وحدة التراب العراقى وضد تقسيم العراق. 
أما بالنسبة لدول الشرق الأوسط فإن القضية الكردية ورغبة الأكراد فى الاستقلال تمثل بُعدًا مختلفًا، لأن هذا نذير شؤم للمنطقة، وبداية لبركان تقسيم لا يعرف نهايته أحد إلا الله، إذ إن تأسيس دولة كردية يعنى بالضرورة تقسيم أربع دول فى المنطقة هى سوريا والعراق وتركيا وإيران، وهذا ما ترفضه جميع دول المنطقة عدا إسرائيل التى رحبت بالانقسام وظهرت أعلامها فى كردستان بعد إعلان نتائج الاستفتاء. وكذلك بداية الانقسام بالعراق تحمل فى طياتها رمزية أخرى لدول المنطقة، فالفوضى والاقتتال بدأ فى العراق، ثم حل بعد ذلك بالعديد من الدول العربية الأخرى والتى أصبح حالها لا يقل سوءًا بل يزيد على العراق. والعراق من حيث تركيبها السكانى دولة نموذج مصغر لمنطقة الشرق الأوسط، فهى تحوى بداخلها جميع العرقيات والمذاهب والأديان التى تُشكل المنطقة، ففيها مسلمون ومسيحيون، وفيها سنة وشيعة، وفيها عرب وتركمان وأكراد، ولو تشبث كل فريق بتأسيس دولة فلن يكون هناك عراق. الأمر ذاته مع تركيا التى هى وريثة لإمبراطورية مترامية الأطراف وهى الإمبراطورية العثمانية، وتحوى بداخلها جميع الأعراق التى كانت تشكل هذه الإمبراطورية، ولو تشبث كل عرق بتأسيس دولة فلن تكون هناك تركيا. القضية خطيرة، وتوحى فى الأفق بظهور «ربيع كردي» إذا بدأ لا قدر الله فسيكون المسمار الأخير فى نعش هذه المنطقة التى لم تفق بعد من آثار «الربيع العربي». وللحديث بقية إن شاء الله.