الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

طهران وأنقرة.. اتفاق "المصالح" ضد "الأكراد"

الرئيس التركي أردوغان
الرئيس التركي أردوغان والباحث مصطفي صلاح وروحاني
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تعد زيارة محمد باقرى رئيس الأركان الإيراني إلى تركيا تلك أول زيارة لرئيس هيئة أركان فى الجيش الإيرانى لتركيا منذ الثورة الإيرانية فى عام ١٩٧٩  مما يبرهن على مدى الاهتمام الثنائى تجاه هذا الملف.
وتجدر الإشارة إلى أن السياسة الخارجية لكلتا الدولتين جاءت انعكاسًا لمحصلة من التفاعلات والسياسات الداخلية لكلتا الدولتين تجاه الأكراد، حيث تعمل الدولتان من خلال إستراتيجية مقاومة ومواجهة الأكراد داخل القطر الواحد وخارجه.


الأكراد وجذور الأزمة فى تركيا وإيران:
ينتشر الأكراد وهم القومية الثالثة الكبرى فى الشرق الأوسط بشكل رئيسى فى تركيا وإيران والعراق وسوريا وبعض مدن غرب آسيا، حيث يتمركزون فى المنطقة الجبلية التى أطلق عليها اسم كردستان.
قاسم تاريخى
على الرغم من مشاركة الأكراد فى حرب التحرير التى قادها أتاتورك فى تركيا وإقامة الدولة التركية (الجمهورية) على أنقاض الدولة العثمانية، إلا أنهم قد حُرِمُوا من فرصة إقامة دولة مستقلة عند تفتت الدولة العثمانية بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وذلك فى اعتقاد من أتاتورك أن سبب سقوط وانهيار الدولة العثمانية التنوع العرقى والإثنى، مما دفع أتاتورك لتبنى سياسة إقصائية وبالتالى يجب على الجمهورية التركية الوليدة مواجهة ذلك الأمر لتجنب المصير نفسه. وعلى هذا الأساس، أنكرت تركيا منذ نشأتها تنوّعها العرقي، بغض النظر عن جذوره ولغته الأم.
واتبع خلفاء أتاتورك النهج نفسه وبأساليب أكثر تشددًا وإجحافًا؛ ما أدى إلى التنكر لحقوق الأقليات العرقية فى تركيا بمن فيهم الأكراد الذين يشكلون أكبر أقلية؛ كونهم يمثلون ٢٠ ٪ من سكان تركيا، إن تركيا فى الواقع تفتقر حتى الآن إلى دستور يكرس مبدأ المواطنة ويراعى التنوع الثقافى والعرقى والإثنى فى البلاد.
وفى إيران شارك الأكراد فى الثورة الإسلامية الإيرانية فى اعتقاد لديهم بأن يحصلوا على بعض الامتيازات فى ظل النظام الجديد إلا أن ذلك لم يتحقق بل امتد الأمر للحيلولة دون مشاركة الأكراد فى كتابة دستور للدولة فى مرحلتها الجديدة. فمنذ قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية حتى الآن لم تعترف إيران بخصوصية العرق الكردى، برغم أن الدستور الإيرانى ينص فى بعض مواده على عدم التميز بين الإيرانيين على أساس عرقى إلا أن هذا لم يمنع وجود اضطهاد منظم من السلطات الإيرانية.


الأكراد وقمع ممنهج.
تتعدد مظاهر الاضطهاد من قبل السلطات التركية والإيرانية تجاه الأكراد؛ فعلى الرغم من تعدد هذه الصور إلا أنها تمثل تعددا فى إطار المحاصرة والتضييق، ولعل أبرز تلك المظاهر يتمثل فى:
١- يحظر تعلم اللغة الكردية فى المدارس، عوضًا عن وجود تضييقات على الأعمال الأدبية.
٢- التمييز فى فرص العمل وكذلك القبول بالجامعات، حتى أن من يشغل المناصب العليا فى المناطق الكردية يكون من غير الأكراد.
٣- التهميش الذى تتميز به مناطق الأكراد فى معظمها بغياب عمليات التنمية والتأهيل، بالإضافة إلى ذلك تزايد معدلات البطالة.
٤- عدم القدرة على التعبير السياسى الحر وإعاقة عمل الأحزاب الكردية فى حال تكوينها.
٥- عدم وجود دستور ضامن للحقوق الأساسية للأكراد والتى تزيد من النزعة الوطنية للاندماج فى المجتمع، بالإضافة إلى ذلك غياب ثقافة التعايش المشترك.
إنّ أسباب عدم حصول الأكراد على الاستقلال السياسى والحقوق الثقافية كثيرة ومتنوّعة لعل السبب الرئيسى هو مزيج من القمع التركي، الإيرانى والعراقى خلال القرن العشرين كلّه. وحتى بعد سقوط صدّام حسين وتحوّل كردستان العراق إلى شبه مستقلّة.


تركيا وإيران توافق إستراتيجي
تختلف وجهة النظر لكلتا الدولتين تجاه الدول الحاضنة للأكراد كمكون سياسى واجتماعى من مكوناتها ففى العراق تتنافس كلتا الدولتين فى محاولة السيطرة وتعظيم النفوذ للتأثير فى المجريات الداخلية فى ظل تعاظم السيطرة الإيرانية داخل العراق.
كما أن الساحة الأولى للتعاون بينهما هى الحرب فى سوريا. وعلى الرغم من أن لكل منهما وجهات نظر مختلفة حول مستقبل الرئيس السورى بشار الأسد، فإن طهران وأنقرة تتعاونان من أجل السيطرة على التطلعات الإقليمية للقوميين الأكراد داخل سوريا. على الرغم من قيام إيران بدعم النظام السورى متمثلًا فى رأس النظام بشار الأسد فى حين تقوم تركيا على الجانب الآخر بدعم الفصائل المعارضة سياسيًا وعسكريًا للقضاء على النظام السورى القائم.
إن المشكلة الكردية بأبعادها الحالية تحمل بذور تدويل المشكلة، وأن ذلك لو حدث سيشكل خطرًا على كل من تركيا وإيران فى ظل حالة الجفاء بينهما ومعظم حلفائهما التقليديين الذين يقدّمون الدعم السياسى والعسكرى للفصائل الكردية المسلحة فى سوريا والعراق.
وتأتى التخوفات التركية - الإيرانية مع التطورات فى سوريا والعراق، حيث بدت الدولتان تشعران بالقلق من احتمالات تحقق مشروع «كردستان الكبرى»، ولا سيما مع بدء نشاط منظمة حزب العمال الكردستانى لفرض سيطرتهما على مناطق فى شرق تركيا وجنوب شرقها، فضلًا عن التطورات الداخلية فى العراق المتأخم لتركيا وإيران من إعلان إقليم كردستان العراق انفصاله وإعلان دولة مستقلة على أساس عرقى ولقد مثلت عملية درع الفرات التى نجحت فى جرابلس فى قطع هذا الخط، فضلًا عن أهمية التنسيق الذى بدأ أخيرًا مع إيران لتطويق احتمال إقامة كيان «كردستان الكبرى».
إن نتاج هذه التفاهمات ظهر جليًا فى قيام أردوغان بدعوة مجلس الأمن القومى التركى بالانعقاد فى ٢٢ سبتمبر ٢٠١٧ م قبل الموعد المحدد بخمسة أيام لإرسال رسالة قوية للأكراد فى العراق خشية انتقال الأحداث للداخل التركى وكذلك إعلان إيران بالتهديد بإغلاق الحدود مع إقليم كردستان ومن قبل فى ٢١ أغسطس ٢٠١٧ م أعلن الرئيس التركى أردوغان أن أنقرة وطهران ناقشتا إمكانية القيام بتحرك عسكرى مشترك ضد الجماعات الكردية المسلحة.


مزيد من التصعيد
إن الأمر لم يتوقف عند حدود الإنكار للحقوق الثقافية والاجتماعية والسياسية للأكراد بل تُوج هذا التهميش بمزيد من العمليات العسكرية والأمنية تجاه الأكراد.
ومن الواضح أن السياسات التركية والإيرانية تتسم بمزيد من العنف سواء المسلح أو حتى العنف المتمثل فى عمليات التضييق المجتمعى تجاه الأكراد سواء فى الداخل التركى أو الإيرانى حيث أصبح لدى الأكراد قناعة أنهم مواطنون من الدرجة الثانية؛ إن هذه السياسات تمتد لتشمل العديد من الدول التى من بين مكوناتها الأكراد كالعراق وسوريا.
إن التخوفات لدى كل من تركيا وإيران تتمركز فى حالة القلق تجاه قيام الأكراد بتوحيد المناطق ذات الكثافات الكردية معًا مما دفع النظام التركى والإيرانى إلى حالة من الارتباك فى التعامل مع المسألة الكردية داخليًا وخارجيًا. إن الارتباك التركى والإيرانى يعكس قلق أنقرة وطهران من التطورات الأخيرة فى المنطقة، التى وضعتها لأول مرة فى موقع دفاعي.
وعلى ذلك قامت كل من تركيا وإيران بتدابير عسكرية لمزيد من إحكام قبضتها الأمنية تجاه الأكراد داخليًا؛ وخارجيًا تبنت سياسات من شأنها محاصرة مساعى الأكراد لبسط نفوذهم. وعليه لم يعد مستبعدًا أن يكون قرار القيادة الإيرانية تعيين الجنرال محمد باقرى رئيسًا لهيئة الأركان المشتركة، بديلًا للجنرال فيروز أبادى فى هذه المرحلة هو مؤشر إلى استمرارية اعتماد الحل الأمنى فى التعامل مع مسألة الأقليات، كون الجنرال باقرى من كبار القيادات الأمنية الإيرانية، وهو المسئول عن العمليات الأمنية والعسكرية التى نفذها الحرس الثورى فى تسعينيات القرن الماضى ضد الجماعات الانفصالية الكردية.
كما أن تركيا تتعامل مع الأكراد وحزبهم الأكثر شعبية (حزب العمال الكردستانى PKK) على أنه منظمة إرهابية بما تحمله الكلمة من معنى، مما أدى إلى استمرار المواجهات المسلحة بينهما وعلى امتداد أكثر من ٤٠ عامًا، وبرغم فترات توقف الحروب بينهما إلا أن هذا لم يدفع بهم إلى تحسن يذكر فى العلاقات خاصة فى ظل إنكار السلطات التركية للحقوق الكردية، مما أوجد مناخا ملبدا بالتوترات، كما أن المطالب الكردية لا يمكن أن يتم التعامل معها فى إطار الحل الأمنى والعسكرى بعدما فشلت تلك السياسة فى تحقيق ما تصبو إليه فى ظل حالة الاعتدال التى اتسم بها حزب العمال الكردستانى فى الفترة الأخيرة.
إن اللافت فى الإجراءات الإيرانية والتركية العسكرية والأمنية الأخيرة أن طهران وأنقرة تتصرفان كأنهما فى حالة حرب مع أكرادهما، إن تفهم إيران وتركيا بأنهما ليستا بمنأى عن كرة النار الكردية، دفعهما لوضع خطة استباقية تمنع قيام التواصل بين الأكراد وعمقهم العراقي.
إن استراتيجيتا تركيا وإيران تجاه الأكراد تقوم على سياسة تأمين العمق الاستراتيجى لهما من خلال عملية الفصل هذه، ليس فقط داخل قطرها بل الأمر يمتد إلى تنويع أساليبها الخارجية بما يتناسب مع المحدد الداخلى لأمنها. إن الاستراتيجية تلك تعمل على التناقضات داخل المجتمع العراقى وذلك لتحقيق الاستخدام الأمثل لها بما يخدم مصالحهما وذلك من خلال استخدام الفواعل الداخليين للدولة العراقية فى حصار الأكراد وتحجيم نفوذهم خاصة بعدما أعلن إقليم كردستان استقلاله ذاتيًا بعد سقوط الرئيس العراقى السابق صدام حسين. 
وبدت مواقف بغداد وإيران وتركيا أقرب إلى التهديد. فقد أصدر العراق وإيران وتركيا بيانًا مشتركًا ينص على اتخاذ «إجراءات» ضد إقليم كردستان العراق، إذا ما مضى قدما فى إجراء الاستفتاء على الاستقلال.
وفى البيان المشترك الذى تلا اجتماعًا على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، عبّر وزير الخارجية العراقي، إبراهيم الجعفري، ونظيراه الإيرانى محمد جواد ظريف والتركى مولود جاويش أوغلو عن قلقهما من أن يعرض الاستفتاء المكاسب التى حققها العراق ضد تنظيم داعش للخطر ومن احتمال اندلاع نزاعات جديدة فى المنطقة.