الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

استحلال الماضي وتكفير الحاضر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عجت ساحة العمل الإسلامى بالكثير من المسميات الفكرية التى تشير إلى تنظيمات وجماعات فكرية، انقسمت إلى ثلاثة اتجاهات، الجهادى وتمثله الفنية العسكرية والجهاد والقاعدة وتنظيم الدولة «داعش»، والتكفيرى الاستحلالى وتمثل فى التكفير والهجرة والمعتزلة شعوريا والبراءة والتوقف والتبين والناجين من النار والقرائنيين والحركيين والشوقيين، والتنظيرى التنظيمى المستأنس وقتها، وتمثل فى السلفية والإخوان.
الغريب أنه رغم التنوع الأيديولوجى الفكرى والعقدى والحركي، أعطى كل اتجاه، بل كل تنظيم داخل اتجاه واحد، الحق فى نعت نفسه بالإسلامى دون غيره، ليوقف الإسلام على نفسه، متناسين أن دين الإسلام نص على الوحدانية، وحدانية الرب والدين والمسلمين «هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ» الحج آية ٧٨.
والاستحلال كمفهوم مارسته جماعات نسبت نفسها إلى الدين واعتبرت نفسها الإسلام، استحلال دماء وأموال، بما فى ذلك عوام الناس، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين، لأن الاستحلال يسبقه التكفير، وحينما يسقطون حكم الكفر على أشخاص أو مجتمعات، فإن ذلك يتبعه استحلال ماله ودمه.
فى زمن أمن الدولة الجميل، كان من أشد ما تواجهه الأجهزة الأمنية قسوة وضراوة، جماعات التكفير الاستحلالية، التى لم يكن متوقعا ضرباتها محل ذهب وصاغة، أو جندى حراسة باتت عينه ساهرة فى سبيل الله، فكان التحدى عظيما، وكانت حجة تلك الجماعات توفير الدعم المادى لشراء أسلحة وذخائر واستمرار الكفاح المقدس ضد المواطنين البسطاء والمجتمع والدولة ومؤسساتها. 
لم يخل الأمر من تحايل على تنظير فقهي، لإيجاد مبرر لإباحة دماء الأبرياء والآمنين، معصومى الدماء الذين قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم كوصية ملزمة للأمة حاليها ولاحقها، فى صحيح البخارى كتاب الحج حديث رقم ١٦٥٢ وفى غير كتاب آخر من كتب السنة، قال فى يوم النحر من حجة الوداع: «يا أيها الناس أى يوم هذا؟ قالوا يوم حرام، قال فأى بلد هذا؟ قالوا بلد حرام، قال فأى شهر هذا؟ قالوا شهر حرام، قال فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا فى بلدكم هذا فى شهركم هذا، فأعادها مرارا ثم رفع رأسه فقال: اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت» وقال حبر الأمة ابن عباس رضى الله عنه، تعقيبا على الحديث: «والذى نفسى بيده إنها لوصيته إلى أمته فليبلغ الشاهد الغائب».
ورغم التحايل الفقهى والتبرير وإعلان الهدف لأتباعهم الذين كان منهم الكثير من الشباب المضحوك عليهم، شراء الأسلحة والذخائر لاستكمال حربهم المسلحة، إلا أن أيا من تلك الجماعات، بعد الاستيلاء على محلات ذهب كاملة وقتل بعض من فيها، لم تشتر أو تستغل الحصيلة فى شراء أسلحة أو أموال أو حتى فى الإنفاق على أعضاء التنظيم، بل على العكس، احتفظ المسئول بنتاج العملية وأنفق منها على رغباته ومعظم تلك الرغبات تمتلئ بها سجلات أمن الدولة، وكما تعفف قيادات وضباط الأجهزة عن ذكر تفاصيل تلك الرغبات التى كان معظمها مشينا نقتدى بهم ونتعفف مثلهم ولا نذكر تلك التفاصيل.
والسؤال المطروح الآن، ألم يفطن عناصر التنظيمات إلى تعددها؟ لماذا لم يكن يرى إلا تنظيمه فقط؟، وما معاير انضمامه لجماعة دون عداها؟ ولماذا الجماعة التى وقع عليها اختياره؟.
إن جميع تحقيقات قضايا الاستحلال أكدت نتيجة أن مسئول التنظيم استحل أيضًا إلى جوار الدم والمال رغبات مشينة يزدريها سليم الفطرة، ومع ذلك هناك قناعات بالأفكار التكفيرية، رغم مرور سنين إلا أن بعض شبابنا يتورط وبدون إدراك علمى فى تلك القضايا الشائكة التى غالبا ما يكون أمراؤها دمويين بالفطرة ورغبته المتعطشة لسفك الدماء التى تدفعه إلى مثل تلك العمليات، ما يجعلنا نتساءل: ألم يحن الوقت لتصحيح المفاهيم الفكرية؟ ألم يحن الوقت للرد على الأفكار بالحجة والأدلة الشرعية من علماء ثقات عدول؟.