الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

يا زين العابدين.. يا ورد مفتح بين المساكين

ضريح الإمام زين العابدين
ضريح الإمام زين العابدين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كتب - وسام زين الدين وسميرة سليمان وحسن مختار ومحمد نبيل
ليس عند المصريين تفرقة فى حب آل البيت؛ فجميعهم على مقربة واحدة من قلوبهم بغض النظر عن بعد النسب وقربه؛ فالإمام زيد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب ابن عم النبى محمد "ص"؛ أحد أفراد آل البيت بعيدى النسب عن النبى مقارنة بالحسين أو السيدة زينب؛ لكن ضريحه فى مصر القديمة يحتفى به احتفاء شعبيا خاصا مثلما يحدث للحسين وللسيدة زينب أو السيدة عائشة أو السيدة نفيسة؛ تستمر «البوابة» فى جولتها لمساجد آل البيت وتحيى فى هذا الملف سيرة مقام زين العابدين «مقام الإمام زيد بن علي»؛ والذى تأخذ سيرته طابعا مختلفا فى مصر بعيدا عن خلافات السنة والشيعة الذين يعتبرون زيد أحد أئمتهم من بعد حادثة مقتله والتمثيل بجثته وصلبه 4 أيام؛ ما يؤكد أن المصريين مصريون بغض النظر عن أية مذاهب أو خلافات تاريخية.


رحلة الأب والابن.. طريق محفوف بالكرامات
على الرغم من وفاة الإمام على زين العابدين فى المدينة المنورة ومواراة جثمانه الطاهر فى البقيع بجوار جده الأكبر النبى محمد، إلا أن حبه ظل فى قلوب العشاق من كل حدب وصوب، فله فى كل عاصمة مسجد، ومنها مسجده فى منطقة «زين العابدين» أو «زينهم» بالقاهرة، والمدفون فيه رأس ابنه الإمام زيد بن على الذى ارتبطت به الكثير من الكرامات التى يؤمن بحدوثها محبوه، ولا تقبل التشكيك فى صحتها لديهم؛ تستعرض «البوابة» أبرز قصصها.
إخراج ابنه من البئر بعد أن سقط فيه
كان الإمام السجاد «على زين العابدين» يصلى كعادته، حيث إنه كان كثير الصلاة، وأثناء صلاته، سقط أحد أبنائه فى البئر، وأمه تصيح فى زوجها الإمام السجاد، قائلة: واويلاه.. واويلاه، ما كان من الإمام على إلا أن أكمل صلاته فى تأنٍ وسكينة وخشوع، ولم يلتفت للأمر، وعندما فرغ من صلاته، صاحت فيه زوجته أن ينقذ الولد من الغرق فى البئر، فأشار الإمام على زين العابدين عليه السلام للبئر، فارتفعت ماؤها حاملة الصبي، حتى خرج.
رد الإساءة بالإحسان
أثناء مقام الإمام السجاد بمصر، هجم عليه فى مجلسه شخص يبغض آل البيت، ويحقد عليهم، فاستقبل الإمام على زين العابدين بالسباب واللعنات، مطلقًا عليه «شين العابدين» بدلا من زين العابدين، واستمر فى توجيه السباب والاعتداء اللفظى على الإمام، فلما نهض الجلوس مدافعين عن الإمام أمرهم الإمام بالجلوس حتى يفرغ الرجل من الإهانات، ولما فرغ الرجل، قال له الإمام: كل ما قد ذكرته فىّ وأكثر لا يعلمه إلا الله، أما وقد نصحتنى فسلنى ما شئت أعطك، ألك حاجة أقضيها لك؟
فشعر الرجل بالإحراج وتأنيب النفس، وقال أشهد بأنك ابن رسول الله، جازاهم الله بما فعلوا من قالوا لى اذهب إلى الإمام السجاد فسبه واطلب منه مالًا عساه يجهل عليك وينفعل ضدك، فيفقد حب الناس له، ولكن ما رأيته منك لا يخرج إلا من ابن نبي، لا وفقنى الله جزاء فعلتى تلك، فاسأل الله لى التوبة.
شيخ الطريقة العزمية: المصريون عشقوا اسم «زينهم» تيمنًا بالإمام 
«ابن القيم» و«ابن تيمية» يستحيل مقارنتهما بآل البيت.. والكل يعشقهم لأنهم ليسوا متنطعين
محبة آل البيت جزء أساسى فى تكوين المصريين، فمعظمهم استقروا فى مصر ودفنوا فيها، ويعد ضريح الحسين أشهرهم على الإطلاق، وإن لم يدفن جسد الإمام الحسين كاملًا؛ وإنما دفن رأسه فقط، أما عن ابنه الإمام على زين العابدين، فقد دفن فى البقيع بجوار جده الرسول، بحسب ما قاله الشيخ علاء أبوالعزائم شيخ مشايخ الطريقة العزمية بمصر؛ فى حواره مع «البوابة» الذى كشف خلاله أن مسجد الإمام على زين العابدين يحوى ضريحه الرأس الشريف للإمام زيد بن الإمام السجاد على زين العابدين، الذى تنسب إليه الطائفة الزيدية أكثر الطوائف الشيعية اعتدالًا، ويحتفى المصريون وخصوصا سكان المنطقة منشدين الأغنية التى تم تناقلها عبر الأزمان حتى وصلت إلينا، والتى يبدأ مطلعها كالتالي: «آه يا زين.. آه يا زين.. آه يا زين العابدين.. يا ورد.. يا ورد مفتح بين المساكين»، وهى تؤرخ لما جاء فى شرح رواية دفن الرأس بمصر؛ أنه بعد قدوم رأس الإمام زيد إلى مصر طيف بها ثم نصبت على المنبر بجامع عمرو بمصر فى سنة ١٢٢ هجرية، فسرقت ودفنت، فى هذا الموضع، إلى أن ظهرت وبنى عليها مشهد فى الدولة الفاطمية. 
ويقول الشيخ علاء أبوالعزائم أيضًا، إن المشهد الزينى أو مسجد الإمام على زين العابدين يقع بحى السيدة زينب وينسب المسجد للإمام على زين العابدين لتعلق المصريين به وبأبيه، مع علمهم بأن المدفون فيها رأس ابنه الإمام زيد.
ويتخذ المصريون آل البيت أحبابًا وقدوة، وصلة رحم رسول الله، وذلك لما رأى المصريون منهم من حسن الخلق والسيرة العطرة وحتى إتقان العمل.
ويذكر الشيخ أبوالعزائم أن آل البيت كانوا يعملون وليس فيهم متنطع، لذا لا يكرههم أحد فى مصر سوى المتنطعين المشكوك فى عقيدتهم، مشيرا إلى أن آل البيت هم الأفاضل والأخيار، وهم رموز الإسلام، ولا رموز للإسلام أفضل منهم، بعكس الرموز الوهابية سواء ابن تيمية أو ابن القيم فهم من القرون المتأخرة، ولا يعدون من قرون الأفاضل. ويكمل الشيخ علاء أبوالعزائم: أن المشهد الزينى يعد من أشهر المشاهد فى مصر، حيث تجتمع الطرق الصوفية كل عام فى مولده، ليقيموا المواكب، ويقيم أبناء حى زينهم «حى زين العابدين» كل عام مولدًا للإمام زين العابدين، يوافق الخامس من شعبان حيث ولد فى عام ٣٨ من الهجرة وتوفى فى ٢٥ من المحرم عام ٩٥ هـ.
ويعتبر الضريح من بين الأضرحة التى شيدها الفاطميون، كان ضريح الإمام زين العابدين بن الحسين، حفيد على بن أبى طالب كرم الله وجه واختاروا المكان الذى أقاموا به الضريح، ليكون على أحد تلال جبل يشكر، والذى شيد عليه العباسيون عاصمتهم فى مصر وهى مدينة العسكر. مع مرور السنين وتحديدًا فى نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين أطلق أهل المنطقة التى شيد بها الضريح عليها، اسم منطقة أو حى زينهم ويقصدون بذلك الاسم زين العابدين، فهو زينة الرجال حيث لقب بالكثير من الخصال والألقاب فهو أفضل أهل زمانه علمًا وزهدًا وتواضعًا كما يروى المؤرخون.
وسنجد الكثير من أبناء الحى وقد تسموا باسم «زينهم» وهو المعنى الشعبى عند العامة لاسم «زين العابدين»، وذلك تبركًا وتيمنًا بصاحب المقام.
الضريح.. قبلة المهمومين والباحثين عن الإنجاب
«ملاذ الباحثين عن الإنجاب».. هكذا لقب ضريح زين العابدين، فالنذور تتوالى والسيدات يقتربن ويمسحن بالوجوه الأعتاب من أجل نيل الرضا وتحقيق المراد، كذلك نجد تناثر الأوراق المطوية والصور الشخصية من أجل تحقيق الدعوات والتيمن ببركات صاحب الضريح، زين العابدين بن الحسين بن على بن أبى طالب رضى الله عنهم ولقبه أبوالحسن.
ضريح الإمام زين العابدين موجود داخل منطقة سكنية يجاورها محلات تجارية، والسنوات تزيد الأواصر فنجد الأهالى يحتفلون بمولد زين العابدين فى الخامس من شهر شعبان كل عام.
ويحكى المحبون عن زين العابدين أنه مشهور بدعاء خاص لقضاء الحاجة وفك الكرب، والذى يرتبط بقصة مقتل أبيه الحسين بن على بن أبى طالب، حيث روى عن زين العابدين أنه قال: ضمنى والدى إلى صدره يوم مقتله، والدماء تغلى وهو يقول: يا بنى احفظ عنى دعاء علمتنى إياه فاطمة، وعلمه لها رسول الله، وعلمه جبريل، لقضاء الحاجة والهم والغم، والنازلة إذا نزلت، والأمر العظيم الفادح: «ادع بحق يس والقرآن الحكيم، وبحق طه والقرآن العظيم، يا من يقدر على حوائج السائلين، يا من يعلم ما فى الضمير، يا منفس عن المكروبين، يا مفرج عن المغمومين، يا راحم الشيخ الكبير، يا رازق الطفل الصغير، يا من لا يحتاج إلى التفسير، صل على محمد وآل محمد، وافعل بى كذا وكذا».
ويؤكد د.مختار الكسبانى أستاذ العمارة والفنون الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة أن أضرحة آل البيت كثيرة فى مصر لمحبة المصريين لآل البيت من قبل قدوم الفاطميين، حتى من لم يأت بجسده اخترعوا له مشهد رؤية، أى أن أحد الصالحين رأى أحد أفراد آل البيت فى هذا المكان، فيتم بناء الضريح، وهو ما حدث مع مشهد أم كلثوم فى الإمام الشافعي، ومشهد عاتكة والجعفرى والسيدة رقية عند السيدة نفسية، وهو أيضًا ما حدث مع ضريح زين العابدين الذى قيل إن ضريحه يعد مشهد رؤية ولا يضم رفاتًا حقيقية. 
هذا الأمر لم يمنع المصريين من التبرك بالضريح الموجود فى منطقة جبل يشكر بالسيدة زينب، وتنسب له خروقات لا يفعلها بشر وهى سمة خاصة بالمصريين فقط، فكثير يزورون ضريح «زين العابدين» للاستشفاء وهو ما يحدث مع غيره مثل ضريح السيدة نفيسة التى يُروى عنها أنها خبطت ولدًا كسيحًا على قدميه فما لبث أن انتفض يسير.
ويحكى الكسبانى عن تيمن أهل المنطقة بالضريح ويظهر ذلك جليًا فى أسماء مواليد منطقة السيدة زينب، فكل الذكور تقريبًا يتسمون باسم «زين العابدين» ونرى اسم «زينهم» منتشرًا أيضًا هناك، ففى ثقافة المصريين تكريم لصاحب الضريح.


على الهلباوى.. خرج بالإنشاد الدينى من «الموالد» إلى المنتديات الثقافية وساحات الغناء 
المنشد: بعض الناس يذهبون إلى الموالد من أجل ياسين التهامى فقط
استمد المنشد الدينى على الهلباوى، شهرته من ناحيتين أولاهما أنه نجل المنشد الكبير محمد الهلباوي؛ وثانيتهما أسلوبه المغاير فى الإنشاد، فلا يحصر نفسه فى دائرة أشعار أئمة الصوفية بل استقطب كلمات جديدة لشعراء معاصرين سواء باللهجة العامية المصرية أو بالعربية الفصيحة؛ ولم يظهر بقفطان وعمة كأغلب المنشدين إنما خرج على الناس بملابس تناسب «الموضة»؛ وخرج بالإنشاد الدينى من دائرة الموالد إلى المنتديات الثقافية وساحات الغناء والموسيقى المعتادة؛ واشتهر أيضا بعدد من الأغانى الـ «دويتو»؛ ورغم خروجه عن المألوف إلا أن الهلباوى لم ينس جو مساجد آل البيت ومشهد الحضرات الصوفية فيه؛ فى حواره لــ «البوابة» يقول إنه حرص على زيارة هذه المساجد منذ طفولته عندما كان والده الشيخ محمد الهلباوى يصطحبه لزيارتهم بصفة دورية؛ يقول «الهلباوي»: «العامل الرئيسى فى كون مساجد آل البيت تؤثر فى نفوس الناس دون غيرها هى كونها مليئة بجو روحانى، فقد قال النبى محمد تركت: فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أبدا كتاب الله وسنتى وعطرة آل بيتى؛ فروحانيات مساجد آل البيت مستمدة من كلام النبى، فيشعر الذهاب إليها براحة القلب وصفاء الذهن والاطمئنان».
وعن قلة الزيارات لمسجد «زين العابدين» مقارنة بمساجد آل البيت الأخرى؛ يقول «الهلباوى» إن مبدأ الانتساب إلى آل البيت من حيث الأقرب فالأكثر ربما يؤثر فى حجم الزيارات إلى المقامات والمساجد، لكن هذا ليس معيارا أساسيا، فقد قال النبى محمد إن الحسين منه وإنه من الحسين، والإمام زيد حفيده؛ مؤكدا أن جميع آل البيت على مقربة واحدة من قلبه وإن زادت ستكون إلى النبى محمد صلي الله عليه وسلم.
أما عن الحضرات التى تقام فى مساجد آل البيت، فقد كشف الهلباوى عن «أجندة» مواعيدها وعن اختلاف الطقوس بين كل جامع وآخر فيقول: «كل طريقة من الطرق الصوفية بمصر عندها مواعيد للحضرة، ففى مسجد الحامدية الشاذلية تعقد الحضرة يوم الجمعة من كل أسبوع وتستمر حتى صلاة العصر؛ بينما فى مسجد الحسين فتعقد كل يوم ثلاثاء من كل أسبوع بعد صلاة العشاء، لحضرة الحسين بالتحديد نظام خاص؛ فتتكون من حلقة كبيرة وبداخلها صفان من المنشدين، يحيط بهما عشرات المرددين لأسماء الله الحسني، ومن هنا تنتابك حالة من الشعور بالقشعريرة»، ويشير إلى أن هناك من يذهب إلى المولد لأغراض كثيرة، منهم الذى يريد سماع الشيخ ياسين التهامي، وآخر من أجل مشاهدة الراقصات والألعاب وغيرها، ومن يقول غير ذلك لا يعرف شيئا ولم يذهب للموالد.
وفى ختام الحديث وجه «الهلباوي» رسالة إلى كل المريدين تمنى فيها أن يتعلموا آداب التعامل مع مساجد آل البيت بهدف إحداث توعية من خلال الإنشاد الديني، ومن خلال سرد قصص النبى وآل بيته واستخلاص الموعظة الحسنة منها.


قصة مغنية إسرائيلية تأثرت بـ«داليدا» فغنت لــ «زين العابدين» 
لم يحدد إلى الآن من الملحن الأصلى لأغنية «آه يا زين العابدين»؛ البعض يفترض أن لحنها منسوب إلى الفنان داود حسنى، والبعض الآخر يؤكد أن اللحن فلكلوري، انتشرت الأغنية الفلكلورية انتشار النار فى الهشيم؛ إذ كانت من الطقوس الشعبية فى ذلك الحى، فيرددها سكانه مع اقتراب مولد الإمام زيد؛ ثم خرجت من الحى لتصير كطقطوقة تغنى فى الأفراح الشعبية وفى المقاهى الليلية؛ ظلت كذلك حتى مطلع عقد الثمانينيات عندما قررت المغنية العالمية «داليدا» إعادة توزيعها فى ألبوم يحمل اسم «أغانى أغاني» أدت فيه عدة أغانٍ مصرية شهيرة مزجت فيها أنماطًا من الموسيقى الغربية كالفلامينكو والسيموفينك والهاوس والبوب وغيرها؛ ورغم أنها حرصت على الحفاظ على كلمات الأغانى العربية دون ترجمتها إلى لغات أجنبية أو وضع كلمات أخرى، إلا أن الألبوم أخذ شهرة عالمية واسعة؛ دفعت بعض الفنانات أن يحذون حذو «داليدا» وكان من بينهن المغنية الإسرائيلية إشتار والتى أدت معظم الأغانى العربية التى غنتها داليدا بطابع فلامينكو وبأسلوب الدويتو بينها وبين مغنٍ فرنسي آخر ضمن فريق «آلابينا» التى أسسته فى فرنسا؛ ومن بين الأغانى التى غنتها كانت أغنية «آه يا زين العابدين يا ورد مفتح بين المساكين».