الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

في ذكرى حرب أكتوبر.. السؤال الموجع يتجدد حول الأدب والدراما

ذكرى حرب أكتوبر -صورة
ذكرى حرب أكتوبر -صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بقدر ما يثير ظهور كتاب جديد عن حرب السادس من أكتوبر شعورا بالسعادة، مثل كتاب "خلف خطوط العدو"، غير أنه قد يثير السؤال الموجع الذي يتجدد مع حلول الذكرى الرابعة والأربعين لهذه الحرب المجيدة عن سر غياب أي عمل درامي أو إبداعي على مستوى رفيع يتناسب مع هذا الحدث الخالد في الوجدان المصري.
وكتاب "خلف خطوط العدو" لمؤلفه اللواء أسامة المندوه يحكي قصة بطولة ملحمية لمجموعة استطلاع مصرية أثناء حرب أكتوبر تمركزت بقيادة المندوه نفسه عندما كان برتبة النقيب، في قلب تجمعات العدو ومركز قيادته الرئيسي في "أم مرجم" على مسافة نحو 100 كيلو متر شرق قناة السويس.
وفي الكتاب الذي أقيم حفل توقيعه مساء أمس الأول "الاثنين" بحضور العديد من الشخصيات العامة والوجوه الثقافية البارزة وحرره ووثقه الكاتب الصحفي خالد أبو بكر مدير تحرير جريدة "الشروق"، مشاهد مؤثرة ودالة على قوة الانتماء والاستعداد للتضحية بالروح في سبيل الوطن، كما تشهد صفحاته على وطنية وبطولة أبناء سيناء.
عاد مؤلف الكتاب لمواقف ومشاهد في حرب الاستنزاف التي كانت تجسيدا لرفض مصر للهزيمة، فيما كان الجنود والضباط يتسابقون على الانضمام لدوريات العبور والاستطلاع أثناء هذه الحرب التي استمرت نحو ثلاث سنوات ومهدت السبيل لحرب السادس من أكتوبر التي يصفها بأنها "معركة استعادة الكرامة".
ويؤكد أسامة المندوه وهو يسترجع حرب الاستنزاف أن "دوريات الاستطلاع خلف خطوط العدو مع الإغارات والكمائن التي كانت تنفذها قوات الصاعقة في سيناء كانت من الخطوات المهمة لإعادة ثقة المقاتل المصري في نفسه وقدراته"، بعد حرب 1967 ولذلك كانت كتائب الاستطلاع على كل المستويات تعبر إلى سيناء بشكل منتظم.
ويضيف: "لن أبالغ إذا قلت إن ذلك كان يتم كل ليلة تقريبا على امتداد جبهة قناة السويس".
ومن هنا يحق للأديبة سكينة فؤاد أن تعتبر التدريبات القتالية على أعلى المستويات خلال حرب الاستنزاف أحد أسباب نصر أكتوبر والذي تصفه بأنه "أعظم انتصار في تاريخنا الحديث".
وهذا الكتاب الجديد يوميء لأهمية الابتكار لحل الاشكاليات ومواجهة المخاطر على الأرض وتكنولوجيا العدو، كما يروي بأسلوب مشوق كيف نجحت هذه المجموعة المصرية الصغيرة للاستطلاع في أن "تعد على العدو حركاته وسكناته وآلياته في عمق سيناء وتسهم في الكشف المبكر عن نواياه لمدة ستة أشهر بدأت مع آخر ضوء يوم 6 أكتوبر 1973"، بعد أن قامت مروحية مصرية بإنزال النقيب أسامة المندوه وزميله العريف فتحي عبد الهادي ومعهما الشيخ حسب الله ابن قبيلة الأحيوات في وسط سيناء.
وقد يحبس القارئ أنفاسه في مشاهد مشحونة بالتوتر اقترب فيها الإسرائيليون بشدة من المجموعة وتوقع وقوعها في الأسر بين لحظة وأخرى خاصة بعد أن أدركت القيادة الإسرائيلية وجودها وشرعت في اقتفاء أثرها هي ومجموعات استطلاع أخرى.
وبحس إيماني يتحدث مؤلف الكتاب عن "مجموعة من العصافير والطيور الصغيرة كانت تأتي كل صباح لتزيل كل الآثار الدالة على وجود مجموعة استطلاع مصرية في منطقة جبلية بالقرب من مطار المليز حيث استشهد الطيار البطل عاطف السادات في غارة على هذا المطار مع الساعات الأولى من حرب أكتوبر.
وواقع الحال أن مثل هذه الكتب والكتابات والشهادات الحية لأبطال حرب السادس من اكتوبر والحافلة بالمواقف الإنسانية والمشاهد البطولية، تشكل معينا لا ينضب لأعمال ابداعية سواء على مستوى القصة والرواية أو الفيلم السينمائي والمسلسل التلفزيوني.
وإذا كان الأديب النوبلي المصري الراحل وكبير الروائيين العرب نجيب محفوظ قد قال: "إن روح أكتوبر لا تنطفيء فقد فتحت لنا طريقا بلا نهاية.. وليس العبور سوى أول قفزة في تيار تحدياته"، فهناك شعور عام سواء على مستوى الشارع المصري أو النخب الثقافية بأن الأعمال الإبداعية عن حرب أكتوبر المجيدة مازالت أقل كثيرا مما ينبغي، بل انه لم يظهر حتى الآن عمل واحد يشكل علامة خالدة في أدب أو دراما الحرب بما يرقى إلى مستوى هذا الحدث الخالد في تاريخ مصر وأمتها العربية.
ففي الذكرى الرابعة والأربعين لحرب أكتوبر المجيدة لن يجد القارئ أو المتلقي أي عمل أدبي بين دفتي كتاب أو عمل درامي على الشاشة الكبيرة أو الصغيرة على مستوى رفيع حول هذه الذكرى الغالية المرتبطة بقيمة الأرض المقدسة عند المصريين.
وهذه الظاهرة غريبة حقا؛ لأن وقائع وقضايا الحرب والسلام تشكل دراما انسانية ومصدر الهام لا ينضب للمبدعين حول العالم بل وقد تكون سببا في ذيوع شهرتهم وهذا ما حدث مثلا في العام الماضي في الرواية التي فازت بجائزة بوليتزر الأمريكية الشهيرة في فئة الأدب وكان صاحبها يوصف ككاتب مغمور قبيل الاعلان عن فوز روايته بهذه الجائزة.
فلجنة التحكيم في جوائز بوليتزر الأمريكية الشهيرة وهي من أهم جوائز الصحافة والأدب في العالم كما أنها من أهم الأحداث الثقافية على مستوى الكرة الأرضية عمدت عامئذ لأسلوب المفاجأة السارة عندما اختارت رواية لمؤلف لم يسمع عنه أحد من قبل لكن الرواية جيدة للغاية والأهم أنها العمل الأول لفيت ثانه نجوين الذي يؤكد اسمه من اول وهلة انه فيتنامي الأصل والأكثر أهمية في هذا السياق أن الرواية تتناول الحرب الفيتنامية والفترة التالية لنهايتها في منتصف سبعينيات القرن العشرين.
وإذا كانت رواية "المتعاطف"، تتناول الحرب الفيتنامية كما تستعرض وقائع ما بعد انتهاء هذه الحرب التي تورطت فيها الولايات المتحدة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، ففي العام قبل الماضي أيضا ذهبت جائزة بوليتزر لرواية عن الحرب العالمية الثانية كتبها انثوني دوير بعنوان "في الضوء المبهر لا نستطيع أن نرى".
وهي رواية أدرجت حينئذ ضمن قوائم أعلى مبيعات الكتب في الولايات المتحدة ودول أخرى لتعيد إلى الأذهان أهمية الرواية التاريخية وأدب الحرب في إبداعات الشعوب.. وتلك الرواية تميط اللثام عن تفاصيل المشهد الأوروبي أثناء الحرب العالمية الثانية فيما يتتبع المؤلف فتاة فرنسية عمياء تنضم للمقاومة وعلاقتها بفتى ألماني يتيم في زمن الاحتلال النازي لفرنسا.
وهكذا تمثل الحرب دوما زادا متجددا للإبداع الروائي في أروع صوره، كما هو الحال مع سفيتلانا اليكسفيتش التي فازت في عام 2015 بجائزة نوبل في الآداب فيما كانت معالجتها الإبداعية للحرب العالمية الثانية ضمن أهم حيثيات منحها أم الجوائز الأدبية العالمية.
وكتابات سفيتلانا اليكسفيتش تصنع من الحرب والمعاناة والألم الانساني رحيقا يشف عن إمكانية تحويل الأحزان لبوتقة من مشاعر التعاطف الإنساني بين البشر في هذه الدنيا ثم إنها كاتبة الدهشة بامتياز عبر قدرتها الفذة "في التقاط ورؤية غير العادي في السرد اليومي للبشر وأوجه الحياة التي تبدو عادية غير أنها تحوي ما هو غير متناهي من الحقائق الإنسانية"، فعالمها متشابك بشخوص في محن الحرب والقتل والاغتيال والانتحار والإقصاء والحرمان وعلى من يترجمها أن يضارعها في القدرة على تتبع تلك الأصوات المتداخلة في متاهة الجراح والتي تصنع في نهاية المطاف من مجموع تلك الأصوات صوتا متسقا ولحنا متناغما.
وتنصت سفيتلانا اليكسفيتش للبشر الذين عاشوا وعاينوا بعض أخطر المآسي السياسية وتراجيديات العالم في القرن العشرين مثل الحرب العالمية الثانية أو انهيار الاتحاد السوفييتي ودخوله في ذمة التاريخ ليستيقظ سكان هذه القوة العظمى ذات صباح فيجدون أنفسهم في بلاد غير التي عرفوها على مدى سنوات طوال.
من هنا اعتبرت الأكاديمية السويدية المانحة لجوائز نوبل أن ابنة روسيا البيضاء سفيتلانا اليكسفيتش التي تجاوز عمرها حينئذ ال67 عاما جديرة بالجائزة لكتاباتها التي تشكل صرحا إبداعيا يجسد المعاناة في عصرنا، فهي حسب إعلان رئيسة الأكاديمية السويدية سارا دانيوس "كاتبة استثنائية"، و"صاحبة كتابات متعددة الأصوات تمثل معلما للمعاناة والشجاعة في زمننا".

وحسب سارا دانيوس رئيسة الأكاديمية السويدية، فإن سفيتلانا اليكسفيتش تهدي العالم صرحا عاطفيا من المشاعر بتحويل الأحداث التاريخية في كتبها عن وقائع مثل الحروب لسبيل تستكشف من خلاله الفرد.
ونجحت سفيتلانا اليكسفيتش في تطوير التقنيات التي تعلمتها من الكاتب البيلاروسي اليس اداموفيتش لتبتكر "نوعا جديدا من الكتابة الأدبية" استحق إشادة وثناء الأكاديمية السويدية التي منحتها جائزة نوبل في الآداب، فيما نوهت سارا دانيوس في هذا السياق بكتابها الأول "وجه لا أنثوي للحرب" الذي ارتكز على مئات المقابلات مع سيدات شاركن في الحرب العالمية الثانية.
وهذا هو الإبداع في أحد معانيه حيث استخدام منظور جديد لرؤية الجديد عبر القديم كما فعلت الفائزة بجائزة موبل للآداب في العام قبل الفائت وهي تنظر للحرب العالمية الثانية بمنظور جديد وتقدم للإنسانية ما كان في حكم المجهول بالنسبة لها عن هذه الحرب وتروي قصص مئات السيدات اللاتي كن على الخط الأمامي للجبهة في الحرب.
وبذلك كشفت هذه المبدعة البيلاروسية تاريخا مجهولا إلى حد كبير لنحو مليون امرأة سوفييتية شاركن في الحرب العالمية الثانية، فيما حقق كتابها هذا نجاحا مدويا وحظى بإقبال منقطع النظير في الاتحاد السوفييتي السابق وبيع منه أكثر من مليوني نسخة.
وها هي حرب البوسنة والهرسك في العقد الأخير من القرن العشرين تتحول لمصدر الهام للروائيين وتتوالى الروايات والقصص عنها وأحدثها رواية "الهدوء ينساب في نهر الأونا" للشاعر البوسني فاروق سيهيتش والتي وصفتها صحيفة "الجارديان" بأنها "تشكل اسهاما كبيرا في أدب الحرب".
وهذه الرواية التي تحمل ذكريات أليمة وأطيافا من السيرة الذاتية لهذا الشاعر والكاتب البوسنوي ترجمها للانجليزية ويل فيرث وفازت بجائزة الاتحاد الأوروبي للأدب تأتي بعد نحو 20 عاما من الحرب الدامية في البوسنة والهرسك والتي تشكل واحدة من أقسى آلام الإنسانية في القرن العشرين.
وصاحب الرواية شارك في الحرب ضمن وحدة للمتطوعين دفاعا عن البوسنة والهرسك في مواجهة العدوان الصربي وهو يوظف لغة الشاعر في روايته وينتصر للحياة رغم ثقل محمولات تجربة الحرب الأليمة في الذاكرة ولا يتردد في إعادة بناء الخيال انتصارا لحياة بريئة من الكراهية وروح لا تعرف التلوث.
ومن أجل فهم ما حدث وتطهير الروح مما حدث في تلك الحرب، ها هو فاروق سيليتش يزور بيت جده الراحل المطل على نهر الأونا "حيث كل شييء له معنى" فيما كل فصل في روايته عنوان مشحون بمعاني وتلاوين من كوابيس الحرب وأحلام السلام.

وبالطبع لا حاجة للإسهاب في ضرب مزيد من الأمثلة بشأن أعمال أدبية ودرامية حول الحروب حققت خلودا وشهرة في العالم ولا حاجة أيضا للتأكيد على أن بعض هذه الأعمال الأدبية والدرامية سواء على الشاشة الكبيرة أو الصغيرة تتناول حروبا قريبة زمنيا مثل الحرب الأمريكية في أفغانستان والعراق خلال الألفية الثالثة، أما نحن فوضعنا مختلف، حقا لأنه يكاد يأتي على النقيض من هذا المشهد العالمي.
لا يوجد عمل أدبي أو درامي حتى الآن عن حرب أكتوبر يرقى لمستوى هذه الحرب في الواقع وإن سألت أهل الذكر من الأدباء والفنانين المصريين ستجد الإجابة النمطية والتي يكذبها المشهد الأدبي والفني في دول أخرى: إن الأحداث الكبرى تتطلب مرور وقت طويل قبل التعبير عنها أدبيا وفنيا.. غير أن المشكلة أن هذا الوقت الطويل غير محدد بسقف.. ولعل خطورة الاتكاء الكامل على هذه المقولة تتجلى فى مقارنة بين حجم وتوقيتات ومستويات الأعمال الأدبية والسينمائية والتلفزيونية الغربية التى تناولت الحرب العالمية الثانية حتى الحرب الأمريكية في أفغانستان والعراق وحجم وتوقيتات ومستويات الأعمال الأدبية والسينمائية والتلفزيونية المصرية إن وجدت حول حدث خالد في الوجدان المصري مثل حرب السادس من أكتوبر.
ويبدو ان مقولة انتظار الوقت الطويل حتى تظهر أعمال ناضجة يحمل في ثناياه حقيقة الهروب من الالتزام وتبعات الإبداع التي كان يجسدها أديب مصر النوبلي العظيم نجيب محفوظ، فيما تذهب النفوس حسرات مع التراجع المريع في مستوى الأعمال الدرامية سواء على الشاشة الكبيرة أو الصغيرة.
وينبغي في هذا السياق الأخذ في الاعتبار بالعلاقة الوثيقة بين الأدب والسينما والتلفزيون، فالروايات العظيمة تشكل معينا لا ينضب للسينما أو التلفزيون مثل "جاتسبي العظيم" حيث يتجلى عنفوان الرواية وحضورها بالتلاقح الإبداعي بين الكلمة المكتوبة والأطياف الساحرة على الشاشة الكبيرة.
إن حلول الذكرى الـ 44 لحرب أكتوبر المجيدة يثبت عدم دقة مقولة إن الإبداع بحاجة لوقت وكأن 44 عاما لم تكن كافية لإنتاج هذا الفيلم المفقود بينما قدمت السينما الأمريكية والغربية على وجه العموم عشرات الأفلام الرائعة إبداعيا وتجاريا عن الحرب العالمية الثانية وحروب تالية، فيما باتت الحرب الأمريكية في أفغانستان والعراق مصدر الهام للرواية والسينما معا في الولايات المتحدة.
نعم نحن نعاني من أزمة إبداع في أدب ودراما الحرب ويبدو أننا بحاجة ماسة "لإعادة تقليب التربة الإبداعية المصرية" والبحث الدؤوب والمخلص عن كل المواهب الواعدة إبداعيا حتى يتغير هذا المشهد المثير للأسى في ظل استمرار هذا الغياب الطويل لأي أعمال أدبية او درامية رفيعة المستوى وتليق بأحداث خالدة في الوجدان المصري.