الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة ستار

يوسف شاهين.. رحلة مخرج مصري في شوارع باريس

المنتج جابى خورى
المنتج جابى خورى فى حواره لبوابة ستار
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يوسف شاهين (٢٥ يناير ١٩٢٦- ٢٧ يوليو ٢٠٠٨) مخرج سينمائى مصرى ذو شهرة عالمية، معروف بأعماله المثيرة للجدل، وبرباعيته السينمائية التى تتناول سيرته الذاتية (إسكندرية... ليه؟ - حدوتة مصرية - إسكندرية كمان وكمان - إسكندرية - نيويورك).


نحاول هنا أن نقترب كثيرًا من طبيعة المخرج الكبير من خلال حوار مع المنتج جابى خورى ابن شقيقة المخرج الراحل والذى أكد أن هناك الكثير من العاملين بالوسط السينمائى فى مصر كانوا يظنون أن شاهين يحصل على دعم فرنسى لتنفيذ أفلامه بسهولة، وهذا مخالف للواقع بحكم عشرته الطويلة مع شاهين ومعاصرته للعديد من المشروعات السينمائية التى قام بتنفيذها بمشاركة فرنسية، وخاصة مع المنتج الفرنسى الكبير أمبير بالزان الذى شارك فى إنتاج معظم أفلام شاهين

وأضاف خورى أن هناك رحلات عمل عديدة قام بها شاهين لفرنسا وشهدت مقابلات كثيرة، ولم تكن المبالغ التى يتم دفعها لدعم أفلام شاهين ضخمة كما كان يتخيل البعض، ولكنها كانت فى نفس الوقت مبالغ تسمح له بتنفيذ أشياء جديدة ومبتكرة فى أفلامه لم تتح لغيره من المخرجين فى تلك الفترة، ودائمًا ما كانت تشهد هذه الرحلات مجهودًا كبيرًا من جانب شاهين، سواء من ناحية التحضير للعملية الإنتاجية والحصول على التمويل المناسب أو من ناحية عرض الأفلام فى دور العرض الفرنسية

وقال خورى إن شاهين حينما كان يعرض أحد أفلامه فى فرنسا كان ينشغل قبل بداية العرض بأيام قليلة بعمل لقاءات صحفية وتليفزيونية لوسائل الإعلام الفرنسية بطريقة مكثفة، لأنها كانت السبيل الوحيد وغير المكلف ماديًا لعمل دعاية لتلك الأفلام، وكانت هذه المسألة تجعله يجرى هذه اللقاءات على مدار اليوم كله من الساعة الثامنة صباحًا حتى الساعة الحادية عشرة مساء بدون راحة حتى لتناول الغذاء، وكان شاهين يبذل مجهودًا كبيرًا لأنه كان يعلم أن هذه الطريقة هى الأمثل لعمل دعاية للفيلم بدون أن يتكلف أى عبء مالى جديد، وخاصة أنه لم يكن يستطيع تحمل نفقات إعلانات للفيلم بالقنوات الفرنسية المختلفة أو عمل حملة دعاية بالصحف الفرنسية أو نشر أفيشات هذا الفيلم بالشوارع

وأضاف قائلًا: شاهين كان يبذل مجهودًا مضاعفًا فى أشياء أخرى كثيرة ترتبط بتفاصيل المشروع السينمائى منها عمل دوبلاج لأى فيلم بأصوات ممثلين فرنسيين، وهذا الأمر يعد عملًا شاقًا للغاية وكأنه يقوم بتنفيذ فيلم جديد، كما أن هذا الأمر كان مهما جدًا للموزع الفرنسى الذى يقوم بتوزيع أفلام شاهين هناك، لأن الجمهور الفرنسى يفضل مشاهدة الأفلام الناطقة بالفرنسية وليست الأفلام المترجمة

واستطرد خورى قائلًا: هناك بعض الأفلام التى تم توزيعها فى ٣٠ دار عرض بفرنسا وأفلام أخرى وصلت إلى ١٢٠ دار عرض مثل فيلم «المصير»، واذكر أن فرنسا يوجد بها ما يقرب من ٥٥٠٠ دار عرض بينما فى مصر لا يزيد هذا العدد على ٣٥٠ فقط

وعن رد فعل الجهات الإنتاجية الفرنسية حينما كان شاهين يعرض عليهم مشروعًا سينمائيًا جديدًا وهل كانوا يشترطون بعض الأشياء الخاصة فى السيناريو أو شكل تنفيذ هذا المشروع قال خوري، إن الجانب الفرنسى دائمًا كان يقدر ويثمن أعمال شاهين ولم يحدث مطلقًا أن تدخلوا فى المسائل الفنية لأى مشروع مشترك، حيث كانت العلاقة طيبة إلى أبعد الحدود وتحكمها ثقة متبادلة، فهم يثقون فى قدرات وفكر شاهين، وشاهين يثق أنهم يمنحونه الدعم اللازم لإتمام المشروع.


وتابع خورى قائلًا: الفرنسيون كانوا يتعاملون مع شاهين باسمه فقط وبدون الدخول فى أى تفاصيل خاصة بالفيلم، سواء القصة أو السيناريو أو التصوير أوالمونتاج وغيرها، إيمانًا منهم بمهنيته وفكره، وأذكر أنه كان يستحوذ على الضوء الأكبر فى التعامل مع الفرنسيين بالمقارنة مع مخرجين مصريين آخرين، خاصة أن المخرجين المصريين كانوا يتعاملون مع جهات إنتاج فرنسية على «حس» تعامل شاهين معهم، حتى إن هذه الجهات كانت تشترط موافقة شاهين الشفهية على أى مشروع مصرى يقدم لهم من مخرج آخر لتقديم الدعم المادى له

وعن أهم المشروعات السينمائية للراحل يوسف شاهين والتى لاقت نجاحًا كبيرًا بفرنسا قال جابى خوري: يبقى فيلم «المصير» هو الأيقونة المتميزة التى استقبلها الفرنسيون بحفاوة بالغة، ولا يمكن أن ننسى استقبال الفيلم فى مهرجان كان، حيث كان يمثل مصر فى المسابقة الرسمية، وكان رد فعل الجمهور فى أول عرض للفيلم رائعًا للغاية، حيث ضجت القاعة بالتصفيق عدة مرات مع بعض المشاهد إلى جانب التصفيق الحاد مع نهاية الفيلم، كما شهد الفيلم أثناء عرضه بدور العرض السينمائى بفرنسا إقبالًا كبيرًا من الجمهور ويعد أكثر فيلم عربى على مدار التاريخ يحقق إيرادات فى فرنسا، حيث وصل عدد مشاهديه إلى ٦٥٠ ألف مشاهد.

وأوضح جابى قائلًا: هذا العدد الكبير من الجمهور الفرنسى الذى تابع فيلم «المصير» بفرنسا تفوق كثيرًا عمن تابعوه أثناء عرضه فى مصر، وأذكر أن وقت عرض «المصير» بمصر كان يعرض فيلم «إسماعيلية رايح جاي». 


وأشار قائلًا: أكثر لحظات شاهين سعادة حينما تم تكريمه من مهرجان كان فى العيد الخمسينى للمهرجان وقتها شعر بأن هذا التكريم جاء من أناس قدروا مشواره مع صناعة السينما وحياته التى وهبها لهذا الفن، وأذكر أننا حينما كنا نسير سويا بشوارع فرنسا كان الكثير من الجمهور العادى من الفرنسيين والعرب المقيمين هناك يستوقفونه للحديث معه والتقاط الصور التذكارية، كما كان مشهورًا فى معظم مطاعم ومقاهى فرنسا وحينما كان يجلس معنا كانت الخدمة تكون ممتازة إلى أبعد الحدود، فالاستاذ يجلس معنا على حد تعبير أصحاب هذه الأماكن

أما علاقته بالمشاركين فى أعماله من الفرنسيين فكانت ممتازة ويغلفها الاحترام، إلا أننى أذكر أن العاملين بالمعمل الذى يقوم بطبع وتلوين أفلامه كانوا يخافون منه بعض الشىء نظرًا لدقته المتناهية فى كل التفاصيل، لأنه كان من القليلين فى هذه الصناعة الذى يفهم كل مراحل عمل وتنفيذ الفيلم، ولا ينتهى دوره عند نهاية التصوير، وأذكر أننى كنت أشاهده وهو يضع «صابعه» فى الحمض الذى يتم تحميض الفيلم به ليذوق طعمه، حتى أن بعض العاملين بهذه المعامل كانوا يصفونه بأنه «حقنة»، ودعنى أؤكد لك أنه كان محبوبًا ولكنهم كانوا يخشون تفاصيله الدقيقة. تعبير «حقنة» يستخدمه المصريون للإشارة إلى أن هذا الشخص لا مثيل له ولا شىء يتوقف أمامه.

وعن أشهر المواقف التى حدثت له أثناء تنفيذ بعض أفلامه بفرنسا قال جابى خوري: أذكر أنه طلب ذات مرة عمل تعديل فى بعض ألوان أحد أفلامه وطلب منهم نسخة بعد إجراء هذا التعديل، فكان رد المسئولين بالمعمل أن غدًا وبعد غد «السبت والأحد» إجازة، وعليه الانتظار حتى يوم الاثنين، فما منه إلا أنه قام بتحرير محضر بالواقعة وتقديم شكوى للبوليس الفرنسى الذى تفهم الأمر وطلب من المعمل ضرورة إنجاز عمل شاهين فى تلك الليلة، وبالفعل حصل على النسخة التى يريدها، وهنا لا بد أن أشيد بأن المعامل الفرنسية لديها فنيون على مستوى عال جدًا من الكفاءة فى مسألة تصحيح الألوان والمكساج وأيضًا تسجيل الموسيقى التصويرية للفيلم، وأن علاقة شاهين بهم وصلت لمرحلة الصداقة القوية


وعن استمرار العلاقة بين شركة أفلام مصر العالمية ليوسف شاهين وبين فرنسا بعد رحيله قال جابى خوري: ما زالت العلاقة قوية للغاية ومؤخرًا قام وفد فرنسى بزيارة الشركة وأبلغونا بأن فرنسا سوف تنظم احتفالية خاصة بشاهين فى شهر سبتمبر من العام القادم بمناسبة مرور ١٠ أعوام على رحيله، وسوف يقوم «السينماتيك» الفرنسى بتنظيم أكبر تكريم له

وأضاف قائلًا: قام الوفد الفرنسى بالحصول على كل المستندات الورقية والسيناريوهات المكتوبة بخط يد شاهين وكل ما يتعلق به، حيث يقومون حاليًا بعمل ترميم لهذه الأشياء بفرنسا، بالإضافة إلى ترميم ٩ أفلام من أفلامه، وسوف تكون هناك تظاهرة سينمائية عالمية، بتنظيم زيارة للفرنسيين لهذه الوثائق والأفيشات وكل ما يخص سينما يوسف شاهين، وسوف تطوف هذه الاحتفالية العديد من العواصم الأوروبية والأمريكية على مدار ٤ سنوات لتعود بعدها هذه الوثائق إلى مكتبة الإسكندرية من خلال احتفالية ضخمة تنظمها مصر.

وحول طريقة تعامل الوفد الفرنسى مع وثائق شاهين قال خوري: فوجئنا بطريقة التعامل مع هذه الوثائق، فعن نفسنا كنا سعداء بأننا نحتفظ بكل ما كتبه شاهين داخل «كراتين» ولكننا فوجئنا بأنهم ينهرونا بسبب هذا الفعل فكانوا يمسكون هذه الوثائق بجورب، ولا يلمسونها بأيديهم، كما أنهم استعانوا بشركات شحن متخصصة لنقلها إلى فرنسا. وحول عدم إخراج شاهين لأفلام فرنسية قصتها وأبطالها فرنسيون قال جابي: شهدت علاقة شاهين بالفرنسيين تطورًا كبيرًا وطلبوا منه هذا الأمر كثيرًا لكنه كان يرفض دائمًا ويقول إنه يعى تمامًا الشخصية المصرية بكل تفاصيلها، واستطاع دخول العقلية المصرية ومن الصعب أن يقدم أفلامًا إلا فى مصر فقط.