الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

علموهم قبل أن ترفهوا عنهم!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الأرقام والإحصاءات التي حفل بها التعداد السكانى الأخير لمصر، والتى أعلنها اللواء أبوبكر الجندى، رئيس الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، منها ما يثير القلق، ومنها ما يضعنا أمام حقائق كارثية، ولعل الفاجعة الكبرى التى أظهرها هذا الإحصاء هى عدد الأميين فى مصر، والذى وصل إلى ٢٨.٨ مليون مواطن غير ملتحق بالتعليم، وهو ما يستوجب أن نوجه جهودا غير مسبوقة لحل هذه الكارثة، وأن نتبنى مشروعا قوميا لمحو الأمية.. كيف نتحدث عن الثورة الصناعية الرابعة فى مجال تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات وربع سكاننا لا يجيدون القراءة والكتابة؟.. كيف نتحدث عن تنمية بدون تعليم؟ وكيف لدينا وزارتان للتعليم، ولدينا هذا العدد الضخم من غير الملتحقين بالتعليم؟

ووسط هذه العشوائية فى سياساتنا على مدار عشرات من السنين، ووسط مشروعات «الفنكوش» لمحو الأمية، وصلنا لهذه الكارثة، وهو ما يتطلب تفكيرا غير التفكير الذى انتهجناه طوال السنوات السابقة، وسياسات غير التى طبقناها.

أخطأت الدولة فى حق مواطنيها، وأخطأ كل من تولى المسئولية وترك هذه الكارثة لتصل إلى هذا الحد. والحديث عن الماضى واستحضاره لن يفيد، والواقع مظلم، ولكن يبقى أن المستقبل يحمل دائما الأمل، وهو الذى يتأتى بالكفاح وتضافر الجهود

الأمية كانت وستظل أحد ثالوث التخلف، وإذا كنّا نعمل على تنفيذ مشروعات قومية فى مجالات عدة، فأولى لنا أن يكون القضاء على هذه الكارثة أول مشروعاتنا القومية، وأن يعمل فيها الجميع بلا تراخ.. الدولة التى عليها أن تضع مشروعا محددا بجدول زمنى لمحو الأمية ونحاسب فيه الحكومات بشكل سنوى عن نسب الإنجاز فيه، وأن تعمل على تحقيق ذلك من خلال أفكار جديدة، أن تتحول فصول محو الأمية إلى مدارس مستقلة، أن تعطى حوافز مادية لمن يلتحق بمدارس محو الأمية، وأن تدعو المنظمات الدولية إلى المساهمة فى ذلك، مع تشديد الرقابة على هذه المنظومة

كما أن القضاء على الأمية ليس فقط مسئولية الحكومة، ولكنه مسئولية المجتمع، ولا يضير أى شاب متعلم، كان يعمل أم لا، أن يشارك بوقته فى تعليم ما فاتهم القطار، ومن الممكن أن تتبنى الحكومة مشروعات بإتاحة فرصة عمل دائمة لكل شاب يستطيع أن يمحو أمية ١٠ أفراد، وتكون فرصة العمل الدائمة للشاب بمثابة مكافأة عن عمل أحسنه، وأن يساهم القطاع الخاص فى دعم هذه المبادرات

يبقى أن رجال الأعمال الذين أنفقوا مليارات فى شراء وتملك وسائل الإعلام، والتى ملأت شاشتها فى الأغلب لبرامج الترفيه والتسلية أن يوجهوا جزءا من هذه الأموال لمشروع محو الأمية، سواء ببناء المدارس أو تزويدها بالإمكانيات المادية والبشرية، فإذا كان همهم وهدفهم من إنفاق المليارات على وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية أن يساهموا فى تشكيل وعى الناس فأولى بهم أن يوجهوا جزءا من أموالهم لتعليمهم وإتاحة فرص عمل لهم بدلا من أن يتحولوا لقمة سائغة لكل من يبحث عن استغلالهم حينما تحين الفرصة لذلك، مرة بشراء أصواتهم بقليل من الزيت والسكر، ومرة يستغلهم أصحاب الفكر المتطرف ليحولوهم إلى قنابل موقوتة.