الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

مواقع التواصل الاجتماعي.. هل تخدم الأدب أم تضره؟

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تثير مواقع التواصل الاجتماعي جدلا ثقافيا بين المبدعين الذين يؤيد بعضهم استخدام مواقع مثل "فيس بوك" و"تويتر" و"انستجرام" بينما يشعر البعض الآخر بالنفور حيال هذه المواقع المعروفة "بالسوشيال ميديا".
ولئن بات السؤال المطروح في الغرب والشرق معا:"هل تخدم مواقع التواصل الاجتماعي الأدب أم تضره وتعادي الإبداع الحقيقي" هاهي الأديبة البريطانية زادي سميث تقول إن استخدامها لمواقع التواصل الاجتماعي يهدد كتاباتها، وإن تفادي استخدام مواقع مثل تويتر وانستجرام "يحمي حقها في الخطأ ويحول دون تعرضها لردود الفعل الفورية من جانب جمهور المتلقين".
وزادي سميث التي ولدت في الخامس والعشرين من أكتوبر عام 1975 هى روائية وكاتبة قصة قصيرة وتحظى أعمالها الإبداعية بثناء النقاد في بريطانيا حيث توصف بأنها من "وجه مشرق من الأوجه الجديدة للأدب البريطاني".
وصاحبة رواية "الأسنان البيضاء" ترى أن مواقع التواصل الاجتماعي بردود افعالها الفورية تهدد شعورها بالخصوصية في الكتابة حتى لو كانت مخطئة وحتى لو كان ما تكتبه دون المستوى، ومن ثم فهذه المواقع تشكل على المستوى الشعوري لها ككاتبة نوعا من مصادرة الفضاء الابداعي.
وفي مقابلة أجرتها مؤخرا جريدة "الجارديان"، توضح زادي سميث أنها تريد ممارسة كل حقوقها ككاتبة بما في ذلك "الحق في الخطأ دون خوف من ردود الأفعال الفورية للمتلقين" لتشير بذلك إلى أن مواقع الكترونية مثل فيس بوك وتويتر وانستجرام "تحد شعوريا من هذه الحقوق" الضرورية لأي مبدع.
وأضافت صاحبة رواية "عن الجمال" الفائزة بجائزة "اورانج" الأدبية والمنحدرة من أب انجليزي وأم قادمة من جامايكا انها "لو وضعت في ذهني ردود افعال القراء وأنا أكتب فلن استطيع مواصلة الكتابة..ولذلك أحرص على الابتعاد عن تويتر وانستجرام وشبكة الانترنت ككل اثناء الكتابة".
واعتبرت سميث أن "التقلبات في اتجاهات رواد مواقع مثل تويتر والتحول في غضون ساعات قليلة من النقيض للنقيض من الأمور المزعجة للكاتب". مشددة من جديد على أهمية "التعبير الحر عن الذات ومايجول في القلب والعقل بخصوصية لا يجوز أن ينتهكها أحد".
وواقع الحال أن صاحبة "الوقت المتأرجح" ليست وحدها بين الكتاب في الغرب من يبتعد عن مواقع التواصل الاجتماعي، فهناك فى الثقافة الغربية من يرى أن شبكة الانترنت ضارة بالثقافة الجادة.
ومن أبرز ممثلى هذا التيار الكاتب والروائى الأمريكى الشهير جوناثان فرانزن الذى لايكف عن شن الهجمات من حين لحين على شبكة الانترنت ومواقعها الشهيرة للتواصل الاجتماعى مثل تويتر وفيس بوك. معتبرا أنها "مواقع لا مسؤولة وعدوة للكتابة والقراءة الجادة" متشبثا بالكتاب الورقى او ما يسميه "بالكتاب الحى".
وبينما قال جوناثان فرانزن فى سياق هجومه على وسيط اتصالى الكترونى مثل تويتر:"لايمكن ذكر الحقائق او الدخول فى حوار جاد عبر حيز لا يزيد عن 140 حرفا ولا ينبغى ان نضحك على انفسنا فأنا اشعر بالقلق على القراء والكتاب الجادين"، فان الروائي البريطاني مارتن اميس بدوره أبدى مؤخرا شعورا واضحا بالنفور من مواقع التواصل الاجتماعي.
وقال اميس وهو صاحب روايات ذاعت شهرتها في الغرب وخاصة "المال" و"حقول لندن" ان بعض مواقع التواصل الاجتماعي "تحولت الى آبار للكراهية" ليكشف عن أنه قرر أن "ينأى بنفسه عن السوشيال ميديا".
وفي المقابل، فان كتابا من المشاهير في الغرب لم يتخلوا عن مواقع التواصل الاجتماعي أو "السوشيال ميديا" وفي مقدمتهم جوان رولينج صاحبة "هاري بوتر" وفيليب بولمان صاحب "البوصلة الذهبية" وبريت ايستون اليس صاحب "الأخاديد".
كما أن صفحات الكثير من الكتاب سواء في الغرب او الشرق تحولت الى منابر للترويج لكتبهم واصداراتهم الجديدة لتفتح فضاءات التواصل الجديدة افاقا رحبة للمبدعين ومن بينهم من يكتبون بلغة الضاد.
ولئن أبدت الروائية البريطانية زادي سميث نفورا من ردود الأفعال الفورية حيال الكتابات الابداعية على مواقع التواصل الاجتماعية فان بعض المبدعين مثل الشاعر الجزائري ميلود حكيم يرحبون بالتفاعل والتعليقات على هذه المواقع.
وفي ظل أزمة النشر في بلدان عدة، فان ثمة ظاهرة فرضت نفسها على الفضاء الالكتروني يمكن وصفها "بظاهرة كتاب الفيس بوك" حيث وجد مبدعون في هذا الموقع وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي حيزا للكتابة والتواصل مع المتلقين.
غير أن هذه الظاهرة لا تخلو من سلبيات حيث "اختلط الحابل بالنابل والغث بالسمين والجيد بالرديء" مما أثار قلق كثير من النقاد الذين يتمسكون بالمعايير المتعارف عليها للكتابة ناهيك عن الابداع معتبرين ان "الفيس بوك" لايمكن ان يحل بديلا للمجلة الثقافية او الكتاب كوسيط ثقافي.
ومن قبل تساءل الكاتب والشاعر المصري الكبير فاروق جويدة بمرارة واضحة:"لا أدري كيف نواجه لعنة الفيس بوك وتويتر وكل هذه الأشباح التي تحولت الى عمليات ابتزاز ونصب للباحثين عن الشهرة وكيف تحولت هذه المواقع الى حياة الناس وكانت سببا في خراب البيوت وتشويه صورة المجتمعات"؟.
وأضاف:"نعم البعض منا حول مواقع التواصل الاجتماعي "من الفيس بوك وتوابعه" الى مستنقع رهيب ومقزز من الشتائم والبذاءات والأكاذيب واقتحام الخصوصية الانسانية وكشف الأسرار الخاصة للبشر.
ورأى جويدة أنه من المؤسف أن تنزلق بعض الصحف ووسائل الاعلام الجماهيري لهذا المستنقع وتنشر الغسيل القذر في مستنقع الفيس بوك وتويتر "رغم أن هذا النشر يتعارض مع كل أخلاقيات العمل الصحفي والاعلامي لنصبح أمام اشكالية اخلاقية "افسدت حتى لغة الشارع بكل ما حملته من مظاهر الانحطاط والبذاءات وساعدت على نشر الفضائح حتى أصبحت شيئا عاديا في حياة الناس!.
ووسط هذا الجدل المحتدم سواء في الغرب او الشرق يبدو أن الأمريكي مارك زوكر بيرج لم يخطر بباله عندما جسد حلمه بتأسيس موقع التواصل الاجتماعي الأشهر على شبكة الانترنت "الفيس بوك" من غرفة سكن بمدينة جامعية للطلاب في هارفارد عام 2004  أن ابتكاره سيثير العديد من التحديات والجدل حتى على مستوى الكتاب والمبدعين.
ولا ريب أن القضية تتسع باتساع الفضاء الافتراضي ومستحدثات ثورة الاتصالات التي طالت عالمنا العربي كما يقول مثقف كويتي بارز هو الدكتور عادل سالم العبد الجادر رئيس تحرير مجلة العربي ويتابع:"ان الشاب الآن يصحو من نومه معانقا هاتفه الجوال ليقرأ ويتكلم بقلبه حتى كاد يفقد نطقه".
وإذ يطرح عادل العبد الجادر السؤال:"افي ذلك خير أم فيه شر"، وهل بأيدينا اختراق أسوار العزلة التي شيدها ابناؤنا حولهم باسم الحرية والاستقلالية الذاتية؟!. ففي كل ذلك ستجد "فيس بوك" وهي أكبر شبكة اجتماعية في العالم ويتجاوز عدد مستخدميها المليار شخص فيما تفيد أرقام معلنة أن عدد مستخدمي هذا الموقع الشهير للتواصل الاجتماعي في العالم العربي يتجاوز الـ 50 مليون مستخدم كما ستجد "تويتر" و"انستجرام".
ويتساءل الدكتور عادل سالم العبد الجادر في معرض طرح عنوانه:"ماذا تغير في سلوكيات الأجيال العربية؟" عما حل بجيل الشباب الذي كل خيال في دنياه عرض محقق وان احتاج الشاب الى معرفة شيء ما فان حاسوبه غني بالمعلومات "فهو في نظر نفسه غني عن العالمين والمعلمين والموجهين وربما الوالدين ايضا مادام بقدرته معرفة اي شيء متى ما يشاء".
بل إن هذا الجيل -كما يذهب رئيس تحرير مجلة العربي- لم يعد يلعب "فلماذا يلعب وبين يديه الأدوات والألعاب الحاسوبية التي لايبذل معها مجهودا حقيقيا سوى التركيز في الوهم"؟!، فيما يتطرق لقضية هامة حقا في ثقافتنا العربية وهي تأثير الانترنت على اللغة ومايسميه "بشطط الكتابة الجديدة".
ويرى الدكتور عادل سالم العبد الجادر ان الانتقاد الأكبر يقع هنا على عاتق المثقفين والمتخصصين في اللغة والتربية. لافتا لأهمية دورهم في جذب الشباب للغتهم الغنية بالمفردات دون تشدق او تعقيد او "الم لفظي".
وفيس بوك" اقترن بجوجل الذى خرج ككيان معلوماتى لحيز الوجود فى "ماونتين فيو" بكاليفورنيا منذ نحو 16 عاما عنوانا للعصر وليس بمقدور أحد أن يتجاهل أي شاب وهو يؤكد صدقية معلوماته بالقول بأنه عثر عليها فى جوجل وكأن هذه الكلمة باتت علامة الثقة التى لايجوز مراجعتها او التشكيك فى مضمونها.
وباتت التجليات العربية للثورة الثقافية الالكترونية ظاهرة تثير الاهتمام بقدر ما تطرح المزيد من التساؤلات وتثير التحديات حول قضايا متعددة وفى مواجهة تيار مضاد حتى فى الثقافة الغربية يرى أن شبكة الانترنت ضارة بالثقافة الجادة.
ووسط هذا الجدل تؤكد تقارير واحصاءات معلنة أن عدد المعجبين بالشاعر السورى الراحل نزار قبانى على صفحته بموقع "فيس بوك" تجاوز المليون شخص فيما بات نجوم الأدب العربى القدماء والمحدثون هم النجوم الجدد على صفحات فى موقع فيس بوك الشهير للتواصل الاجتماعى.
فعلى صفحات الفيس بوك يمكن للمتصفح ان يلتقى بالمتنبى والجاحظ وجبران خليل جبران ونجيب محفوظ وعباس محمود العقاد وتوفيق الحكيم وادونيس ومحمد الماغوط ومحمود درويش ناهيك عن نزار قبانى "بشعبيته الالكترونية الطاغية" سواء على صفحات خاصة بهذه الأسماء او صفحات مخصصة لقضايا الآدب والثقافة.
ونظرة على شبكة الانترنت ستكشف عن أن هذه المواقع المعنية بنجوم وروائع الآدب العربى وقضايا الثقافة العربية باتت بالعشرات بل ان هناك مجلات ثقافية عربية لاتصدر الآن الا بالصيغة الرقمية.
غير أن هناك صفحات ومواقع الكترونية تبدو مجهولة الهوية الى حد كبير حيث لاتعلن عن أسماء مؤسسيها او القائمين على تحريرها دون ان ينفى ذلك الحقيقة المتمثلة فى ارتياد عشرات الالاف بل واحيانا مئات الالاف من القراء الالكترونيين لهذه الصفحات والمواقع.
ولعل مبتكر "الفيس بوك" مارك زوكر بيرج الذى اعتبر يوما ما ان الهدف من موقعه ان يكون صورة موازية لعلاقات البشر الواقعية فى الفضاء الالكترونى يشعر بالسعادة وهو يرى هذه التجليات العربية للثورة الثقافية الالكترونية.
ومع ذلك فمن السابق لآوانه تحديد الآثار البعيدة المدى لهذه الثورة الثقافية الالكترونية وان كان من الملاحظ ان المنخرطين فى هذه الأنشطة ذات الصبغة الثقافية العربية على شبكة الانترنت يسعون للاستفادة من الحرية التى تتيحها الشبكة وتجاوز اى نوع من الرقابة.
بل ان احدا لايعرف على وجه اليقين هذه الآثار البعيدة المدى للثورة الثقافية الالكترونية فى مجالات مثل التعليم وهو مايتجلى فى تساؤلات تطرحها الصحافة الغربية دون ان تجد اجابات نهائية.
وها هى صحيفة الأوبزرفر البريطانية تتساءل فى تحقيق عميق ومستفيض بقلم كارولى كادوالدر عما اذا كان الانترنت بصدد كتابة كلمة "النهاية" للجامعات بصورتها المتعارف عليها فى الأذهان. موضحة أن "هناك جامعات امريكية الكترونية كاملة الآن على الشبكة العنكبوتية".
ولا جدال أن هذا التطور يأتى فى سياق "الثورة الثقافية الالكترونية" التى طالت صناعة النشر وعالم الكتاب والصحافة والموسيقى والسينما ليأتى الدور الآن على التعليم فيما يقول المدافعون عن الجامعات بصورتها التقليدية ان هذه الجامعات اكبر من التعليم وحتى البحث منوهين بأنها تقدم حياة اجتماعية للطلاب لن يجدوا لها البديل على شبكة الانترنت او الجامعات الالكترونية".
وفى الوقت ذاته -تفرض تحديات العصر الرقمى نفسها العالم وسط تصاعد القلق حيال اقتحام الخصوصية الانسانية وكشف الأسرار الخاصة للبشر بالفضاء الالكترونى فى العصر الرقمى، فيما يرى الباحث الأمريكى جيمس جليك ان هؤلاء الذين يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعى مثل "الفيس بوك" عليهم ان يعلموا انهم وافقوا ضمنا بموجب هذا الاستخدام على كشف جوانب وابعاد تدخل فى نطاق حياتهم الخاصة ونشرها على الملأ الاكترونى وهى حقيقة تنطبق ايضا على مستخدمى "التويتر" و"انستجرام".
وثمة اسئلة ثقافية كبرى يطرحها مفكرون ومثقفون كبار هنا وهناك من بينها:"هل أصبح وجودنا الانساني مجرد وجود رقمي خادع على شبكة عنكبوتية تعلي الجدة على حساب الأصالة" ؟!وماحقيقة مصطلحات نرددها أحيانا دون وعي كاف مثل مقولة "القرية الكوكبية بينما قد لايكون كل سكان هذه القرية على قدم المساواة "؟!.
وإذا كان محرك البحث الالكترونى الشهير جوجل بات مقصدا لأغلب مستخدمى الانترنت للحصول على معلومات اواجابات حول مسألة او قضية ما فان معنى مايحدث فى احد ابعاده ان جوجل اصبح يلعب دورا خطيرا فى تشكيل عقل العالم حتى ان بعض المفكرين في الغرب لم يخفوا شعورهم بالقلق حيال التعاظم الهائل فى قوة جوجل.
الم يعد جوجل دليل الباحثين عن اجابات لأى سؤال ويغنى فى نظر الكثيرين عن مشقة البحث فى الكتب وتجشم عناء القراءة؟!..والسؤال الأهم هنا ماذا عن النوايا ومآرب هؤلاء الذين يمسكون بزمام هذا الكيان المعلوماتى الجبار؟!.
وفى هذا السياق، تتوالى إشارات قلقة حول الكم الهائل من المعلومات المختزنة لدى جوجل حول سلوكيات واهتمامات وميول أعداد هائلة من البشر فى كل انحاء العالم يتوجهون لمحركات البحث الالكترونى للبحث عما يعنيهم، وفى خضم هذه العملية يمكن الحصول على كثير من المعلومات حول اتجاهات شخص ما وميوله واهتماماته وطبيعة شخصيته.
وقد يتعين الالتفات لما يقوله الكاتب وأستاذ الأدب الانجليزي والمقارن في جامعة كولومبيا ادوارد مندلسون من ان بعض جوانب ثورة الاتصالات والمعلومات الحالية تحمل مهددات بتحويل الذاكرة والمعرفة من الذات الداخلية أو الجوانية لمجرد معالم خارجية او "ملامح برانية".
وبين سياقات ثقافية غربية وعربية ينبغي بحث الاشكاليات الانسانية في العصر الرقمي، وان تعددت الرؤى واختلفت زاوية التناول ومنظور الرؤية باختلاف سياقات الواقع..ولكن كما يقول ادوارد مندلسون فانه مهما توالت التحولات التكنولوجية والثورات التقنية تبقى الالهامات التي نتلقاها رهنا بما نختاره من كلمات لنقرأها والطرق التي نختارها للقراءة وطرائق استخلاص المعاني..فمرحبا بكل المعاني السامية والابداعات الحقيقية سواء جاءت عبر مواقع التواصل الاجتماعي او الوسائط التقليدية !.