الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

نقد الأساس المعرفي للإسلام السياسي المعاصر "5"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هل حقا ما حاولت القيام به إسلامية المعرفة من عملية أسلمة شاملة للعلوم الإنسانية وللثقافة أمر جديد، أم أن هنالك من سبقها إلى هذه العملية، وبالتالى فإن إسلامية المعرفة ليست إلا تقليدا لعملية تأسيس المعارف على الهوية الدينية؟ 
يطرح هذا السؤال نفسه عندما نتدبر فيما قامت به الماركسية، وخاصة الماركسية الستالينية، والأحزاب الشيوعية المساندة للاتحاد السوفييتي سابقا من عملية شبيهة بما تريد أن تقوم به إسلامية المعرفة في المجتمعات الإسلامية. 
إن ما تسعى إليه إسلامية المعرفة من إعطاء نظرة شمولية وكلية للمسلم المعاصر، قد قامت به الشيوعية، التي تناهضها الصحوة الإسلامية بكل ما أوتيت من قوة، وذلك لأن الماركسية الستالينية قد عمدت منذ ثلاثينيات القرن العشرين إلى إصباغ النظرة الشيوعية على كل شيء، وسخرت أجهزة الدولة والحزب لذلك. وهنا نطرح الأسئلة الآتية: ألا يتماثل المركز الإسلامي العالمي مع أكاديمية السوفييت؟ ألا تتماثل كتابات الراحل طه جابر العلواني مع كتابات تروفين ليسينكو؟ ألا تلتقى إسلامية المعرفة مع أهداف ماركسية المعرفة من حيث تشكيل هوية، وتأسيس أصالة، وإيجاد نجاعة في عالم الحداثة؟
ما الفرق بين علم اجتماع إسلامي وعلم اجتماع ماركسي وآخر بورجوازي؟ وماالفرق بين بيولوجية إسلامية وأخرى بروليتارية وثالثة بورجوازية؟ وما الفرق بين علم الجمال الإسلامي والماركسي والبورجوازي؟ ألا تحيلنا هذه التماثلات في الطرح إلى مبدأ واحد في التصنيف والتوزيع ألا وهو المبدأ الأيديولوجي أو العقائدي؟
يُمكِّننا التحليل والتشخيص السابق لخطاب إسلامية المعرفة من الوقوف عند بعض المبادئ الأساسية، ومنها:
أ. الشمولية: لا تريد إسلامية المعرفة أن تكون نظرية خاصة بل نظرية عامة وشاملة، وهي في ذلك لا تختلف عن النظريات السياسية والأيديولوجية التي عرفها القرن العشرين.
ب. المسلم الصحوي نموذج الإنسان: والسبب في ذلك أنه حامل الاستراتيجية، وممثل النظرة الشاملة، فعليه واجب القضاء على التغريب والتحديث. لذا فإنه النموذج الفردي الشمولي الحق لحضارة الحق والعدل والأمن والسلام، حضارة العصر الجديد. 
ج. البساطة: يعتبر هذا المبدأ، في تقديرنا، أساس جميع المبادئ والقواعد في خطاب إسلامية المعرفة، لأنه يقوم على تصور مؤداه أن العقيدة الإسلامية تتميز ببساطة البناء القائم على حقائق الوجود التي أتى بها الوحي، وبالقدر الذي يستطيع العقل البشري إدراكها بيسر، بعيدًا عن منهج البناء الفلسفي الظني النظري البشري المحدود والفاسد في كثير من تكهناته وتناقضاته التي أقحمت على بحوث التوحيد والعقيدة. ولقد بينا في تحليلنا لمثال العلوم الإنسانية حجم المشاكل التي تواجهها هذه الآلية التأويلية وآثارها السلبية وحتى المدمرة على المجتمعات الإسلامية، وذلك لما تعانيه من قصور معرفي وغياب للحس التاريخي، وما أدت إليه من نظرة وثوقية وقطعية. 
د. مبدأ العمل والتحقيق: إن التشخيص ومعرفة المبادئ والآليات، يؤدي حتما إلى العمل وإلى الحركة وإلى تجاوز، ما سماه خطاب إسلامية المعرفة في مكان آخر بـ «الفصام النكد بين النظرية والواقع بين القيادة والقاعدة»، وذلك بجعل الفكر حركة وممارسة، ثم إن تلك المبادئ تحكمها خطة أو مخطط أو استراتيجية، لا تترك شاردة ولا واردة إلا أحصتها، وذلك من أجل إنجاح العملية وتحقيق الحل الإسلامي وقيادة العالم. فليس خطاب إسلامية المعرفة خطابا نظريا بل هو ممارسة وتطبيق، يجد آثاره في كل أفعال وممارسات الحركات الإسلامية. ويشترط التنظيم إعداد الكوادر العلمية التي يقع عليها مسئولية تحقيق الصحوة الإسلامية، لذا وجب إعداد الكوادر العلمية اللازمة لريادة مجالات إسلامية المعرفة وبناء النسق الثقافى الإسلامى للأمة على أسس سليمة وذلك من خلال برامج القروض والمنح الدراسية، والإشراف العلمي، والبرامج الدراسية الإسلامية في مجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية المعاصرة كافة.