الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

مطالب بإنقاذ آثار "صان الحجر".. مدينة الملوك

صان الحجر
صان الحجر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"الأقصر الثانية" اسم يطلق على مدينة "صان الحجر" بالشرقية لما تحويه من ثلث آثار البلاد ونفائس خلدها ملوك الفراعنة بمقابر فضية ومسلات وتماثيل مبهرة؛ لكن في الآونة الأخيرة رصدت الصحف عدة مشاهد لأهمال آثارها ما بين مسلة أثرية ملقاة أرضا وتماثيل نصفية أثرية مهملة ومقابر لملوك قدماء تنتظر الغرق بالمياه الجوفية.
"تل بسطا" من ضمن هذه المناطق المهملة؛ والتي تعود أزمتها آثار لعقود ماضية؛ وظل كل وزير يأتي يتحدث عن نقص الموارد المائية التي تحول دون انتشال آثارها ونقلها للمخازن والمتاحف بأسلوب يليق بتراث مصر الذي يجب تخليده للأجيال؛ وبالفعل قامت الوزارة مؤخرا بمشروعات لترميم وتطوير وتوثيق آثار المدينة وانتشال المياه الجوفية، وحماية المدينة الكائنة على بعد 75 كيلو مترا من الزقازيق، وتضمن المشروع إرسال بعثة مصرية مداومة، لكن الأثريين علقوا بأن هذا لم يعد كافيا لمواجهة الإهمال والآثار الملقاة على الطرقات، مطالبين بحملة دولية لإنقاذها بالتعاون مع مصر. 
وقال مجدي شاكر أحد أبرز مطلقي الحملة وكبير الآثاريين لـ"البوابة" أن مدينة صان الحجر تضاءلت لتصبح 560 فدانا بعد أن كانت ألف، بسبب كثرة التعديات والمحيط القروي الفقير والبسيط والمفتقد للوعي بقيمة الآثار بين أغلب سكانه، وهو حال يختلف عن مدينة الأقصر مثلا بعد أن وضعتها مصر على قوائم السياحة والترويج.
أما المياه الجوفية فقد تسببت بتآكل كبير في معابد ومقابر المدينة، بالرغم منذ المشروع الذي تبنته الدولة بعشرات الملايين لتخفيض منسوب المياه، لكن شيئا لم يطبق بالواقع، أما البعثة الفرنسية فنشاطها محدود للغاية بالرغم من كونها تعمل بالمنطقة منذ عقود.
وأضاف "شاكر" أن صان الحجر هي المدينة الوحيدة التي تضم 20 مسلة لرمسيس الثاني، والعالم كله ينتصب أمام مسلة واحدة أو اثنتين بميادين أوروبا، أما نحن فنلقي بمسلاتنا أرضا. كما أن المدينة تضم كنوزا أثرية لا تضاهى وبقايا معابد لآلهة الفراعنة، وكان يمكن تفكيك تلك الآثار ببساطة ونقلها وهي أسهل من تفكيك معبد أبوسمبل والذي كان منحوتا بأحضان الجبال، وكان يستلزم فصله اولا. 
أما عن التماثيل النصفية فأكد الأثري البارز أنه يمكن ببساطة تجميعها خاصة وأن معظمها موجود بالفعل. وفي صان الحجر تمثال لرمسيس الثاني يزن 800 طن وهو ثاني أضخم تمثال بعد الرمسيسوم، وبالمعبد أربعة آبار وثاني أكبر بحيرة مقدسة بعد الكرنك. 
وفي المتحف المصري توجد قاعة كاملة لآثار تانيس، وتضم قناعا ذهبيا للملك بسونيس الأول،وحجر "أبوقير" الذي يماثل حجر رشيد بالأهمية، ولوحة الأربعمائية التي أقامها رمسيس احتفالا بمرور 4 قرون على عبادة الإله ست، وتماثيل على هيئة أبوالهول بحديقة المتحف. 
وحذر مجدي شاكر مدير الإدارة العلمية بالأعلى للآثار، من خطورة مطامع اليهود وادعاءاتهم بتلك المنطقة، فقد روجوا لأكاذيب أنها الأرض المذكورة بالتوراة، وبالتالي هناك مخاوف من تأثر العلماء الفرنسيين العاملين بالحملة بهذه الأفكار. وحذر أيضا من تصاعد المياه الجوفية وإهمال المنطقة والذي يتبدى بالملح الأبيض المتكلس فوق الآثار وهو أكبر عامل لفناء جزء مهم من تاريخ مصر.وأكد أن العمل الأثري سيتوصل لمزيد من المقابر غير المكتشفة وهي بأعماق كبيرة بباطن الأرض وتحتاج لمعدات حديثة، ولهذا فقد تمت الدعوة لحملة دولية برعاية اليونيسكو ودول أوروبا لتمويل هذه المشروعات بالتعاون مع الجانب المصري. 
ومن جانبه، تحدث د. محمد عبدالمقصود، الخبير الأثري والأمين السابق للأعلى للآثار، عن أهمية الحملة الدولية لحماية "صان الحجر" من جهة للأهمية الأثرية الكبيرة لصان الحجر، وللحالة المهملة التي تعاني منها آثارها، وتساءل: هل يعقل أن يكون تمثال رمسيس ملقى هكذا، على حين تجتمع وسائل الإعلام لتمثال مكسور يتم العثور عليه بالمطرية!
ودعا "عبدالمقصود" لنقل آثار صان الحجر للمتحف الكبير، مؤكدا أن البعثات الموجودة حاليا ليست كافية في منطقة كبيرة وغنية، مضيفا أنه يمكن وضع صان الحجر بخريطة السياحة العالمية بجهود مخططة يتم بذلها من الآن.
واكد أن وزيرالآثار الحالي د.خالد العناني بدأ عمله بزيارة صان الحجر تأكيدا لأهميتها،والمشروع المقام حاليا لتطويرها وتوثيق آثارها جزء من الحلول، لكن المدينة تحتاج بالفعل لإمكانات دولية لأن موارد الوزارة ضعيفة، وهي شكوى قالها الوزير صراحة بعد تراكم الديون وتراجع السياحة.
يذكر ان تل بسطا بحسب التسمية القديمة هي التي عبرت منها مريم العذراء ووليدها السيد المسيح عليهما السلام وأقاما، ويذكر أهلها بمركز الحسينية أن "اليم" الذي ألقي فيه نبي الله موسى كان يمر منها، كما كانت مركزا لغلال مصر بعهد سيدنا يوسف، عليهما السلام. 
وبحسب المراجع فقد عرفها المصريون القدماء بمقر الإلهة "باستت" وتحوي معالم تاريخية نادرة المثال منها معبد الإلهة باستت، وآثار الملك رمسيس الثاني والملكين أوسركون الأول والثاني من ملوك الأسرة 22 والملك نخت نبف من الأسرة 30، ومقابر مبهرة لملوك كبسونس وأمينيموبي وشوشنق، وهي من الأسر المتأخرة إلى جانب ما تبقى من معبد للإله آمون ذو البوابة الجرانيتية والتي يتقدمها تمثال لرمسيس الثاني مع محبوبته وزوجته وهو معبد متسع يحيطه سور وبقايا بحيرة مقدسة.. وقد نقل رمسيس أغلب آثاره للمدينة كي يتخذها عاصمة له، ولا تزال أغلب أسرارها مدفونة بالرمال، بالطبع مما لم تطله يد اللصوص. 
بدأت الكشوفات بالمنطقة منذ القرن التاسع عشر عبر بعثات غربية، ولا تزال بعثة فرنسية هناك منذ اكتشاف المقابر الملكية للأسرة الانتقالية الثالثة عام 1939م إبان الحرب العالمية الثانية على يد العالم بيير مونتيه، وقد احتفل الملك فاروق بافتتاحها وأقام استراحة هناك، وكانت المقابر الملكية تحتوي الذهب والمجوهرات واللازورد، وهي من الفضة الذي كان أغلى معدن بمصر القديمة، وتضم أوان ونقوش لا تزال تحتفظ بجمالها، لكن بسبب الحرب غابت الأضواء الإعلامية عنها مقارنة بما جرى مع مقابر كتوت عنخ آمون، رغم أنها لا تقل عنها جمالا وقيمة.