الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عمرو موسى.. "كتابيه"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ستظل السير الذاتية واحدة من أهم المراجع التاريخية التى نستخلص منها الحالة الاجتماعية والثقافية والسياسية من خلال الأحداث التى يرويها صاحب السيرة، مع الأخذ فى الاعتبار أن كثيرًا من أصحاب السير الذين يكتبون عن أنفسهم لا يذكرون كل الحقائق، هكذا. 
أكد نقاد الأدب المقارن، ولذا فالسيرة التى يكتبها المرء عن ذاته تقع فى مرتبة أدبية أقل من السيرة التى يكتبها آخرون عن شخص ما، ولكنها فى الوقت ذاته تعتبر شهادة على لسانه، وسوف يحاسبه الله تعالى عليها، أما نحن فعلينا أن نقارنها بما لدينا من معلومات أو بطريقة النقد الأدبى علينا أن نفكك النص ونعيد استقراءه وفق مدلولات الكلمة وتضاد الأفكار الـ Sub-Text أو النص التحتى، وبعيدا عن هذه المصطلحات التى قد لا تروق للبعض؛ فإننا أمام سيرة لرجل شارك فى رسم خريطة السياسة الخارجية لمصر على مدار سنوات طويلة هى الأصعب فى تاريخ مصر المعاصر، فقد شهدت تلك السنوات تقلبات دولية وإقليمية غيرت شكل العالم والمنطقة، ولا خلاف على أن عمرو موسى قد حفر اسمه فى سجل الخارجية المصرية كواحدٍ من أبرز الذين أمسكوا هذه الحقيبة، ولذا فمن الضرورى أن نتوقف طويلا أمام ما يرويه فى كتابه الذى يحمل عنوانًا ذكيًا للغاية هو «كتابيه»، فهذا اللفظ سيحيلك إلى عالم ميتافيزيقى من خلال الآية القرآنية الكريمة {فأما من أوتى كتابه بيمينه، فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه}، وهكذا فقد حلق بنا الاسم فى فضاء الآخرة، وأضفى معانى إيمانية تدفعك إلى تصديق ما جاء فيه باعتباره شهادة حق سيلقى الرجل بها ربه، أضف إلى ذلك المقدمة التى تسير فى نفس المعنى، والتى يتحدث فيها موسى عن إدراكه لصفة «السابق» الملازمة الآن لاسمه، فهو أمين الجامعة العربية السابق والوزير السابق أو الأسبق، وهو المرشح الرئاسى السابق، ورئيس لجنة الخمسين السابق، وصفة السابق كما يقول «أعطت الانطباع بأن المسيرة كلها أصبحت سابقة، وهذا صحيح»، وإذن فالرجل لا يتطلع إلى مزيد من المناصب مما يعنى أنه وضع هذا الكتاب دون أى حسابات متخليًا عن دبلوماسيته التى لازمته لسنوات طويلة، وفرضت عليه التحدث بعد كثير من التفكير، وبعد إتمام عملية حسابية معقدة تكون نتيجتها العمل وفق المصالح ودون خسارة أحد أو خلق أعداء جدد، ولكن يبدو أن موسى قد أراد خلع سترة الدبلوماسية هنا ليقول ماله وما علينا دون تفكير فى رد فعل الآخرين، وفى القسم الأول من الكتاب والذى سماه «من محلة مرحوم إلى نيويورك» ستجد نفسك أمام ما يشبه البناء الروائى، فقد اختار أن يبدأ حكايته من لحظة بعينها، وهى التى أبلغه فيها زكريا عزمى هاتفيًا بأن التعديل الوزارى الجديد قد شمله، وبأنه لن يكون وزيرًا لخارجية مصر بعد الآن، وأن الرئيس مبارك قد رشحه لمنصب رفيع آخر، فى هذه اللحظة جلس موسى يحتسى قهوته وهو يغوص فى كرسى مكتبه متذكرًا مراحل حياته التى مرت أمامه كشريط سينمائى طويل، بدأت أحداثه فى محلة مرحوم –غربية، وتنتهى على ضفاف النيل فى مكتبه بوزارة الخارجية حسبما ورد فى الجزء الأول من هذه المذكرات المزمع إتمامها فى ثلاثة أجزاء، ويروى موسى قصة طفولته وصباه، مقدمًا لنا عائلته لأبيه الدكتور محمود موسى المدرس بكلية الآداب، ولأمه السيدة «ثريا الهرميل»، وكيف تجرع السياسة مبكرا من خلال والده الوفدى الهوى والانتماء، والذى كان مقربًا من الزعيم مصطفى النحاس، وانتخب نائبًا فى مجلس النواب فى أواخر العشرينيات من القرن الماضى عن حزب الوفد، كما أن جده وبعض أخواله وأقاربه كانوا أعضاء فى البرلمان المصرى بغرفتيه «النواب – الشيوخ»، ولا شك أن هذا المناخ الذى نشأ فيه موسى قد جعل اهتماماته السياسية تنمو معه حتى التحق بكلية الحقوق طالبا، ثم بالسلك الدبلوماسى موظفا، ونأتى إلى الفقرة التى أقامت الدنيا ولم تقعدها حتى الآن، وفتحت أبواب النقد لتنطلق منها سهامًا تجاه الرجل وكتابه، وهى الفقرة الخاصة بالرئيس جمال عبدالناصر، فقد روى موسى أنه عندما عمل ملحقًا بالسفارة المصرية فى سويسرا؛ فوجئ بمندوب من الرئاسة كان يأتى إلى برن بين الحين والآخر ليشترى طعامًا خاصًا للرئيس، وقد اصطحب موسى هذا المندوب يومًا ودار بينهما بعض الكلام عن الرئيس عبدالناصر، والذى أقر صاحب الكتاب بحبه وولعه بشخصيته وإيمانه بوطنيته فى أكثر من موقع، منها حديثه عن اللقاء الأول بعبدالناصر، وكيف صافحه وأخذ يتطلع إلى وجه ذلك الزعيم الذى غير موازين القوى، وإذن فالرجل كان يروى قصة عابرة مرت عليه فى شريط ذكرياته ولم يقصد الإساءة لناصر ولا للسادات ولا لمبارك؛ فقد تحدث عن الثلاثة بكثير من الموضوعية، فانتقدهم سياسيًا – وهذا أمر مباح له – ومدحهم لمواقف لهم، وأثنى على جوانب إنسانية فيهم، ومن خلال قراءة ما بين السطور يمكن للمرء أن يدرك كم الصدق الموجود فى هذا الكتاب والذى يعد – من وجهة نظرى – الأهم بين الكتب الصادرة خلال السنوات الأخيرة، وذلك لما فيه من خبايا وكواليس لأحداث تاريخية فاصلة، منها، على سبيل المثال لا الحصر، الحرب الدبلوماسية التى خاضتها مصر بعد توقيع الرئيس السادات على اتفاقية السلام مع إسرائيل، وفرض مقاطعة عربية لنا، ونقل مقر جامعة الدول العربية إلى تونس، ثم محاولة حصار مصر إفريقيًا وإسلاميًا وطردها من حركة عدم الانحياز، وكيف استطاعت الخارجية المصرية أن تدير هذه الحرب ببراعة وذكاء متناهٍ حتى حققت النصر، وقطعت الطريق أمام الدول التى أردات حصار مصر، ومنها أيضا كواليس مؤتمر مدريد وأوسلو للسلام، وفى النهاية هذا كتاب يستحق القراءة أولا، إذ إنى على ثقة تامة بأن بعض من هاجموه لم يقرأوا حرفا منه واكتفوا بما سمعوه.