الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

العدالة والقانون «4»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يُعد كتاب كانط «المبادئ الميتافيزيقية لنظرية الحق» من أهم الكتب التى تناولت فلسفة القانون فى مجال السياسة والأخلاق. وقد عالج موضوع «الحق» فى كثير من محاضراته، خاصة ما يتعلق بالحق الطبيعى أو القانون الطبيعي، فضلًا عن إشاراته إليه فى ثنايا حديثه عن الفلسفة الأخلاقية بوجه عام. وفى مستهل حديثه عن نظرية القانون، يتساءل كانط: ما القانون؟ يجيب: القانون، بحسب العقل، لا يتعلق إلا بالعلاقة الخارجية العملية القائمة بين الأشخاص بعضهم ببعض، من حيث إنهم بأفعالهم يؤثر بعضهم فى بعض تأثيرًا مباشرًا؛ إنه لا يحدد علاقة الحرية للواحد مع الرغبة أو الحاجة للآخر، بل علاقة حرية الفاعل مع حرية الغير. وفى هذه العلاقة المتبادلة بين الحريات لا يُنظر فى مادة الإرادة، أى فى الغاية التى ينحو إليها كل واحد، بل يُنظر فقط فى الشكل الذى تتخذه هذه العلاقة. وعلى هذا؛ فإن القانون هو مجموع الشروط التى يخضع لها ملكة الفعل الحرة لكل شخص إذا كانت قاعدته تُمكن من مثل هذا الاتفاق، ومن هنا جاءت القاعدة الأساسية: «افعل خارجيًا بحيث يمكن الاستعمال الحر لإرادتك أن يتفق مع حرية الجميع وفقًا لقانون كلي». إن المسألة الجوهرية فى هذه القاعدة – كما يرى كانط – هى تبرير استعمال القسر لمنع الناس من التعدى على حرية الآخرين، وهذا القسر الذى يفرض بشكل قانونى لا يمكن تبريره إلا لضمان الحرية. 
ويتألف كتاب «نظرية الحق» عند كانط من قسمين: الأول، يتناول القانون الخاص، والثانى القانون العام. فى القسم الأول يعالج العلاقة بين القانون الخاص أو الطبيعي، والقانون العام خاصة القانون السياسي. ويتناول القانون الخاص ما يتعلق بالملكية، أو -على حد تعبير كانط – «ما لي» و«ما لك»، ولهذا يبدأ بحثه فى النظرية العامة للقانون الخاص بتعريف الملكية على النحو التالي: «ما لى بحسب القانون هو ما أنا مرتبط به إلى درجة أن استعمال الغير له دون موافقتى من شأنه أن يضر بي. والملكية هى الشرط الذاتى لإمكان الاستعمال بوجه عام». ويُدرج ضمن موضوعات القانون الخاص التعاملات والعقود التى أصبحت مألوفة فى الوقت الحاضر. 
ويتطرق كانط أيضًا إلى مناقشة الحقوق التى يتعين على الأشخاص القيام بها، وتتضمن الحقوق الواجبة على الأشخاص مثل: حقوق الزوج على زوجته، وحقوق الوالدين على أطفالهما، وحقوق صاحب المنزل على من يعمل فى خدمته. وفى القسم الثانى يتناول القانون العام، أو القانون السياسي، أى العلاقة القانونية بين المواطن من ناحية والوطن من ناحية أخرى، أو الدولة. ولا يمكن أن يكون هناك حق خاص خارج نطاق الوضع المدني، بمعنى أدق خارج نطاق دولة ذات قدرة على فرض أساليب قسرية تستطيع بها ضمان الحقوق الخاصة للمواطنين. ويرى كانط أنه لا يمكن أن تتحقق العدالة فى علاقات البشر بعضهم مع بعض إلا فى ظل مجتمع يشكل دولة مدنية. 
أما رولز، فقد رأى أن الحقوق السياسية والمدنية للفرد حقوق لها حرمة لا تُنتزع، وأن أكثر سمة تميز الطبيعة البشرية هى قدرتنا على أن نختار بحرية الغايات التى نسعى إلى تحقيقها. لقد آمن رولز – مقتفيًا خطى كانط – أن أكثر سمة تميز الطبيعة البشرية هى قدرتنا على أن نختار بحرية الغايات التى نسعى إلى تحقيقها. ويترتب على ذلك أن الواجب الأول للدولة تجاه مواطنيها هو أن تحترم هذه القدرة على الاستقلال الذاتي، وأن تترك للمواطنين حرية العيش وفقًا لاختياراتهم الذاتية، وأن تعاملهم، وفقًا لعبارة كانط، كغايات وليس وسائل. يقول كانط: «إن الكائنات العاقلة تخضع جميعًا للقانون الذى يقضى ألا يعامل كل منهم نفسه وغيره من البشر كوسيلة أبدًا، بل أن تكون المعاملة لهم دائمًا وفى الوقت نفسه كغايات فى ذاتها». الواجب الأول للدولة الليبرالية – عند رولز - هو أن تحمى الحريات المدنية الأساسية للفرد، والتى لا يوجد شيء يمكن أن يُعوض عنها. وعلى هذا الأساس عُنى رولز بما يسمى «حق الشعوب»، واعتبره مفهومًا سياسيًا يختص بمبادئ القانون الدولى ومعاييره. ويتوازى مع هذا المفهوم مفهوم آخر، وهو «مجتمع الشعوب» التى تتبنى مُثل ومبادئ حق الشعوب فى علاقاتها المتبادلة.
يسعى رولز فى كتابه «قانون الشعوب»، الصادر عام ١٩٩٩، إلى أن يوسع نطاق أفكاره حول العدالة لتشمل الساحة الدولية، وقد حاول أن يبين موقف الليبرالية من إمكانية العلاقة مع الآخر غير الليبرالي. وحجة رولز هى أن «قانون الشعوب» لا يقضى بأن تكون جميع المجتمعات ليبرالية، بل يكفى أن تحترم الحد الأدنى من الليبراليات التقليدية فقط، مثل: حرية التعبير، وحرية العقيدة الدينية. يقول: «إن قانون الشعوب يؤمن بوجهة نظر سمحة وإن لم تكن ليبرالية، ومن القضايا الجوهرية فى السياسة الخارجية للمجتمعات الليبرالية أن تقرر إلى أى حد يمكن قبول الشعوب غير الليبرالية».