الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الإعلام ورفاهية البؤس

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
خريطة الإعلام المصرى شهدت فى الآونة الأخيرة، وما زالت تشهد، تغيرا كبيرا فى هياكل ملكيتها، ما بين اندماجات بين قنوات ومحطات تليفزيونية واستحواذات على جانب آخر، وبزوغ كيانات جديدة مملوكة لمستثمرين جدد فى مجال الإعلام، كل هذا لا يضير فى شىء، بل إن المنافسة والاستثمارات القوية فى مجال الإعلام من شأنها أن تَخَلَّق كيانات أقوى تجعل الإعلام المصرى يتجاوز دوره المحلى ليلعب دورا أكبر على المستوى الإقليمى والدولى، خاصة فى ظل تحديات كبيرة تتعرض لها الدولة المصرية فى الوقت الحالى ومن أهمها الإرهاب. 
لكن الإعلام سواء المرئى أو المقروء يبدو أنه فقد البوصلة وضل الطريق، فاتجه فى غالبيته لبرامج الترفيه والإنفاق ببذخ على برامج يقدمها نجوم السينما والتليفزيون ويحصلون على أجور بالملايين عن هذه البرامج، وابتعد عن مشكلات الشارع الحقيقية، وأصبح يقدم وجبة خفيفة من برامج التسلية والترفيه، لمواطن يعانى من عشرات المشكلات فى حياته اليومية، بدءًا من ارتفاع فاتورة الكهرباء، ومرورا بأسعار السلع ووسائل النقل ومصاريف المدارس وغيرها، كما تحولت بعض برامج التوك شو لوصلات من الصراخ والعويل، وغاب عن معظم مقدميها الموضوعية، والمهنية، ودقة الخبر، والتحليل السليم البسيط. 
ولم نجد خلال الفترة الماضية - إلا فيما ندر - تغطيات مهنية وموضوعية لمشكلات الشارع، وبالمناسبة فإن الدولة وعلى لسان كل المسئولين تعترف بوجود هذه المشكلات.. إذن لا يضير الإعلام فى شىء إذا سلط عليها الضوء ونقل للمسئول نبض الشارع، وأصبحت الشاشات والصحف والمواقع الإخبارية حلقة وصل بين المسئول والمواطن، ومرآة تعكس هموما، ونقطة ضوء تسلط على الإيجابيات والسلبيات. 
وليس بعيدا عن الحسبان أن إعلام الدولة وخاصة ماسبيرو، أصبح يعانى من الموت السريرى، بسبب تجاهل تطويره وعدم إسناد القيادة به للكفاءات من أبنائه واستمرار مشكلات المديونيات الضخمة، والعمالة الزائدة فى غير القطاعات الفنية، وهو ما يحتم إعادة ملف هيكلته بشكل واضح، ليعاد استخدام إمكاناته الضخمة، على تسيير الهيكلة فى مساراتها الثلاث بالتوازى ما بين هيكلة فنية ومالية وإدارية، ليكون لدينا فى النهاية ماسبيرو قوى، بعدد محدود من القنوات التليفزيونية والإذاعية، ولكنها قادرة على المنافسة أيضا، لتعيد لماسبيرو دوره، كنافذة للدولة المصرية، ينقل بصدق وبموضوعية نبض المواطن ويعبر عن مصالح الدولة العليا، وهى مهمة أصيلة له.
ولعل المتابعين يدركون جيدا أن السوشيال ميديا أصبحت هى الأكثر تأثيرا من قنوات التليفزيون والمواقع الإلكترونية والصحف، حتى أن جمهور برامج التوك شو تراجع بشكل حاد لصالح السوشيال ميديا، إلى جانب أن المواطن المصرى عاد ليتابع بشكل أكبر القنوات العربية أكثر من القنوات المصرية. 
وما بين إعلام للدولة فقد بريقه وأصابه الترهل وأمراض الشيخوخة وتكالب عليه المنتفعون وأصحاب المصالح لتفريغه من مضمونه وتركه يموت إكلينيكيا، وبين إعلام خاص وجه إمكاناته الضخمة للترفيه والتسلية وابتعد عن الواقع، أصبحنا فى حاجة ماسة لعودة وزارة الإعلام، لتلعب دورا مهما، وهو دور المراقب والمنظم للإعلام الحكومى والخاص، وتضع الإعلام على الطريق الصحيح، وتعيد إليه بوصلته المفقودة. 
عودة وزارة الإعلام لتنظيم ووضع الضوابط، لا تتعارض مع الهيئات الإعلامية الثلاث التى نص عليها الدستور، والتى تُمارس عملها، بل من شأنها أن تنسق بينها وتضع حلقة وصل مفقودة، لوضع المعايير وتنفيذها ومراقبة الأداء والارتقاء بمعايير المهنة، وتعود أيضا لتكون بمثابة المتحدث الرسمى باسم الدولة المصرية، وهو دور افتقدناه طيلة السنوات السابقة.