فى رواية «ميريت آمون» للروائى عماد يسى، شىء من الحب والموت والخلود.
تنطلق الرواية الصادرة عن دار العين فى إطار تاريخى- اجتماعى، فترصد حكاية الكنز واللعنة بأسلوبٍ جديد لا يخلو من الإثارة والتشويق.
فكرة الرواية غير مطروقة؛ سواء من حيث المكان (قرية منية سُبك، الواقعة فى أقصى جنوبى مصر بعد مدينة أسبوع) أو الزمان (إذ تراوح بين التاريخ القريب (بين عصر الرعامسة قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام والنصف الأول من القرن العشرين) ولا الأحداث (حكاية ميريت آمون، ابنة سنوب آمون، كاهن آمون الأكبر، ذى السطوة المخيفة، حتى على فرعون نفسه).
فى سياق القصة، نعرف أن فرعون تقدم سرًا لأبيها طالبـًا الزواج بها، عارضـًا عليها أرض مصر كلها، لكنها رفضته، لكن فرعون لم يقو على إجبارها؛ لأنه يعلم أن حكمه وسلطانه محمولان على كف سنوب آمون، الذى يتحكم فى إرادة الشعب ويحركه بإشارة من يده.
يكتشف الأب أن ابنته ميريت آمون تحب البستانى الذى ينسق حديقة القصر، والمسمى «حتب»، فيثور الكاهن غضبـًا، لكنه يرضخ فى نهاية المطاف لطلب ابنته ويزوجها بالبستانى سرًا. غير أن البستانى المخادع لا يقنع بزوجته الجميلة والعاشقة، ولا بالحياة الرغدة الجديدة التى يحياها؛ لأنه يحب وصيفة تُدعى «حب نفر»، ويتفق معها على سرقة مجوهرات الأميرة والهرب.
إلا أن الأب الكاهن يتمكن من ضبط البستانى والوصيفة ومعهما المجوهرات، ويقضى عليهما بالموت، رغم توسلات ابنته للعفو عنهما. لا تتحمل الأميرة الرقيقة الخيانة التى قوبل بها حُبّها الصادق، فتقدم على الانتحار. يحزن الأب عليها حزنــًا هائلًا، فيلعن المجوهرات ويدفنها فى أرض القصر، ويستخدم السحر فى إقامة العديد من الحراس عليها من العالم السفلي.
وعلى مر العصور، كان كل من يعرف مكان الذهب، ويحاول استخراجه، يموت ميتة شنيعة هو وكل من يعاونه. وبعد كل مرة تحدث فيها محاولة لاستخراج الكنز المخبأ، تجتاح القرية موجة من الشر والدمار، بين البشر والمحاصيل والبهائم.
صار منزل البهجوري، أو «دوّار إبليس»، هو اللعنة.
وعبر نحو ٣٠٠ صفحة من القطع المتوسط، نتابع تجدد اللعنة، مع لجوء العاشقين السريين عويس وأمينة إلى المنزل، فى مغامرة عاطفية حبلى بالمخاطر. عويس، ابن حنونة الداية، العائد إلى منية سُبك قادمـًا من القاهرة فى زى الأفندية، وأمينة التى ترى فيه الفارس المنتصر.
غير أن العالم الغرائبى فى الحكاية يبدأ للتو، مع مغامرات ينسج عماد يسى تفاصيلها بأناة، ليفتح أمامنا باب عودة الأجواء الفرعونية إلى المنزل بكامل شخوصها.
فى «ميريت آمون» ينام عالمٌ كامل على كتف الخيال.
«وفجأة كما بدأ كل شيء، ينتهى كل شيء، وتعود الحديقة إلى ما كانت عليه فتختفى الأشجار المورقة والأزهار اليانعة، وتعود البركة أطلالًا محطمة كما كانت، وتختفى أزهار اللوتس وتحل محلها الأعشاب النامية، ويعود القصر المنيف بيتـًا مهدمـًا مرة أخرى» (ص ٢٧).
نقلة أخرى يقوم بها الروائي، حين يسدل الستار على حكاية عويس وأمينة، ليفتح أمامنا الصفحة الأولى من حكاية رمزي، ذلك الباحث الأثري، الذى يعد رسالة الدكتوراه عن عصر الرعامسة، لكنه يضطر للعمل مرشدًا سياحيـًا لتمويل أبحاثه.
فى رحلة عمل له إلى أسوان، يقرر رمزى زيارة مقبرة كاهن آمون الأكبر «سنوب آمون»، وسط احتفالات الأثريين بافتتاحها، ليشتبك مع الشخوص والأحداث، وفى مقدمتهم عادل وسامية، ورثة حسنين البهجوري، والعجوز جان كلود فرانسوا، المولع مثل أبيه بالآثار المصرية.
ربما جاء تركيز الروائى على لعنة الفراعنة، وأجواء الخوف والرهبة (تكررت المفردتان فى سياق العمل بشكلٍ مبالغٍ فيه) ليفقدا الرواية بعض نضارتها، إلا أن السرد السينمائى بأسلوب القطع وإعادة ترتيب الأحداث أفصح عن تمكن عماد يسى من أدواته، بفضل رؤيته السينمائية للأحداث.
وإذا كان الروائى قد بذل مجهودًا واضحـًا فى الإحاطة بموضوعه قبل كتابته، ودرس تفاصيل أساسية عن تاريخ الرعامسة؛ فإننا نحسب أن جوهر الحكاية، بعيدًا عن ثيمة لعنة الفراعنة، هو ما نطالعه فى الرواية كالتالي:
«هناك أشياء أو أشخاص يظهرون فى حياتنا فجأة ونظن أن ظهورهم فى حياتنا يفتح لنا أبواب الأمل، ولكنه فى الحقيقة يفتح علينا أبواب الجحيم» (ص٦٧).
فى الرواية، كما فى الحياة، هناك صندوقٌ سحرى، منذورٌ للأحلام واللعنات، وعواقب المخاطرة مسئولية شخصية لكل مغامر!.
