رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

سرطان التقسيم يهدد العراق

 رئيس إقليم كردستان
رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزانى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أعد الملف: أحمد عبدالحكيم وعلى طرفاية وعمر رأفت ومحمود الشورى


يتوجه اليوم أكثر من 4 ملايين مواطن عراقى كردى فى إقليم كردستان العراق، للتصويت فى استفتاء مثير للجدل، بشأن «انفصال» الإقليم عن العراق، رغم معارضة الحكومة المركزية فى بغداد، ورفض غالبية دول المجتمع الدولي، على اعتبار أن الخطوة تهدد بتقسيم البلاد وتشعل شرارة صراع عرقى وطائفى أكبر فى المنطقة. ويفتح الباب أمام حركات انفصالية أخرى فى دول المنطقة.
وخلال الأيام الماضية، رفض مسعود البارزاني، رئيس كردستان العراق، منذ 2005 جهود الأمم المتحدة والولايات المتحدة وبريطانيا لتأجيل الاستفتاء. كما أعلن هوشيار زيباري، مستشار كبير للبارزاني، أن «تلك هى الخطوات الأخيرة من السباق النهائى وبعدها لن نتزحزح». 
وأعلنت قيادة الإقليم الذى يتمتع بحكم ذاتي، أن تأجيل الاستفتاء دون ضمانات بإمكانية إجرائه على أساس ملزم بعد التفاوض مع بغداد سيكون «انتحارًا سياسيًا للقيادة الكردية ولحلم الاستقلال الكردي». وهو ما قبلته الحكومة المركزية فى بغداد برفض متواصل، والتأكيد على عدم مشروعية أى نتائج قد يفضى عنها الاستفتاء.
ورغم أن الاستفتاء ونتائجه غير ملزمة، يرى كثير من الأكراد فى الاستفتاء فرصة تاريخية لتقرير المصير، بعد قرن من اتفاقية سايكس - بيكو التى رسمت فيها بريطانيا وفرنسا الحدود فى الشرق الأوسط، ووزعت 30 مليون كردى بين إيران وتركيا وسوريا والعراق.
كما يهدد الاستفتاء بصراع عرقى فى مدينة كركوك، المنتجة للنفط، التى تطالب بها بغداد، وتقع خارج حدود كردستان المعترف بها.
بينما أدانت الولايات المتحدة والأمم المتحدة الاستفتاء ووصفته بأنه استفزازى ويقوض الاستقرار، وحثت على استئناف المفاوضات. وحدها إسرائيل أعربت عن دعمها لاستقلال كردستان.
مخاوف من انتقال العدوى لدول المنطقة
أكراد سوريا وتركيا وإيران يسعون للاستقلال.. وليبيا واليمن على الطريق
دولة كردستان الكبرى، حلم يراود خيال الأمة الكردية المنتشرة، شمال شرق العراق وشمال غرب إيران وشمال شرق سوريا وجنوب شرق تركيا، وبينما يساند البعض حق الكرد فى إقامة دولتهم، فى تلك المنطقة الممتدة بمحاذاة جبال زاكروس وجبال طوروس، باعتبار أنهم أمة لها ثقافتها الخاصة مثلها فى ذلك مثل الفرس، والترك والعرب، يرى آخرون وهم الأغلبية، فى قيام دولة كردية بداية نهاية الدولة الوطنية فى منطقة الشرق الأوسط، وتغيير الخارطة الجيوسياسية للمنطقة، وإعادة بناء الدولة على أسس مذهبية واثنية وفق مشروع الشرق الأوسط الجديد.
تقسيم المنطقة
فالانفصال يدشن لبداية مرحلة جديدة، عنوانها الرئيسى تقسيم دول المنطقة، وإدخال الدولة الوطنية فى صراع مفتوح بينها وبين مكوناتها الثقافية والطائفية. فبعد كردستان العراق، توجد العديد من المناطق المرشحة للانفصال، إذا ما قررت كردستان المضى فى استفتائها، فالعراق ذاته سوف يصبح مهددا بالتقسيم الى ثلاث دول واحدة سنية وأخرى شيعية، بالإضافة إلى الدولة الكردية، وكذلك سوريا خاصة منطقة الشمال، وتركيا وإيران التى توجد بها أقلية كردية وأخرى أهوازية. فما هى أبرز المناطق المرشحة للانفصال بعد كردستان؟ 
جنوب شرق تركيا 
فى عام ١٩٧٨ تم تأسيس حزب العمال الكردستاني، كحركة كردية يسارية تطالب بالانفصال عن تركيا، وفى بداية ثمانينيات القرن الماضى دخلت فى حرب صريحة مع تركيا من أجل تقرير المصير، وتمثل منطقة الأكراد فى تركيا الواجهة الساحلية لدولة كردستان الكبرى، حيث يحدها من الغرب البحر المتوسط، ومن الشمال منطقة شرق الأناضول، ومن الجنوب سوريا ومن الجنوب الشرقى العراق.
وتبلغ مساحة المنطقة التى يسيطر عليها الأكراد فى تركيا حوالى ٧٥.٣٥٨ كيلومتر مربع، ويبلغ إجمالى عدد السكان ٢.٦ مليون نسمة. 
غرب إيران 
يبلغ عدد سكان الأكراد فى إيران حوالى ٧ ملايين نسمة، ويتركزون فى شمال غرب إيران فى عدة مدن هى «همدان، كردستان، كرمانشاه، إيلام، لورستان، به ختيارى»، ومنذ معركة دمدم التاريخية ١٦٠٩ - ١٦١٠ وأكراد إيران يطالبون بالانفصال عن الدولة الصفوية، وفى عام ٢٠٠٤ تم تأسيس حزب الحياة الحرة الكردستاني، وفى شهر أغسطس من الشهر ذاته قام بتصفية ١٠ عناصر من الحرس الثورى الإيراني. 
الأهواز فى إيران
يطالب الأهواز، أو عرب إيران، بالاستقلال منذ عام ١٩٢٠، ويتركز الأهواز بمحافظة خوزستان، شمال غرب إيران، ويبلغ عددهم ما يقارب ٣ ملايين، حيث خاضوا عدة احتجاجات من أجل الاستقلال، وتم قمعها بطريقة دموية من قبل الدولة الصفوية، واستمرت هذه الاحتجاجات من عام ١٩٢٠ حتى عام ١٩٤٦، حيث تم تأسيس حزب السعادة للمطالبة باستقلال خوزستان، وفى عام ١٩٥٦ تغير ليصبح الجبهة الوطنية لتحرير عربستان، نظم انتفاضة الأهواز فى عام ١٩٧٩ للمطالبة بالاستقلال عقب الثورة الإيرانية، لكنه لم يفلح. وفى عام ٢٠٠٥ جددت المطالبة بالاستقلال فى احتجاجات استمرت لمدة ٤ أيام، وتم قمعها فى الأخير، لتتجدد مرة أخرى عام ٢٠١١ مع اندلاع ثورات الربيع.
شمال شرق سوريا 
يبدو عدد أكراد سوريا قليلا جدا بالمقارنة بعدد الكرد فى تركيا وإيران والعراق، فهم يمثلون ١٠ ٪ من إجمالى سكان سوريا، ويتركزون بمنطقة الحسكة شمال شرق البلاد، وفى منطقتين بمحافظة حلب هما عين العرب «كوبانى» وعفرين «جبل الأكراد». وأكراد سوريا هم الأقرب للانفصال بعد كردستان العراق، فقد نالت المنطقة التى يسكنونها حكمًا شبه ذاتى عقب انسحاب القوات السورية فى نوفمبر ٢٠١٣. 
جنوب اليمن 
عدوى انفصال إقليم كردستان لن تقتصر على العراق، وجوارها المباشر، بل ستنتشر فى كل دول الشرق الأوسط، حيث تعلو نعرة الانفصال على أسس جهوية واثنية، فى ظل حالة الرخاوة السياسية التى تعيشها المنطقة منذ اندلاع ثورات الربيع العربي. ويطالب جنوب اليمن بالانفصال عن شماله منذ عام ١٩٩٤، وبعد مرور ٤ أعوام فقط بعد الوحدة التى تحققت فى عام ١٩٩٠، حيث بدأ الجنوب تمردا مسلحا ضد ديكتاتورية الرئيس السابق على عبدالله صالح، المنحاز للشمال. وفى عام ٢٠٠٧ تم تأسيس الحراك الجنوبى وتجددت مطالب الجنوبيين بالانفصال، واستمروا فى مطالبهم حتى ثورة فبراير ٢٠١١، حيث كانت الفيدرالية أحد الخيارات التى طرحتها الثورة وقبل بها على صالح قبل رحيله عن السلطة، وقام فى مايو ٢٠١١ بمقترح فيدرالي، يقتضى بتقسيم اليمن إلى ٥ أقاليم، ومع إصرار الانقلابيين الحوثيين والموالين لهم من قوات صالح اللعب بمقدرات الشعب اليمنى، والعمل على تدمير المدن التى يسيطرون عليها، تعود وبقوة رغبات الجنوبيين فى المضى قدما تجاه الاستقلال عن شمال البلاد، كما كان الحال قبل تسعينيات القرن الماضي.
ليبيا
تعتبر ليبيا نموذجا لحالة التجانس العرقى والمذهبى فى ليبيا، ولا توجد بها أقليات دينية أو مذهبية باستثناء أقلية عرقية تتمثل فى الأمازيغ أو الطوارق، ويشكلون ١٠ ٪ من إجمالى عدد السكان البالغ ٦ ملايين نسمة. تنقسم ليبيا جغرافيًا إلى ٣ أقاليم هى طرابلس «الغرب»، وفزان «الجنوب» وإقليم برقة فى الشرق، ويعد الشرق الليبى هو الأقرب للانفصال عن باقى أنحاء ليبيا، فسكان المنطقة الشرقية، يرون أنهم مهمشون ولا يتمتعون بجميع حقوقهم السياسية والاقتصادية رغم أن موارد النفط المصدر الرئيسى للدخل القومى أغلبها يقع فى شرق البلاد. 
بارزانى.. «العنيد» يواجه خصومه
بزيه الكردى التقليدى، يخوض رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزانى، عبر استفتاء اليوم مواجهة جديدة مع بغداد سعيا لتحقيق حلم إنشاء دولة، بحسب ما يقول مؤيدوه، بينما يرى معارضوه فى مشروعه هذا مجرد محاولة للبقاء فى السلطة.
ويسعى بارزانى (٧١ عاما)، المحافظ، إلى أن يكون بطل قضية مجتمعه، ولا يتردد فى السير عكس تيار الطبقة السياسية، وعكس إرادة كل من بغداد وواشنطن والدول المجاورة، للدفاع عن مطالبه.
فالرجل السبعيني، دوما كرر أن «لا خيار آخر» فى وجه «دولة دينية وطائفية» إلا الانفصال للحفاظ على حقوق الأكراد الذين تعرضوا للقمع فى ظل حكم نظام صدام حسين، والذين بدأوا بتعزيز موقعهم السياسى منذ الغزو الأمريكى للعراق فى العام ٢٠٠٣.
ويؤكد الرئيس الأول والوحيد حتى الآن لإقليم كردستان العراق، ونجل القائد التاريخى للأكراد مصطفى بارزاني، ورئيس الحزب الديموقراطى الكردى منذ وفاة والده فى العام ١٩٧٩، «كان علينا تنظيم هذا الاستفتاء» لعدم وجود أرضية «شراكة» مع بغداد.
ولد مسعود بارزانى على أراضى جمهورية مهاباد الكردية فى كردستان إيران فى ١٨ اغسطس ١٩٤٦، حيث كان والده قائد قوة جمهورية «مهاباد» الذین دافعوا عنها، حتى قضاء السلطات الإيرانية عليها بعد قطع الدعم السوفيتى للأكراد. 
وبعد سقوط «مهاباد» غادر مصطفى بارزانى إلى الاتحاد السوفييتى مع أفراد عائلته. حتى عاد مصطفى بارزانى إلى العراق عام ١٩٥٨.
وفى عام ١٩٦١ تخلى مسعود بارزانى عن مقاعد الدراسة، حیث كان طالبا فى الثانویة، وانضم إلى الحركة التحريرية الكردية ضد الحكومة العراقية.
وفى عام ١٩٧٥ وبعد اتفاقية الجزائر بين العراق وإيران، وانهيار الحركة الكردية المسلحة، اضطر مسعود بارزانى إلى مغادرة العراق مع والده إلى الولايات المتحدة. ثم تولى زعامة الحزب الديمقراطى الكردستانى فى عام ١٩٧٩ بعد وفاة والده ولا يزال زعيما للحزب.
ومنذ ذلك الحين، ظل بارزانى مسيطرًا على الدفة الكردية فى «كردستان»، رغم خلافاته مع منافسه التقليدى رئس العراق السابق، جلال طالباني، إذ إنه فى العام ٢٠٠٣ ترك مسعود بارزانى وجلال طالبانى خلافاتهما كليًا ليشكلا زعامة مشتركة وشارك الحزبان فى جميع التغييرات السياسية التى شهدها العراق بدءا من مجلس الحكم فى العراق والحكومة العراقية المؤقتة إلى الانتخابات العراقية والحكومة العراقية الانتقالية.
وفى العام ٢٠٠٥، بعدما فاز بارزانى فى الانتخابات غير المباشرة لرئاسة الإقليم، ثم أعيد انتخابه مرة أخرى فى العام ٢٠٠٩ بنحو ٧٠ ٪ من الأصوات فى أول انتخابات عامة، ليبدأ ولاية جديدة من أربع سنوات. وبعد انقضاء المدة، مدد البرلمان الكردستانى ولاية بارزانى لعامين. وفى خضم هجوم تنظيم «داعش» الإرهابى فى العام ٢٠١٤، لم يغادر بارزانى منصبه حتى اليوم.
ويتهم منتقدو بارزانى اليوم الزعيم الكردى بالرهان من خلال الاستفتاء على البقاء فى السلطة. وبالنسبة لجميع الأكراد، فإن وجود دولة كردية مستقلة فى العراق وإيران وسوريا وتركيا حلم لا يمكن التشكيك فيه. ولكن كثيرين يرون أن الموعد المحدد للاستفتاء على الاستقلال ليس مناسبا بالنظر إلى القتال الجارى فى محيط كردستان مع «داعش» والأوضاع الاقتصادية الصعبة فى الإقليم بسبب تراجع أسعار النفط.
3 تحديات تواجه مستقبل الإقليم 
رغم ثراء إقليم كردستان العراق بثرواته لا سيما النفطية، إلا أن نتائج استفتاء اليوم، والمرجح لها أن تكون داعمة للانفصال عن العراق، لم تنه مشاكل الإقليم أو تحلها بمجرد ظهور نتائج الاستفتاء، ما يدفع خبراء للتحذير من وضع مجهول للإقليم، لا سيما مع اضطراب الأوضاع الاقتصادية واستنزاف الموارد فى الحرب المستمرة منذ سنوات لمواجهة «داعش» الإرهابي، وكذلك معارضة دول الجوار وعزمها فرض عقوبات اقتصادية وأمنية وسياسية على الإقليم بعد اليوم، وهو الأمر الذى من شأنه تصعيب مهمة رئيس الإقليم «مسعود بارزاني».
فرغم أن عدد سكان الإقليم الواقع فى جبال شمال العراق والغنى بالنفط، يبلغ ٤،٦٩ مليون نسمة (ما بين ١٥ الى ٢٠٪ من إجمالى سكان العراق)، غالبيتهم العظمى من الأكراد، بالإضافة الى أقلية من التركمان، وأكثريتهم الساحقة من المسلمين السنة، إلا أن الإقليم يواجه أوضاعا اقتصادية صعبة مردها خصوصا الى انهيار أسعار الذهب الأسود بالإضافة إلى ازدياد الإنفاق العسكرى لتلبية احتياجات الحرب ضد تنظيم «داعش» الإرهابي.
حيث تعتبر القوات الكردية «البشمركة» حليفا أساسيا للتحالف الدولى الذى تقوده الولايات المتحدة ضد «داعش» الإرهابي، وقد تمكنت هذه القوات بدعم من التحالف من دحر الجهاديين من المناطق الحدودية مع إقليم كردستان. بجانب هذا الانهاك العسكرى والاقتصادى للإقليم فى الحرب ضد داعش، يأوى الإقليم عشرات الآلاف من النازحين ممن فروا من ديارهم بسبب سيطرة «داعش» الإرهابي» عليها أو بسبب المعارك التى جرت لدحره منها.
وعلى الصعيد الاقتصادى أيضًا، ومع رفض دول الجوار لتحرك الانفصال، يواجه مستقبل الإقليم تحديا على صعيد توفير المواد الغذائية، حيث يعتمد بشكل كبير فى تأمين الكثير من احتياجاته على الخارج خصوصًا دول الجوار لاسيما تركيا، وفى حال انفصاله سيشكل هذا الاحتياج نقطة ضعف كبيرة قد تستغلها أنقرة للضغط على الإقليم وهذا من شأنه أن يضع مستقبل الإقليم فى وضع حرج بحسب ما ذكرته مجلة «إيكونوميست» البريطانية الشهيرة.
كما يواجه الإقليم تحديات «جيو سياسية» نظرا لطبيعة موقعه الجغرافى بين أربع دول هى إيران وتركيا وسوريا والعراق. وأن الانفصال، وفق توقعات مراقبين لصحيفة «إندبندنت البريطانية»، يعنى خلق الكثير من المشاكل من الناحيتين الجغرافية والسياسية مع هذه الدول التى ترفض جميعها استقلال الإقليم لاعتبارات تتعلق بأمنها واستقرارها من جهة، ولإمكانية خلق توترات عرقية وإثنية وطائفية بين مكوناتها الاجتماعية والقومية والطائفية من جهة أخرى.
وتأتى قضية المناطق المتنازع عليها مع بغداد وعلى رأسها «كركوك» الغنية بالنفط، لتضفى تحديا جديدا لمستقبل «الإقليم الكردي» ومدى صموده، لما تمثله تلك المناطق من ثقل ديموغرافى للعرب والأكراد. فخلال الشهور والسنوات الأكرية وسعت كردستان العراق بالفعل أراضيها، وسيطرت قوات البشمركة على مناطق خارج حدودها بالاستفادة من تراجع الجهاديين فى الشمال.