الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مَن تصاحب.. المجنون أم المعتوه؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
سؤال صعب جدا أن تجد إجابة شافية عليه، فالخيار بين اثنين فقدا الأهلية العقلية، يجعل عدم الخيار هو والعدم سواء بلغة السادة القانونيين. بل إن التراث الشعبى للبشرية اعتاد أن ينصح بأن الصديق الجاهل شر من العدو العاقل والأخير خير منه. ثم إن حياتنا اليومية الآن، ومنذ انقلاب المعايير وهدم القيم، ونسف الأخلاق، وارتفاع شأن القوة والبلطجة، وعلو مكانة الجهلة والبلطجية، وتدويرهم لمصالح بعضهم البعض، فيما يمكن وصفه بأنها أخطر حلقة مغلقة شديدة الإحكام فى تاريخ الإعلام والسياسة فى مصر ! أقول إنه منذ اليوم الغابر الأسود فى حياة الوطن، يوم الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١، بالطبع سبقته نذر انهيار أخلاقى فى العامين ٢٠٠٩، و٢٠١٠، رأيناه فى جرائم غير مسبوقة فى المجتمع، من يومها ونحن نعيش فى حالة من الاختيار شبه المستحيل، بين مجنون ومعتوه، بين فاسد وخائن، بين جاهل وغبي، بين عدو وصديق لدود، بين بلطجى وتاجر مخدرات، بين كذاب وفاجر. بين منافق وعاهر. إنها سلسلة من التباينات الصارخة، تتجسد فى نماذج مصرية، فجة، بجحة، تعلم أنها العفن وتعلن أنها الخير والناس يعلمون أنها العفن وهى تعلم أنها العفن، لكن لا عقاب على العفن، لأنه صار القيمة الأعلى فى المجتمع. ازدد كذبا تعلو، ازدد جهلا تعلو، ازدد بذاءة تعلو، ازدد شططا فى فتاوى الدين تعلو، ازدد صفراوية تعلو وتعلو. العلو مال ومكانة ولغط. إن كل من تبقى له صديق حق أو حبيب حق أو زوجة حقة أو حبيبة حقة بعد عملية الفرز الاجتماعى والأخلاقى والسياسى الضارية التى صهرت الجميع فى فرن درجة سعاره ١٠٠٠ درجة مئوية من الفوضى ومن اللا قانون، يتوجب عليه أن يضعه فى عينيه، وأن يصونه، وأن يطمئنه، وأن يعملا معا على تجميع الشوارد مثلهما ليؤلفا نقابة العقلاء الأطهار!.
لكن هل يجدى العقل فى مواجهة حالة الاستهبال العام.. حالة الاستحماق العام (من الحماقة)، فى الداخل وفى الخارج؟!
العالم ذاته مستهبل على نفسه! من تابع منصة الأمم المتحدة فى الدورة رقم ٧٢، يحسب أن الزعماء والقادة ملائكة هبطوا من السماء، وأن الأشرار من كوكب جهنم، وأنهم - القادة - هم وحدهم دعاة الحق وحماة القانون والحريات والسيادات والمساواة!.
ثم تختلط دعوات الحق بطبول الحرب والتصفيق والاستحسان، فى ثنائية شاذة لم تر لها البشرية مثيلا فى أى تاريخ سقط عنها فيه المنطق وانهارت خاصية العقل.
ومن العجائب المهلكة حقا أن الثنائية التى انطوت عليها قيادات عالمية اعتلت منصة منظمة دعوتها الأساسية السلام والأمان بعد حربين عالميتين راح فيهما ملايين البشر فى أوروبا وأبناء قارات أخرى، كانت لا تتورع عن التبشير بعالم أفضل، وفى اللحظة التالية لا تتردد فى التحذير من استخدام أسلحة يوم القيامة، الأسلحة النووية والهيدروجينية، الاستراتيجية والتكتيكية!.
ومن عجب أن كل مجنون هو مختال بعقله، ولو جئته بألف عقل فوق عقله، ما أعجبه سوى عقله، وهذه هى الكارثة التى نحن كبشر وكمواطنين، نحترق بالقلق من تداعياتها الرهيبة المحدقة. فبعد أن اعتبر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أن غريمه الشاب الجامح كيم جونج أون رئيس كوريا الشمالية معتوه، رد عليه المعتوه ووصف ترامب بالمختل عقليا!.
واحد مجنون معتوه والثانى مختل عقليا، وفى أيدى كل منهما حقائب مفاتيح الصواريخ والقذائف النووية والهيدروجينية وكلها تكفى لتدميرهما والعالم مائتى مرة، فمن العاقل إذن، ومع من يجب أن يقف العالم؟ أنقف مع مجنون أقل جنونا؟ أهو اختيار بين درجتى جنون، عليا ووسطى؟
أهذا ما انتهت ليه حضارتنا؟ ثم هل، نحن على حق حقا حين نعتبر أنفسنا عقلاء، وهذين الرجلين ومن خلفهما هم المجانين؟
هنا تختلط الدوائر وتتداخل، ويصير العقل غريبا فى دولة المجانين باتساع العالم.
البلطجة داخل الوطن، والبلطجة فى العالم، وجهان لعملة واحدة ساقطة هى سقوط الضمير فى ثقب جحيمى أسود بلا قرار. هل السبب التغيرات المناخية الآخذة فى فرض أساليب وأشكال أخرى من المعيشة والتفكير؟ هل السبب حتمية بدايات القرون، وما يصحبها من ثورات عارمة، بلا ضابط، فى العلم، وفى الاجتماع، تصعد قيم وتهبط قيم، وتفور الأرض، ثم تستقر التربة بما طفحت من شخوص وأشياء وتضاريس!؟
أنحن على أعتاب مخاض عالم جديد لا يصلح معه الحاليون الإ بالانقراض!؟
إن ما يفعله الناس من جرائم مخزية يضع الأسئلة السابقة فى سياق يفرض البحث عن حلول علمية. فالأم تتفق مع العشيق على قتل زوج بمشاركة أبناء، والابنة تفضح أباها وتحاكمه وتعتبره سفيها، وأخرى تعترف بزنا المحارم، وموظفون كبار يفلسفون الرشوة ويحللونها بنظرية أن شيوع النهب يجعله عرفا مقبولا، وشيوخ وشيخات يفتون فى أسباب وأشكال إخماد الشهوة، بإتيان الميتة أو دبر بهيمة، كلبة أو معزة أو جاموسة أو قطة!!
من المؤكد أن من يطالع حالنا من فوق، فى السماء العلا، سواء فى الوطن وفى العالم، لا يزال يتردد فى صدره ما قالته الملائكة لله سبحانه وتعالى «أتجعل فيها من يسفك الدماء».
نحن نسفك الدماء ونستبيح الحرمات ونسفح القيم وكل منا يذهب الى مناجاة رب السماوات. ترامب يصلي، والبوذى كيم جونج يصلي، وروحانى يصلي، وأردوغان يصلي، وبتاع قطر يصلي. كلكم أنبياء؟!
فمن الشيطان إذن؟ للأسف البالغ، نحن جميعا فى عربة ضخمة يتنازعها مجنون ومختل عقليا.