الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الثقافة الشعبية.. الأصل فرعوني

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أعظم الحضارات هى من تتأصل فى وجدان البشر إلى الأبد، ولا يوجد أحد يورث من أحد، إلا إذا كان قويا وعميق الجذور وصاحب تاريخ مشرف، والمصريون من أكثر شعوب العالم تمسكا بالعادات والتقاليد المتوارثة من قديم الأزل، ويبدو هذا واضحا جليا من خلال طقوس حياتهم وسلوكهم اليومي، بالإضافة إلى مظاهر الاحتفال بالأعياد والمناسبات المختلفة، وعندما نتحدث عن أعرق الحضارات، فبالتأكيد نقصد أرض مصر، فنحن وبعد آلاف السنين ما زلنا نحمل عادات وتقاليد أجدادنا الفراعنة رغم تواتر الغزاة على مر العصور، محاولين أن يُغيروا هوية المصريين. وخلال هذه السطور سنرصد بعض هذه العادات الضاربة بجذورها فى أعماق التاريخ والتى يتوارثها الأبناء عن الآباء.

عندما يقطر الشعر دمعًا
فن «العديد».. من إيزيس إلى «ندابة» المآتم
البكائية أو العـدودة هى أنقى ألوان الغنـاء الشعبي، كما كان الرثــاء أشرف أشعار العرب قديمًا، فعندما سأل الأصمعى أحد الأعراب: ما بال المراثى أشرف أشعاركم؟، قال الأعرابي: لأننا نقولها وقلوبنا محترقة؛ ولعل أشهر استشهاد بالعدودة ما كتبه الشاعر الراحل عبدالرحمن الأبنودى فى مرثيته لصديقه فنان الكاريكاتير الفلسطينى الراحل ناجى العلى وهو يقول: «أمايه.. وأنتى بترحى بالرحى.. على مفارق ضحى.. وحدك وبتعددى على كل حاجة حلوة مفقودة ما تنسيش يا أمه فى عدودة، عدودة من أقدم خيوط سودا فى توب الحزن، لاتولولى فيها ولا تهللى.. وحطى فيها اسم واحد مات، كان صاحبى يا أمه.. واسمه ناجى العلى». والعديد أو التعديد هو ذكر منـاقب الميت وتعدادها.
والعدودة أو المرثية كما يقول الباحث درويش الأسيوطى فى كتابه «أشكال العديد فى صعيد مصر»، ليست بالبدعة المستحدثة، بل إنه من السهل ردها إلى آلاف السنين، حيث انشغل قدماء المصريين بقضية الموت، وكونوا حـولها فكرة مكتملة الجوانب، فالموت بالنسبة لهم لم يكن سوى غياب مؤقت، يأتى بعده يوم ترتد الروح فيه إلى الجسد، وتعـود إلى حياتها.
بينما يرى الدكتور عبدالحليم حفني، فى بحثه عن المراثى الشعبية، أن «العديد» فى أصله عربي، تحول من الفصحى إلى العامية، وظلت الأجيال تتوارث بعض ألفــاظه وتحاول الاحتفاظ بالطابع الموسيقى فى هيكله العام، من حيث صياغة العدودة فى قوالب موسيقية، وإن كانت لا تسير على نسق البحور العروضية المعروفة فى الشعر العربي، لأن العديد يعتمد عـلى المقطوعة التى تتكون من بيتين يتضمنان أربعة أشطر، وليس على القصائد كالشعر الفصيح، مثل أن تقول إحداهن: «ما تقعديش جنبى / ياللى باآبوكى / ما تقعديش جنبى / تقولى يا آبايا توجعى قلبي.. ما تقعديش يمى / ياللى بأبوكى / ما تقعديش يمى / تقولى يابايا تجدد همي».
ويتفق الدكتور أحمد صالح، أستاذ المصريات، مع الباحث درويش الأسيوطي، فى عودة فن «العديد» إلى الحضارة الفرعونية، مشيرًا إلى أن أول معددتين فى التاريخ هما إيزيس زوجة أوزوريس ونفتيس أخته، موضحًا أن أكبر دليل على وجود هذا الفن سابقًا هو الصور على جدران بعض المقابر، والتى تظهر خلالها المعددات أو النادبات وهن يسرن خلف الجنازة، متخذًا الصورة على مقبرة رعموزا أحد نبلاء الأسرة التاسعة عشرة الفرعونية مثالًا على ذلك.
وفى معرض حديثنا عن العديد كـ«فن» فلا يمكننا أن نغفل المساحة الكبيرة التى يحتلها فى الثقافة الشعبية، ولا سيما فى محافظات صعيد مصر، والتى تُمثل المرأة بها حجر الزاوية فى أسرتها وداخل مجتمعاتها، والتى ترى غياب أحـد أفراد عائلتها - وبخاصة الرجال - مصيبة تستحـق البكاء، وتستحق أن تهيــل التراب وتضع الطين على صدرها ورأسها، وتصبغ أثوابها بالسواد، وهذا ما دأبت عليه المرأة المصرية طوال القرون العديدة الماضية حتى الآن، بصرف النظر عن العقيدة التى يعتنقها المجتمع والدين الذى يدين به، فالموت بالنسبة لها هو الوحش الذى يغتصب من بين يديها أفراد الأسرة، ومنهم الرجل الحارس والمدافع عن العائلة، ومنهم مصدر دخلها ومنبع فخرها، ومنهم الولد من تعده للمستقبل، والبنت التى تعدها لتحمل رسالة الأمومة فى الحياة من بعدها.
يُطلق على المرأة التى تمتهن مهنة العديدية اسم «المعددة»، وفى الغالب تكون كبيرة فى السن، تستطيع قيادة باقى النسوة عند إلقائها العديد، بإيقاع سريع وموزون، ويقول الباحث كرم الأبنودى فى كتابه «فن الحزن»: «إن العديد نداء لمن رحل، وبكاء على حميد صفاته، وهذا ندرسه فى المدرسة والجامعة على أنه قصائد الرثاء وشكوى إلى الله من نار الفراق، والله يحب أن يسمع صوت عبده وهو يجأر إليه بالشكوى». إلا أنه مع مرور الوقت أصبح هذا الفن غير محبب فى مآتم الصعيد، ويقل وجوده، وذلك فى ظل غياب الاهتمام الرسمى بمحاولة توثيقه قبل اندثاره.

«السبوع» و«شم النسيم».. اجتماعيات فرعونية
من العادات الفرعونية التى تتضح جلية أمام أعيننا، الاحتفال بشم النسيم، وهو عادة فرعونية قديمة، ففى هذا اليوم تخرج الأسرة على ضفاف النيل أو المتنزهات والحدائق العامة للتنزه والاستمتاع بجو الربيع اقتداء بأجدادهم الفراعنة، ويحملون معهم الأسماك «وهى ترمز إلى الرزق الوفير»، ونبات الخس «وهو يرمز إلى النماء والخصوبة»، والبيض الملون رمز إله الشمس الذى خرج من بيضة كبيرة معلنا بدء حياة الإنسان.
وعلى مستوى الزراعة نجد العديد من الموروثات الفرعونية، فالأدوات الزراعية الموجودة الآن مثل «الشادوف، الفأس، المحراث والمعزقة»، هى أدوات فرعونية أصيلة، استخدمت فى زراعة الأرض، ورغم تطور الأساليب الزراعية إلا أن هذه الأدوات ما زالت موجودة ويستخدمها الفلاح المصري.
كما أن «السبوع» ودق الهون، يُعد من العادات القديمة، حيث يحتفل أقارب المولود به بعد أيام قليلة من ولادته، وكان الهدف منها قديمًا تدريب الطفل منذ الصغر على سماع الأصوات الحادة حتى لا يكون عرضة دائما للفزع والخوف من الأصوات التى تحدث فجأة إضافة إلى اعتقادهم أن الطفل يبدأ بسماع الأصوات وتمييزها بعد سبعة أيام من مولده.

من الجد لولد الولد.. عادات فى كل بيت
أعظم الحضارات هى ما تتأصل فى وجدان البشر إلى الأبد ولا يوجد أحد يورث من أحد إلا إذا كان قويا وعميق الجذور وصاحب تاريخ مشرف، وعندما نتحدث عن أعرق الحضارات فبالتأكيد نقصد أرض مصر، فنحن وبعد آلاف السنين ما زلنا نحمل عادات وتقاليد أجدادنا الفراعنة رغم تواتر الغزاة على مر العصور محاولين أن يُغيروا هوية المصريين فعجزوا جميعا عن ذلك، وهو ما أطلق عليه «جيمس هنرى برستبد» فجر الضمير، أى أن ضمير الإنسانية بدأ من عندها؛ ولا تزال هذه العادات والتقاليد ساكنة الروح والوجدان عند كل مصرى حتى وإن لم يكن يدري.
فالكثير من الطقوس والعادات التى نقوم بها فى حياتنا اليومية ما هى إلا موروثات منذ الفراعنة، وأكثر هذه العادات نجدها فى الريف المصرى وفى صعيد مصر أيضا، وأبرزها الطقوس الجنائزية، فكما كان الأجداد يحملون موتاهم فى موكب مهيب، محمولين على الأكتاف فى توابيت مشيعيهم إلى مثواهم الأخير، نجد هذه العادة ممتدة حتى اليوم حيث يحمل المتوفى على الأكتاف فى موكب مهيب، إلى أن يتم إيداعه إلى مثواه الأخير، وهذه العادة ثابتة فى طول مصر وعرضها من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، ولا تختلف فى شعائرها من غنى إلى فقير ومن رجل إلى امرأة، بل إنها لا تختلف فى وقتنا الحالى من مسلم إلى مسيحي، وهذا الطقس له دلالة كبيرة على تمسك المصريين بعادات الأجداد كتقليد راسخ فى الوجدان، رغم مرور آلاف السنين.
كما هو الحال فى الشعائر الجنائزية نجد تقاليد الزواج، فيقول الدكتور سيد كريم، مؤلف موسوعة «لغز الحضارة»: المصرى ما زال متمسكا بعاداته وتقاليده التى ورثها عن أجداده القدماء، ولعل الزواج أبرز هذه العادات التى لم تتغير.
فالمصريون أول شعوب العالم معرفة بالزواج حيث وضعوا له شروطا، فالزواج يبدأ بدبلة الخطوبة، وهى موجودة فى تشريعات قدماء المصريين، وكانوا يطلقون عليها «حلقة البعث»، وذلك لأنه ليس لها أول ولا آخر، وهذا معناه دوام العشرة والإخلاص، وكانت تصنع من الذهب، وكانت الدبلة توضع فى اليد اليمنى - مثلما يحدث الآن - وبعد الزواج تُنقل لليد اليُسري.

حكايات ما قبل النوم.. ذكرياتنا مع المعلم الأول
فيروز أول مطربة تداعب وجدان الأطفال بأغنية «ريما».. وأمل عبده: السير الشعبية أهم مصادر أدب الطفل
حكايات ما قبل النوم، العالم السحرى والترفيهى للصغار، فما زالت الترنيمة الجميلة والأغنية التى كانت ترددها أمهاتنا بأصواتهن الشجية، وهى تداعب خصلات الشعر وتربت بيدها الحنونة على الصدور لندخل فى عالم النوم ترن فى الآذان، ولعل أبرز هذه الأغانى والترنيمات، ما تغنت به السيدة فيروز لطفلتها وهى تقول: «يالله تنام ريما يالله يــــــــجيها النوم / يالله تحب الصلاة يالله تحب الصوم / يالله تجيها العوافى كــــل يوم بيوم / يالله تنام يلاتنام لاذبحلها طير الحمام / روح يا حمام لا تصدق بضحك ع ريما لتنام».
كان لمثل لهذه الكلمات فعل السحر على تفتح وجداننا، كم كانت جميلة تلك الكلمات البسيطة ذات المغزى الكبير التى توارثتها أمهاتنا الحبيبات من جداتنا، والتى تُعد ضمن الموروث الشعبى الزاخر بالكثير من الأهازيج والحكايات والأمثال.
وتقول الباحثة فى التراث الشعبي، أمل عبده، السير الشعبية من أهم مصادر أدب الطفل الغنية، وإذا كانت السيرة الشعبية تمثل جانبًا مهمًا من ملامح الثقافة العربية، ورافدًا كبيرًا من الموروث الشعبى لهذه الأمة العريقة، فيمكننا أن نقول إن هذه السيرة هى حكاية شعبية طويلة ذات حلقات وفصول، وهى تشمل حقائق لا سبيل إلى نكرانها، وتشمل كذلك خرافات أو خيالا محضًا لا سبيل إلى إثباته، ويتراوح أسلوب السير بين النثر والشعر، ويدور حول البطولات والفروسية والحرب، ومن أهم أبطال السير الشعبية المعروفة عنترة بن شداد وسيف بن ذى يزن وأبوزيد الهلالى والأميرة ذات الهمة والظاهر بيبرس وغيرهم، كما تشير الباحثة إلى أن السيرة الشعبية مصدر من مصادر أدب الأطفال.
وعادةً ما تحكى الأمهات القصص للأطفال الأكبر سنًا ما فوق الرابعة أو الثالثة ممن يستطيعون الكلام، ومن المنظور العلمى يعمل سرد الحكايات على الصغار من سن الولادة على تحفيز السمع والفهم بالتبعية ثم القدرة على الكلام، وبعد نمو وتطور الفهم للصغير تبدأ الحكايات فى تنمية خياله، وتساعد فى تنشيط وتطوير عمليات التفكير والاستنتاج والتخمين، فضلًا عن مساهمتها فى العملية التربوية خُلقيًا وسلوكيًا، لذا يعد أفضل وقت لحكاية القصة هو قبل النوم لأن الذاكرة تُبنى على آخر تجربة، كما أن الحكايات السعيدة التى ينام عليها الطفل تساعده فى الاستيقاظ نشيطًا متفائلًا راغبًا فى العمل والتغيير.
بما يختلف شكل الحكايات للأطفال من مجتمع إلى آخر، فنجد على سبيل المثال فى مجتمع المدينة تجنح الأم التى حصلت على قدر من التعليم إلى سرد الحكايات وقصص الأطفال المكتوبة والمشهورة والتى أشرنا إليها من قبل، بينما فى المجتمعات القروية ولا سيما المجتمع الصعيدي، تعتمد الأم على أغنيات ارتجالية، ومتوارثة.
وتقول الشاعرة وكاتبة الأطفال أمل جمال: لا يوجد تاريخ زمنى يمكن من خلاله تحديد نشأة حكاية ما قبل النوم. لأن الأمهات يتحدثن مع أبنائهن قبل أن يولدوا. وبعد أن يولدوا يهدهدونهم بالغناء ليناموا ويتحدثن إليهم طوال الوقت. ذاكرة الأطفال تختزن الصوت وملامح الأم المصاحبة له إن كان فرحا أو غضبا يدرسوننا ويعرفون كيف يتحكمون فينا ويجبروننا على التنفيذ. فى رأيى أن حكاية ما قبل النوم يجب أن نبدأها فى وقت مبكر قبل بلوغ الطفل العامين من عمره عندما يكون الطفل قادرا على التفاعل اللفظى والجسدى مع من حوله خاصة الأم. فهى فرصة للتواصل والمشاركة وتحسين مهاراتهم اللغوية وإثراء واستثارة ذكائهم أثناء الحكى كأن نطعم الحكايات بالأسئلة ونتناقش فيها. وأيضا نلون أصواتنا مع المواقف لمزيد من الجذب. فينام الطفل وآخر ما سمعه صوت أمه أو صوت أبيه وحضنهما الذى يشبع حاجتهم للأمان ويغمضون عيونهم على حكمة أو موعظة لن يقبلوها بشكل مباشر، أثناء النهار هى فرصة لتغيير السلوك وزرع القيم التى تربيهم عليها والتى تطلبها مرحلتهم العمرية وهنا يجب أن يكون لدينا الوعى الكافى لاختيار نوع القصة المقدمة وهل تصلح للأولاد أم للبنات؟. وعن تجربتى مع ابنى كنت أقرأ له باللغتين العربية والإنجليزية وكنت أعلمه الكلمات باللغتين حتى تعتاد أذنه وقعهما وكنت أراهن على الوقت، نحن نعدهم لمستقبلهم وهو بين مجتمعين واحد مصرى وواحد أمريكى كان لا بد أن يتشبع بالثقافتين يعرف شم النسيم ويعرف الهالوين وغيرها من مفردات خاصة حتى لا يكون مغتربا هنا ومغتربا هناك.