الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مذكرات عمرو موسى!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في الحادي عشر من سبتمبر الجاري، بدأت بعض الصحف المصرية والعربية في نشر مذكرات الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية ووزير الخارجية المصري الأسبق عمرو موسى، وقد أثارت هذه المذكرات جدلا كبيرا، وتركز هذا الجدل على إحدى العبارات التي وردت في هذه المذكرات، حيث يذكر أنه خلال فترة عمله في سفارتنا في برن أن الرئيس جمال عبدالناصر كان يهتم بنظام غذائه، ولذلك كان مَن يخدمونه يرسلون من وقت لآخر مَن يأتي له بأصناف معينة من الطعام الخاص بالريجيم من سويسرا.. كانت أشياء بسيطة، وكان يأتي لإحضارها رجل ضخم الجثة، وكنت أنا المسئول عن تسليمها له.
وتحمل مذكرات عمرو موسى عنوان «كتابيه»، ويبدو أن هذا العنوان يستحضر الآية الواقعة في الآية التاسعة عشرة من سورة الحاقة بالجزء التاسع والعشرين في القرآن الكريم ونصها: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ)، ولعل ذلك يثير بعضا من التساؤل، وذلك بالنظر لأنه غير معروف عن أشهر دبلوماسي عربي في الآونة الأخيرة الاستشهاد بالقرآن الكريم في أحاديثه.
وتأتي مذكرات عمرو موسى بعد أربع سنوات من نشر مذكرات وزير الخارجية المصري الأسبق والأمين العام الحالي لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، والتي حملت عنوان «شهادتي... السياسة الخارجية المصرية 2004 - 2011»، والتي صدرت في العام 2013م.. كذلك وفي ذات العام نشرت بعض الصحف المصرية مذكرات الفريق سامي عنان رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق عن أسرار ثورة 25 يناير، وذلك بعد عام واحد من خروجه من السلطة.
ويمكن القول بأن مذكرات الساسة والعسكريين تتطرق في العادة إلى أمور ثلاثة: بعضها شخصي، والآخر هو وثائق وأسرار غير معروفة سوى لأشخاص محدودين داخل دائرة صنع القرار، وثالثها: رأي صاحب المذكرات في بعض الأحداث التي عايشها أثناء وجوده في السلطة.. وغني عن البيان أن الوثائق والأسرار تعد أهم ما يمكن أن تتعرض له مذكرات الساسة والعسكريين، ويجدر بنا بالتالي أن نلقي الضوء على الجانب القانوني في هذا الشأن، ومتى يجوز إفشاء هذه الأسرار، وأول ما ينبغي الإشارة إليه في هذا الصدد هو القانون رقم 121 لسنة 1975 بشأن المحافظة على الوثائق الرسمية للدولة وتنظيم أسلوب نشرهان ووفقا للمادة الأولى من هذا القانون، «يضع رئيس الجمهورية بقرار منه نظاما للمحافظة على الوثائق والمستندات الرسمية للدولة ويبين هذا النظام أسلوب نشر واستعمال الوثائق والمستندات الرسمية التي تتعلق بالسياسات العليا للدولة أو بالأمن القومي والتي لا ينص الدستور أو القانون على نشرها فور صدورها أو إقرارها، ويجوز أن يتضمن هذا النظام النص على منع نشر بعض هذه الوثائق لمدة لا تجاوز خمسين عاما إذا ما اقتضت المصلحة العامة ذلك»، وطبقا للمادة الثانية من القانون ذاته، «لا يجوز لمن اطلع بحكم عمله أو مسئوليته أو حصل على وثائق أو مستندات غير منشورة من المشار إليها في المادة الأولى أو على صور منها أن يقوم بنشرها أو بنشر فحواها كله أو بعضه إلا بتصريح خاص يصدر بقرار من مجلس الوزراء بناء على عرض الوزير المختص»، كذلك تنص المادة 2 مكرر من ذات القانون على أن «لا يجوز لمن اطلع بحكم عمله أو مسئوليته على معلومات لها صفة السرية تتعلق بالسياسات العليا للدولة أو الأمن القومي أن يقوم بنشرها أو إذاعتها إذا كان من شأن ذلك الإضرار بأمن البلاد أو مركزها الحربي أو السياسي أو الدبلوماسي أو الاقتصادي سواء أكانت هذه المعلومات عن وقائع باشرها هو أو غيره ممن قاموا بأعباء السلطة العامة أو الصفة النيابية العامة أو وصلت إلى علمه بحكم عمله فيما تقدم، وذلك ما لم تمض عشرون سنة على حدوث ما أذيع أو نشر إلا بتصريح خاص يصدر من مجلس الوزراء بناء على عرض الوزير المختص، وتنص المادة الثالثة على أنه "مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد منصوص عليها في أي قانون آخر، يعاقب بالحبس وبغرامة لا تزيد على ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من خالف أحكام المادة الثانية، فإذا عاد على الجاني منفعة أو ربح من الجريمة حُكم عليه بغرامة إضافية مساوية لقيمة ما عاد عليه من المنفعة أو الربح، ويحكم في جميع الأحوال بمصادرة المواد محل الجريمة"، وبناء على التفويض التشريعي الوارد في المادة الأولى من هذا القانون، صدر القرار الجمهوري رقم 472 لسنة 1979 بشأن نظام المحافظة على الوثائق الرسمية للدولة وأسلوب نشرها واستعمالها، ووفقا للمادة الأولى منه "تعتبر الوثائق والمستندات والمكاتبات التي تتعلق بالسياسات العليا للدولة أو بالأمن القومي سرية لا يجوز نشرها أو إذاعتها كلها أو بعضها كما لا يجوز تداولها أو الاطلاع عليها إلا لمن تستوجب طبيعة عمله ذلك، وذلك كله ما لم تكن مما ينص الدستور أو القانون على نشرها فور صدورها". وتوجب المادة الثانية «على جميع الجهات من وزارات أو هيئات أو مؤسسات سياسية كانت أو دبلوماسية أو اقتصادية أو (..) أو دينية أو غيرها عند إصدار أو استصدار وثائق أو مستندات أو مكاتبات تتعلق بالسياسات العليا للدولة أو بالأمن القومي أن تقوم بالتدوين عليها بالحظر ومنع التداول أو الاطلاع، إلا بالنسبة لمن يناط بهم العمل بها دون غيرهم»، وتنص المادة الثالثة من القرار الجمهوري على أن «يكون رئيس كل جهة مسئولا عن وضع النظام الذي يكفل حفظ سرية الوثائق المشار إليها ويجب أن يخصص في كل من هذه الجهات مكان لحفظ الوثائق المشار إليها به على أن يحتفظ فيه بسجل لإثبات أسماء العاملين المنوط بهم العمل في هذه الوثائق ومدد علمهم بها»، ووفقا للمادة الرابعة «يكون حفظ الوثائق والمستندات المشار إليها بجهاتها لمدة لا تتجاوز خمسة عشر عاما تنقل بعدها إلى دار الوثائق القومية لتحفظ في الأماكن التي تعد لهذا الغرض، وتظل محتفظة بسريتها لمدة خمس عشرة سنة أخرى»، وتنص المادة الخامسة على أن «تشكل لجنة بدار الوثائق القومية من مديرها وعضوية اثنين من العاملين الفنيين بها وتمثل فيها الجهة المصدرة للوثيقة أو المستند للنظر في الوثائق التي مضت عليها ثلاثون سنة فأكثر لتقرر إباحة الاطلاع عليها أو استمرار سريتها ومنع تداولها لمدة أخرى لا تتجاوز عشرين سنة تالية وبشرط ألا تتجاوز مدة حظر الاطلاع أو النشر خمسين تبدأ اعتبارا من تاريخ إصدار الوثيقة أو المستند»، وتنص المادة السادسة على أن «تحفظ الوثائق والمستندات للاطلاع أو البحث بعد مرور المدة المحظور فيها الاطلاع أو النشر، ويجوز بقرار من مجلس الوزراء بناء على عرض الوزير المختص بعد موافقة الجهة صاحبة الوثيقة أو المستند السماح بنشرها قبل الموعد المنصوص عليه في المادة السابقة».
من ناحية أخرى، تنص المادة 70 مكرر (ب) من قانون المخابرات العامة رقم 100 لسنة 1971م على أن «يعتبر سرا من أسرار الدفاع المنصوص عليها في المادة 85 من قانون العقوبات الأخبار والمعلومات والبيانات والوثائق المتعلقة بالمخابرات العامة ونشاطها وأسلوب عملها ووسائله وأفرادها وكل ما له مساس بشئونها ومهامها في المحافظة على سلامة وأمن الدولة وحفظ كيان نظامها السياسي ما لم يكن قد صدر إذن كتابي من رئيس المخابرات العامة بنشره أو إذاعته»، وتنص المادة 70 مكرر (ج) من قانون المخابرات العامة رقم 100 لسنة 1971م على أنه «استثناء من أحكام القانون رقم 121 لسنة 1975 م بشأن المحافظة على الوثائق الرسمية للدولة وتنظيم أسلوب نشرها، يحظر نشر أو إذاعة أو إفشاء أي أخبار أو معلومات أو بيانات أو وثائق تتعلق بالمخابرات العامة مما نص عليه في المادة السابقة، سواء كان ذلك في صورة مذكرات أو مصنفات أدبية أو فنية أو على أي صورة أو بأي وسيلة كانت إلا بعد الحصول مقدما على إذن كتابي من رئيس المخابرات العامة.. ويسري هذا الحظر على مؤلف أو واضع أو طابع أو موزع أو عارض المادة المنشورة أو المذاعة وعلى المسئول عن نشرها أو إذاعتها، ويعاقب كل من يخالف هذا الحظر بالعقوبات المنصوص عليها في المادتين 80 (أ) و80 (ب) من قانون العقوبات بحسب الأحوال.. وإذا عاد على الجاني منفعة أو ربح من الجريمة حكم عليه بغرامة إضافية مساوية لمثلي ما عاد عليه من منفعة أو ربح، ويحكم في جميع الأحوال بمصادرة المواد محل الجريمة».
هذه هي الأحكام القانونية التي يتعين على كل رجل سياسة وكل مسئول عسكري الإلمام بها، وينبغي تثقيف العامة بها، ورائدي في ذلك هو قول أحد كبار رجال السياسة والقانون الجنائي: «إن تعميق البحث والدراسة في القانون الجنائي ليس مجرد اهتمام أكاديمي علمي، وإنما هو ثقافة قانونية رفيعة لا بد أن يتحلى بها رجال السياسة ورجال العمل العام لأنها تتعلق بحركة المجتمع ومستقبله لتحقيق الأمن والاستقرار والعدالة وسيادة القانون». والله من وراء القصد...