السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

من قتل الشافعي؟ "2"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
توقفنا فى المقال السابق عند أمر الخليفة هارون الرشيد بالقبض على الإمام الشافعى وكان آنذاك واليًا على نجران، وإحضاره مكبلًا بالسلاسل والجنازير إلى بغداد وذلك بعدما وشى به أحدهم واتهمه بنصره العلويين، وحين وصل الشافعى إلى مجلس الرشيد وقبل أن يدخل عليه، حذر الحاجب هارون الرشيد من الشافعى قائلًا: يا أمير المؤمنين، هذاالمطلب لايغلبنك بفصاحته فإنه رجل لسن، أى يملك لسانًا لا يبارى، وعندما التقى الرشيد به قال الشافعي: مهلًا يا أمير المؤمنين فإنك الداعى وأنا المدعو وأنت القادر على ما تريد منى ولست القادر على ما أريد منك، ياأمير المؤمنين ما تقول فى رجلين أحدهما يرانى أخاه والآخر يرانى عبده..أيهما أحب إليّ؟ فقال الرشيد: الذى يراك أخاه، فقال الشافعي: فذاك أنت يا أمير المؤمنين وأوضح له ذلك بمقارنة بين العلويين والعباسيين فقال: إنكم ولد العباس ترونا إخوتكم وهم يرونا عبيدهم، فهدأ الرشيد وبدأ يحاوره فى علوم القرآن والسنة، وانتهى الأمر بإطلاق سراحه بعدما أجزل الرشيد له العطاء، وبعد هذا اللقاء أصبح الشافعى نجمًا لامعًا فى سماء الدولة الإسلامية على اتساع رقعتها، فالكل يتحدث عن الشافعى الذى حاور الرشيد وناقشه دون خوف أو رهبة، وأصبحت للشافعى حلقة درس فى بغداد وعرف هناك باسم «ناصر السنة» وقد ناظر الكثير من العلماء وغلبهم جميعا، حيث كان يملك الحجة والبيان والفصاحة، ولما بلغه مايحدث فى مصر وقتها من اختلافات فقهية بين تلاميذ الإمام الليث بن سعد، بعضهم البعض من جهة وبينهم وبين تلاميذ الإمام مالك من جهة أخرى وهم الذين قد سافروا فى مواسم الحج فنقلوا عن مالك فقهه، هنا قرر الشافعى السفر إلى مصر لاسيما بعدما رحل الرشيد واشتد الصراع بين ولديه الأمين والمأمون وتحول الأمر إلى فتنة وقتال بين الشقيقين وأنصارهما، وحين جاء الشافعى إلى مصر استطاع فى مدة وجيزة أن يكون قبلة لكل طلاب العلم، وأصبح مسجد عمرو بن العاص لايتسع من كثرة الذين أتوا للدرس على يد الشافعى ولسماعه والتعلم منه والصلاة خلفه، وهكذا انتشر المذهب الشافعى بين أهل مصر وهو مذهب وسطي، جمع بين المالكية والحنفية وأخذ أيسر ما فيهما، وقد غير الشافعى بعض أفكاره حين أتى مصر، فأعاد تدوين كتابه «الحجة» وهو كتاب فقهى وضعه فى بغداد إلا أنه تراجع عن بعض أفكاره واجتهاداته التى جاءت فيه حين استمع إلى علماء مصر من تلاميذ الإمام الليث بن سعد فأعاد وضع الكتاب وسماه «الأم» والذى يعتبر المرجع الرئيسى للفقه الشافعى بالإضافة الى كتاب «الرسالة»، والشافعى يختلف عن أئمة المذاهب الأخرى بكونه قد ترك كتبًا هو من دوّنها بنفسه أو أملاها على تلاميذه، وأصول الأحكام عند الشافعى تتلخص فى خمس مراتب أولاها الكتاب والسنة وثانيتها الإجماع فيما ليس فيه كتاب ولاسنة والمراد هنا بالإجماع هو إجماع الفقهاء، وأما المرتبة الثالثة فتكمن فى قول أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم دون أن يخالفهم أحد، وأما المرتبة الرابعة فهى الأخذ من قول أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم ما هو أقرب الى الكتاب والسنة، وأما المرتبة الخامسة فهى القياس، ولسهولة المذهب وليسره انتشر بين المصريين انتشار النار فى الهشيم وما زال معظم الناس إلى يومنا هذا - فى قرى مصر وحضرها- يؤدون الصلاة على فقه الشافعي، وأغلب القضايا الفقهية تؤخذ من الإمام الشافعى فى السلوك اليومى رغم أن المذهب الرسمى هو لأبىحنيفة النعمان وذلك فى المعاملات الاجتماعية والقضائية، ولأننا أمة لا تقدر علماءها ولا تعرف ثقافة الاختلاف فقد ظهر من يكن العداء للشافعى ويتهمه بالكفر والزندقة والخروج عن الملة، وكان من بين هؤلاء فتيان بن أبى السمح وهو أحد أتباع الفقه المالكى وكان خطيبًا وإمامًا، فاعتلى المنبر يوما وقال: اللهم أمت الشافعى وإلا ذهب علم مالك، وكون فتيان جماعة تترصد تلاميذ الشافعى وتمنعهم حضور درسه بالقوة وبالإرهاب وأشاعوا بين الناس أن الصلاة لا تقبل خلف الشافعى، وكانت السيدة نفيسة معاصرة له فدافعت عنه كثيرا، ولما علم الشافعى بأمر فتيان دعاه للمناظرة، فلما انتصر الشافعى برأيه وحجته ازداد فتيان حقدًا عليه وراقبه حتى وجده خارجا لصلاة الفجر فضربه على رأسه بمفتاح كبير من الحديد، وشاء الله تعالى أن تتسبب هذه الضربة فى موت الشافعى آخر ليلة من رجب سنة ٢٠٤ للهجرة، وهكذا قتل الشافعى وهو أحد أئمة المذهب السنى بيد من كان يظن أنه يحسن صنعًا، وأنه يتخلص من عدو لله وأن الله تعالى سيدخله فسيح جناته جزاء لما فعله، هكذا ياسادتى الكرام كنا وما زلنا نتصور أننا نملك وحدنا الحقيقة، ونختصرها على ما وصلنا من علم أو معرفة، وأما من يخالفنا أو من أتى بجديد فهو كافر وزنديق ويجب قتله، وما أسهل فتاوى القتل، والتى تعنى فى حقيقة الأمر أن قائلها قد حصل على توكيل من الله تعالى لينهى حياة إنسان، ربما يكتشف فيما بعد أنه أكثر إيمانا منه.