الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

السلفي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«السلفي» رواية من تأليف الأديب والمفكر السياسي الدكتور عمار علي حسن، صدرت الرواية عن مكتبة الدار العربية للكتاب، وهي تقع في ٢٩٥ صفحة من القطع المتوسط.
تقع أحداث الرواية عبر أزمنة لا تكتسب أهميتها من ذاتها، وإنما من الأماكن التي يطوف بها الراوي، حاملًا على كتفيه نبوءة قديمة، ومتحدثًا إلى ابنه السلفي، الذي اختطف روحه الجهاديون ليحارب معهم في بلاد غريبة، ويحاول الأب المكلوم استعادته من صحارى الدم والهلاك. 
والراوي هنا هو الأب الذي يحكي عن فجيعته في ولده، الذي انساق وراء أصحاب الدعاوى الدينية الزائفة، وهجر قريته تاركًا والده وأمه وأخته وسافر إلى أفغانستان لمحاربة الروس، لم يتوقف ولم يتبين ولم يتريث ليفهم ما يقال له، بل سحره الكلام الغامض الآتي من قعر الزمن البعيد، وظن أن ما يقوله أمير الجماعة حق اليقين وعينه، وأنه مفتاح الفردوس الأعلى.
يغرف الأب من بئر أحزانه شجنًا ووجعًا، ويسكبه في آذان الذين ينصتون إلى شكواه، يعايش القارئ هذه الآلام كلها، ويتعاطف مع أحزان الأب، ويتلمس خطورة هذا المنزلق الذي ينجرف إليه عدد كبير من شبابنا تحت دعاوى دينية ليست من الدين في شيء، ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، وتكشف الرواية عن زيف هذه الدعاوى في لغة فنية رائعة تنساب إلى روح القارئ ووجدانه دون وعظ أو إرشاد، ودون صراخ أو ضجيج؛ كل ذلك في ثوب لغوى قشيب، وحوار ممتع جذاب، وصور جمالية خلابة.
قارئ هذه الرواية، بجانب استمتاعه ببنائها الفني المحكم، يتولد لديه وعي سياسي رفيع المستوى بخطورة استخدام الدين لتحقيق مآرب سياسية رخيصة. 
لن أقف طويلًا عند الجوانب الفنية لهذا العمل الفني، إذ التركيز على المضمون الفكري لرواية عمار علي حسن، هو ما يخصني بحكم تخصصي بوصفي أستاذًا للفلسفة؛ فهذه الرواية قد عُولِجَت من قِبَل نُقَّاد أدب لهم كل التقدير، وإنه ليروق لي إلقاء الضوء على المضامين الدينية والسياسية والاجتماعية والثقافية لهذا العمل الأدبي، فالمؤلف يتناول على لسان شخوص روايته قضايا فكرية وسياسية وأحيانًا فلسفية علـــى جانب كبير من الأهمية، فها هو الأب «الراوي» يخاطب ابنه الذي يدعو إلى تطبيق الشريعة ويحمل السلاح من أجل تحقيق ذلك، يقول الأب: «الشريعة كما أفهمها لم تغب يومًا عن الشعب المصري، فهى مطبقة كاملة، ومتجسدة في قانون الأحوال الشخصية، حيث أحكام الزواج والطلاق والميراث.
أما بالنسبة للحدود، فهناك التعزير الذي استبدل السجن بقطع يد السارق وجلد الزاني وشارب الخمر، وهذا من حق الحاكم، كما اتفق الفقهاء الأوائل، وحتى لو لم نرد التعزير هذا، فإن الشروط الصارمة والقاسية التي وُضِعَت في سبيل تطبيق الحد تكاد تقول لنا بوضوح إن الحدود للردع، والقانون المصري الحالي لا يكافئ السارق، ولا يحتفي بالسكير، ولا يبارك فعل الزاني، إنما يعاقبه.
هكذا يُجرى المؤلف على لسان أبطال روايته أفكارًا مستنيرة تبدد الغشاوة التي تعمي بصيرة كثير من شبابنا الذي ينساق قطاع منه كالأنعام وراء المتاجرين بالدين والمنتهكين لحرمة الأوطان. 
أفكار متينة وعميقة تكشف - بجانب الموهبة الفنية - عمق اطلاع المؤلف على تراثنا الإسلامي، وفهمه المستنير لهذا التراث، وهذا ما نفتقده لدى جانب كبير من مثقفينا دعاة الإصلاح والتنوير الذين يفتقرون إلى هذا الاطلاع المتعمق على التراث الإسلامي، مما يجعلهم لا يصمدون طويلًا في مواجهة أنصار التيارات السياسية المتسربلة بعباءة الدين.
كشف عمار على حسن في «السلفي»، زيف كثير من دعاوى تيار الإسلام السياسي، والمدهش في الأمر أن هذا كله تحقق بسلاسة ويسر، مما يؤكد أن محاربة الإرهاب والتعصب الديني لا تتحقق بالمدرعات والمجنزرات وحدها، بل بالسلاح الناجع والناجز لمحاصرة التطرف والإرهاب، إنما يتم لا بالقوة المسلحة وحدها، وإنما بالقوة الناعمة أيضًا المتمثلة في الفن، بوصفه أحد أهم روافد القوة الناعمة.