السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

في ذكرى هجرة الرسول الكريم.. "دروس وعبر".. غيرت مجرى التاريخ وكانت فاصلًا بين حضارتين.. العدالة والمساواة في مواجهة الظلم واستعباد الضعفاء

الهجرة النبوية
الهجرة النبوية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لقد كانت الهجرة النبوية من مكة المشرفة إلى المدينة المنورة حدثًا تاريخيًا عظيمًا، ولم تكن كأي حدث، فقد كانت فاصلًا بين مرحلتين ليس فقط بين المرحلة المكية والمرحلة المدنية، وإنما يمكن أن نقول، فاصلا بين حضارتين، بين حضارات كانت تقصي الآخرين وتستعبد الضعفاء مثل الحضارتين الرومانية والفارسية، وبين حضارة إسلامية أسسها الرسول الأعظم بقيم أخلاقية مثالية منبعها الدين الإسلامي الذي يدعو إلى عبادة الإله الواحد، إنها حضارة عربية إسلامية دعت إلى الكثير من القيم مثل المساواة والخير والعدالة في كل شيء، واستوعبت حضارات الآخرين وانصهرت معها.
وغيرت الهجرة النبوية مجرى التاريخ، وحملت في طياتها معاني التضحية والصحبة، والصَّبر والنصر، والتوكل والإخاء، وجعلها الله طريقًا للنصر والعزة، ورفع راية الإسلام، وتشييد لدولته، ولذا فإن دروس الهجرة الشريفة مستمرة لا تنتهي ولا ينقطع أثرها وتتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل.
من الدار إلى الغار:
لم تكن قريش تعلم أن الله أذن لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالهجرة إلى المدينة، وبينما هم يحيكون مؤامرتهم كان النبي - صلى الله عليه وسلم ـ قد غادر بيته في ليلة السابع والعشرين من شهر صفر السنة الرابعة عشر من النبوة وأتى إلى دار أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ في وقت الظهيرة متخفّيًا على غير عادته، ليخبره بأمر الخروج والهجرة.
ثم غادر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبو بكر ـ رضي الله عنه ـ من باب خلفي، ليخرجا من مكة قبل أن يطلع الفجر، ولما كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعلم أن الطريق الذي ستتجه إليه الأنظار هو طريق المدينة الرئيسي المتجه شمالا، فقد سلك الطريق الذي يضاده وهو الطريق الواقع جنوب مكة والمتجه نحو اليمن، حتى بلغ إلى جبل يعرف بجبل ثور.
لا تحزن إن الله معنا:
انطلق المشركون في آثار رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصاحبه، يرصدون الطرق، ويفتشون في جبال مكة، حتى وصلوا غار ثور، وأنصت الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصاحبه إلى أقدام المشركين وكلامهم.
يقول أبو بكر رضي الله عنه " قلت للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنا في الغار: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال ـ صلى الله عليه وسلم "يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما " رواه البخاري.
ومكث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصاحبه في الغار ثلاث ليال حتى انقطع عنهم الطلب، ثم خرجا من الغار ليلة غرة ربيع الأول من السنة الرابعة عشر من النبوة، وانطلق معهما عبد الله بن أريقط (الدليل) وعامر بن فهيرة يخدمهما ويعينهما فكانوا ثلاثة والدليل.
وعلى الجانب الآخر لم يهدأ كفار قريش في البحث وتحفيز أهل مكّة للقبض على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصاحبه أو قتلهما، ورصدوا مكافأة لمن ينجح في ذلك مائة ناقة، وقد استطاع أحد المشركين أن يرى النبي - صلى الله عليه وسلم - من بعيد، فانطلق مسرعًا إلى ىسراقة بن مالك وقال له: يا سراقة، إني قد رأيت أناسًا بالساحل، وإني لأظنهم محمدًا وأصحابه، فعرف سراقة أنهم هُم، فأخذ فرسه ورمحه وانطلق مسرعًا، فلما دنا منهم عثرت به فرسه حتى سقط، وعاد مرة أخرى وامتطى فرسه وانطلق فسقط مرة ثانيةً، لكن رغبته في الفوز بالجائزة أنسته مخاوفه، فحاول مرة أخرى فغاصت قدما فرسه في الأرض إلى الركبتين، فعلم أنهم محفوظون بحفظ الله، فطلب منهم الأمان وعاهدهم أن يخفي عنهم، وكتب له النبي - صلى الله عليه وسلم - كتاب أمان ووعده بسواريْ كسرى، وأوفى سراقة بوعده فكان لا يلقى أحدًا يبحث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أمره بالرجوع، وكتم خبرهم.
المرأة في الهجرة:
لمعت في سماء الهجرة أسماء كثيرة كان لها فضل كبير: منها عائشة بنت أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنهما وأختها أسماء ذات النطاقين، التي ساهمت في تموين الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصاحبه في الغار بالماء والغذاء.
التوكل واليقين:
حسن توكل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على ربه، والأخذ بالأسباب فقد شاء الله تعالى أن تكون الهجرة النبوية بأسباب عادية من التخفي والصحبة والزاد والناقة.
عدم اليأس
أراد نبينا عليه الصلاة والسلام أن يعطينا درسًا في "فن الدعوة إلى الله" من خلال ذهابه لقوم يستجيبون لدعوته في المدينة المنورة، فلم يقعد وييأس من هداية قريش، بل اتجه نحو مدينة أخرى فيها تربة خصبة لدعوته إلى الله ونشر رسالة الإسلام.