رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"المقابر الدوبلكس".. حل جديد لأزمة "إسكان الموتى".. البعض يراها انتهاكًا لحرمتهم.. وآخرون: بديل مناسب لمواجهة تعنت المحليات في ترخيص الأراضي.. والأوقاف تجيزها ولكن بشروط

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في حياتنا الكثير من الأعاجيب، وفي نفس الوقت لدينا من الأزمات الكثير والمعقد، لكن أيضا لدى المصريين دائما حلول لأعتى الأزمات، وإجابات لأعقد التساؤلات.

وفي أزمة الإسكان بمصر يتم الحديث عنها منذ الثمانينيات من القرن الماضي، وما زالت الحكومة عاجزة عن حلها نهائيا، ولكن المصريين يحلونها بطريقتهم عبر العشش الصفيح والسكن بجوار الموتى في المقابر، ما أدى إلى ازدحامها، وبالتالي أضحى هناك أزمة "اسكان للموتى"، وضاقت المقابر على جثامينها، ومن هنا ابتكر المصريون أيضا ما يسمى بـ"المقابر الدوبلكس" أو ذات الطابقين على غرار الشقق والفيلات الدوبلكس التي يسكنها الأحيان، فانتشرت ظاهرة المقابر الطابقين "الدوبلكس" في بعض المحافظات، بسبب عدم قدرة المدافن على استيعاب الموتى وضيق المكان المخصص للدفن في بعضها.

"البوابة نيوز" ذهبت إلى أقصى الجنوب، وهل يمكن تنفيذ الفكرة مثلا في محافظة الأقصر، خاصة مع وجود مشكلة المياه الجوفية التي تصل لبعض المقابر، وعلى رأسها تلك المتواجدة بقرى إسنا جنوب المحافظة كما استطلعت رأي الأھالي والدين حولها وأسبابھا.
بدأت تلك الظاهرة في الانتشار بسبب رفض الإدارة المحلیة إعطاء تراخیص لبناء مقابر جدیدة وتتم إزالة أي مقبرة مخالفة الأمر الذي أدى إلى عدم وجود أرض تستر جثامین الموتى، نتیجة لعدم وجود توسعات للمقابر بالمدن والقرى منذ عشرات السنین، ودفع الأھالي بالعدید من المدن والقرى بالمحافظة لبناء مقابر متعددة الطوابق لدفن جثمانيهم، رغم الجدل حول مشروعیة الدفن في ھذه المقابر ومخاطرھا على الصحة العامة إلا أن الأھالي لا یجدون بدیلا عنھا، خاصة وأن إدارة الحكم المحلي تقوم بإزالة أي توسعات أھلیة للمقابر بحجة التعدي على أملاك الدولة.

وعلل البعض التفكير في اللجوء إلى "المقابر الدوبلكس" أنه جاء مقابلا لمعاناة الموتى، والتي كان على رأسها تعرض مدافن بقرية الصعايدة شمال الأقصر التي أنشئت قبل مائة عام على مساحة 3 أفدنة لتسرب المياه إليها من الأراضي الزراعية المحيطة بها ما أدى إلى تعفن الجثث وسقوط المقابر المبنية من الطوب اللبن وانتشار الكلاب الضالة بينها وذلك بسبب الإهمال دون جدوى من الشكاوى وقد تمت معاينة المدافن وأكدت اللجنة في تقريرها أن الجبانة غير مستوفية شروط الصحة الواجب توافرها وتسريب مياه الزراعة من أسفل السور، كما أن كثير من القبور والفساقي بها رشح للمياه بصورة غير صحية وطالب الأهالي بغلق هذه المدافن خصوصا بعد ظهور خلافات حادة بين العائلات علي أماكن دفن موتاهم بعد أن تضاءلت المساحة الفارغة لدفن الموتى، وتخصيص مساحة أرض مناسبة من الأراضي المملوكة للدولة لدفن الموتى.
أما في الجنوب، فالوضع كارثي حيث أهالي قرى جنوب مدينة إسنا جنوب الأقصر البالغ عددهم أكثر من 50 ألف نسمة، والذين تتلخص مأساتهم في وصول المياه الجوفية إلى مقابر موتاهم وسط صمت المسئولين وعدم قدرتهم على وضع أي حلول جذرية لتلك المشكلة حتى الآن ليعاني أهالي ما يقرب من 9 قرى القرايا، والنمسا، والمساوية، والعضايمة، وحاجر كومير، والسريب، والدقيرة، والترعة، وباويل"، تقع بالناحية القبلية للهويس الجديد، وهي المنطقة الجنوبية لمدينة إسنا، من ارتفاع منسوب المياه التي يحجزها الهويس سنويًا لمدة 6 أشهر فيتسبب في ارتفاع منسوب ترعة الرمادي المحيطة بتلك القرى، وتبدأ الكارثة السنوية لسكان تلك القرى التي امتدت إلى المقابر، وتسببت في ظهور ترشيح للمياه بمنطقة الجبانات ما يهدد بإغراق عدد كبير من جثث الموتى وانتهاك حرمتهم بعد أن طالتها المياه الجوفية وأصبح لموتى يطفون على سطح المقابر مما دفع الأهالي بجمع الأموال لفرش مداخل الجبانات بالتربة الزلطية حتى يستطيعوا دفن الموت وأحيانا وضع رمال في المقبرة لمواجهة المشكلة".
وفيما يخص آراء الأهالي، قال صابر نوبي، موظف: "لا أحبذ هذا الأمر في اعتقادي أنه مخالف للأعراف والتقاليد خاصة وأن عملية الدفن من المفترض أن تتم أسفل الأرض، أما في تلك الفكرة فيصبح موتانا فوق الأرض وبداخل مقبرة يصعب الدخول إليها، فقط إدخال الميت من الفتحة المخصصة، وغلق البوابة وهو أمر غير مفضل".

واتفق معه موسى محمد، مزارع، ضاحكا "إزاي يعني مقابر دوبلكس، هو احنا رايحين فيلا ولا شقة، احنا رايحين نزور ميت والقبر له حرمته وبعدين أنا لما اجي أطلع ازور الميت اللي فوق طيب أنا هكذا اسير على الميت اللي تحت ودا مكروه شرعا على حد علمي مش كل حاجة ينفع نستهون بيها الموت له حرمة وقدسية ولو عايزين نتوسع عشان ضيق المقابر لا بد أن تتولى الحكومة وتخصص مساحة من المساحات الشاسعة والفاضية نقدر ندفن فيها موتانا".
فيما قال محمود سيد من أهالي الكرنك: إن مقابر السيد يوسف، امتلأت عن آخرها ولكي ندفن موتانا بنفحت على القديم ونطلع رفاته عشان ندفن الجديد وكمان انتشرت ظاهرة "الفسقية" بمعنى دفن أكثر من جثة جنب أو فوق بعض، كما أنها تخرج منها روائح كريهة، والمنطقة تقع بجوار كتلة سكنية والروائح تتسبب في ظهور الأمراض بين أطفالنا، ولا يوجد بالمدافن إنارة وأصبحت وكرًا للضالين ومرتعًا للحيوانات الضالة كل الأمور دي بتخلينا ممكن نفكر في موضوع "المقابر الدوبلكس" إذا لم يتوفر البديل".

وتضامن معه بهاء محمود أحد مواطني قرية العديسات، أن مقابر القریة على حالھا منذ القرن الماضي ولم یتم عمل أي توسعات في المساحة المخصصة لھا منذ ذلك الحین وكانت مساحة الأرض كافیة لاحتواء موتى القرية إلا أنه مع مرور الزمن تضاعف أعداد سكان القریة وشعرنا بالحاجة إلى عمل توسعات في مساحة المقابر إلا أننا قوبلنا برفض المسئولين بحجة عدم وجود تراخیص بالبناء على الأرض الزراعیة، مشيرا إلى أن المسئولین بأجھزة الحكم المحلي والزراعة یتعاملون مع أي محاولة لعمل توسعات للمقابر على أنه تعدي بالبناء على الأرض الزراعیة وعلى الفور یتم تجھیز حملة وإزالة أي مقابر یتم إنشائھا ومع تزاید أعداد السكان قد نضطر إلى "المقابر الدوبلكس" كحل لستر مواتنا.
فيما تباينت آراء رجال الأوقاف، فمنهم من أجاز إقامة المقبرة على طابقين في حال عدم وجود أماكن وضيق المساحة المخصصة للدفن مع مراعاة شروط الدفن والمقبرة لأن الهدف من عملية الدفن هي تكريم الميت وحمايته سواء كان من نهش الحيوانات أو المياه الجوفية وضرورة استحكام عملية غلق القبر منعا لخروج رائحة، وأنه إذا توافرت تلك الشروط لا مانع وقتها من إنشاء طابق ثاني أو عين ثانية للمقبرة مع مراعاة استخدام طبقة من الأتربة لمسافة 30 سم أسفل المتوفى، فيما رفض البعض الآخر من رجال الأوقاف تلك الطريقة، مؤكدين أن الدفن لا بد أن یكون في باطن الأرض، وأن یكون لكل شخص مقبرة مستقلة.