رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

مصطفى وميشيل وديانة الزلزال!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى شهر أكتوبر عام ١٩٩٢ وقع زلزال مدمر فى مصر، كان مركزه بالقرب من منطقة دهشور القريبة جدًا من محافظة الفيوم.
كانت الخسائر المادية والبشرية فادحة وغير مسبوقة، ولا يزال هذا الزلزال يذكر كواحد من أقوى الكوارث التى مرت بها مصر فى القرن الماضي.
مع اقتراب ذكرى هذا الزلزال تذكرت محطة أثرت كثيرًا فى تكوينى وتشكيل وعيي، نتيجة سؤال سألته لنفسى وأنا صغيرة: ما هى ديانة هذا الزلزال؟ هل هو مسلم مثل طنط تيسير والدة مصطفى أم مسيحى مثل طنط فايزة والدة ميشيل؟
كانت مجرد جلسة نسائية بين والدتى وجارتنا تيسير أم مصطفى وجارتنا الثانية فايزة أم ميشيل، بصحبة مجموعة من نسوة الحى الذين أتوا للسلام على والدتى قبل سفرنا للخارج فى أعقاب كارثة الزلزال.
جلست السيدة تيسير أولًا تحكى كيف كان الزلزال مروعًا مدمرًا، وكيف كانت الحوائط تتساقط والأبنية تتهشم والناس يصرخون فى ذعر ورهبة، وكيف أن الله حماها لأنها احتضنت صغيرها مصطفى، وقرأوا معًا الفاتحة وآية الكرسى وجميع السور التى يحفظها مصطفى من القرآن، وأن الله استجاب لدعائها وكافأها فقط لحرصها على تحفيظ القرآن لمصطفى فى سن صغيرة، وسلمهما من كل أذى وشر!
فى المقابل لم تطق السيدة فايزة تلك التلميحات الطائفية من أم مصطفى، بشأن استجابة الله لها، كونها مسلمة وتقرأ القرآن بل وتحفِّظه لصغيرها، فسرعان ما انبرت هى الأخرى تسترسل فى سرد الأهوال التى تعرضت لها هى وصغيراها ميشيل وإبرآم، وكيف كانت الأوانى الزجاجية تتهشم وحاويات الزرع تتحطم، ولكن الرب يسوع أبى إلا أن يحمى تماثيل العدرا والصلبان فى جميع أنحاء المنزل، فحل السلام والسكينة عليها وعلى صغيريها ببركة العدرا أم النور وصليب الرب يسوع!
توترت الجلسة كثيرًا بعد سرد هاتين القصتين السمجتين، وانقسم الحضور ما بين مسلمة مؤيدة لنظرية تيسير، وقبطية مؤمنة بمصداقية فايزة!
وبعد أن كانت الجلسة تنبعث منها روح الصداقة وتعم فيها مظاهر المرح والبهجة، انقسمت إلى فريقين طائفيين، كل فريق منهم يريد أن يثبت أن الله إله حصرى له وحده، ويحمى أتباع دينه فقط!
حتى وإن كان هؤلاء يعانون من الطائفية المزمنة التى تفشت فى مجتمعنا بكل أسف، فإن الحقيقة العلمية تقول إن الزلزال قطعًا لم يكن على نفس قدرهم من الطائفية، إذ إنه لم يكن يفرق بين بيت مسلم وبيت مسيحى وهو يدمر، لم ينتق بين ضحية كان يصلى فى مسجد أو قتيلًا كان يتضرع فى كنيسة وهو يقتل، لم يفرز بين تمثالٍ للعدرا أو صليب، وبين مصحفٍ أو سبحة، بل كان عادلًا جدًا فى تخريبه وتدميره وقتله، وبالقطع لم يكن طائفيًا عنصريًا يسير بجهاز gps يستشعر أتباع الديانات عن بعد، فينتقى أتباع ديانته ليحميهم وينتقم ممن سواهم!
الزلزال لم يكن مسلمًا ولا مسيحيًا، الزلزال لم يكن له ديانة، وبالتالى لم يكن طائفيًا حين قتل ودمر، نحن من نختلق الأكاذيب ونسافر فى بحور الوهم لكى نثبت شيئًا، نعلم جيدًا أنه من أساطير الخيال، والنتيجة أننا نغذى طائفيتنا على حساب إنسانيتنا، فيستمر منحنى الطائفية صعودًا وينهار منحنى الإنسانية هبوطًا حتى يندثر، بدلًا من أن نتكاتف جميعًا فى وجه الزلزال أو أى كارثة أخرى لحماية مصطفى وأمه وكذلك ميشيل وأمه!