السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

المهزلة النووية وإحياء القوة اليابانية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
صفارات الإنذار تاريخ لا يمكن نسيانه فى جيل الآباء والأجداد الحالي، وبالنسبة للشباب الآن فإن صوت الصفارة المدوى المحذر من غارة وشيكة، تنشر الخراب والدم والدمار أقرب إلى مشهد سينمائي. منذ حرب أكتوبر عام ١٩٧٣، لم يسمع المصريون صوت عواء تلك الصفارات، يهرول معها المدنيون فى جزع إلى المخابئ! 
تلك أيام ندعو الله ألا تعود. ومثلنا فعل الشعب اليابانى طوال سنوات الحرب العالمية الثانية، والتى انتهت بإسقاط أمريكا لقنبلتين ذريتين على مدينتى نجازاكى وهيروشيما، فى أكبر جريمة فى تاريخ الحروب، ردا على مجزرة الأسطول الأمريكى فى ميناء بيرل هاربر بالطائرات الانتحارية لليابان.
استسلمت اليابان وأذعن الإمبراطور، وأملى الأمريكيون شروطهم، وأضافوا عام ١٩٤٧ المادة رقم تسعة على دستور عام ١٨٨٩ الإمبراطوري، والتى تحظر على اليابان أن يكون لها جيش هجومى برا أو بحرا أو جوا أو يكون لها الحق السيادى فى بدء أى عمل عسكرى هجومي، وأن تحتفظ فقط بقوة دفاعية فوق الأراضى اليابانية، لا تتجاوزها. وإليكم نص المادة:
«لن تمتلك اليابان، وللأبد، أى قوة حربية هجومية فى البحر أو الجو أو على الأرض، أو أى نوع آخر من الإمكانيات العسكرية العدوانية، كما لن تعترف بحق الدولة فى العدوان الحربى الهجومي».
تلك شروط المنتصر، بعدها صارت أمريكا حليفا استراتيجيا لليابان التى ركزت على النجاح الاقتصادى والعلمى والتكنولوجي، فتفوقت فى السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات على التكنولوجية الغربية جميعها.
اليوم تبدو اليابان بحاجة إلى إعادة النظر فى المادة التاسعة من دستورها، ليكون لها جيش يرد الصاع صاعين، وذلك فى ضوء سلسلة بلا نهاية من الاستفزازات النووية، فللمرة الثانية، وفى أقل من شهر، تطلق كوريا الشمالية صاروخا متوسط المدى هذه المرة فوق الأجواء اليابانية، سبقه صاروخ عابر للقارات، استمر فوق اليابان لمدة ١٨ دقيقة. الصاروخ الأخير والذى قبله سقطا كالعادة فى مياه المحيط الأطلنطي، ومرا فوق جزيرة هوكايدو فى أقصى الشمال من اليابان بعد أن قطعا مسافة ٣٧٠٠ كيلومتر من داخل عاصمة كوريا الشيوعية بيونج يانج، وكانا على ارتفاع ٧٧٠ كيلومترا. 
سكان الجزيرة استيقظوا على الصفارات وعوائها، لكنهم مضوا إلى أعمالهم، بينما اشتعلت الأعصاب فى واشنطن وكوريا الجنوبية، وانقسم اليابانيون أنفسهم، هل يكون لهم جيش يحارب ويهاجم ويردع أم لا يكون؟ وكثيرون الآن بدأوا شراء بيوت جاهزة محصنة ضد الضربة النووية المتوقعة من مجنون كوريا الشمالية، جدرانها وهى بيوت مبطنة بثلاث طبقات من الأسمنت المسلح.
لا ينسى اليابانيون الآلام المروعة التى عانوها مرتين، مرة على يد أمريكا بضرب هيروشيما ونجازاكى ومصرع مئات الألوف ولا يزالون يعانون من الإشعاعات وآثارها، والثانية على يد الطبيعة. 
فى عام ٢٠١١، حين دمر زلزال أعقبه تسونامى جحيمى مفاعلا نوويا فى فوكوشيما، فالذكريات المريرة تأخذ بخناق اليابانيين فى وقت يحاول رئيس الوزراء اليابانى آبى استغلال الجموح الكورى الشمالى لعسكرة القوات اليابانية وتقنين حق الدولة اليابانية فى شن الحرب. لكن استطلاعات الرأى العام فى اليابان لا تعزز مطالباته باستعادة قوة الجيش اليابانى وشرعنة حقه فى شن الحرب خارج أراضيه.
الدولة التى ترقب بقلق مطالبات اليابان ببناء جيش برى جوى بحرى مسلح هجوميا، هى الصين التى لا تريد لطوكيو أن تستعيد مكانتها كقوة عسكرية قتالية هجومية، تناوئ بكين مكانتها البارزة والمهيمنة فى منطقة بحر الصين الجنوبى وفى أقصى الشرق الأسيوي.
كما أن الشعب الصينى يحتفظ بذكريات مريرة للقوات الإمبراطورية اليابانية، وقت الاحتلال اليابانى للأراضى الصينية الجنوبية فى عام ١٩٣٧، «فعلى مدى ٦ أسابيع إلى شهرين قام جيش الاحتلال اليابانى فى مدينة نانجينغ بالصين بقتل ونهب واغتصاب أسرى من الجيش الصينى ولسكان المدينة، وبلغ عدد القتلى حوالى ٢٥٠ ألف صيني». الصينيون لا ينسون ذلك لليابانيين، كما أن اليابانيين لا ينسون جريمة الأمريكيين فى مجزرة هيروشيما ونجازاكي.
مقتضى القول أن الصواريخ التى يطلقها فى جنون وفرحة رئيس كوريا الشمالية الجامح كيم جونج أون، إنما تطلق فى أعقابها اضطرابا شاملا فى حسابات ميزان القوى فى منطقة المحيط الهادى كله فالصين قلقة واليابان قلقة والهند قلقة والفلبين قلقة وكوريا الجنوبية غريمة الشمالية مرتعبة وأمريكا مترددة إلا فى التصريحات العنيفة. المدهش حقا أن الشعب اليابانى يعتبر ترامب وتويتاته الجامحة غير المسئولة هى ما أطار صواب كوريا الشمالية وصواريخها، أما قبل ترامب فإن الجنون الكورى الشيوعى لم يبلغ هذه الدرجة من الهوس النووى الهيدروجيني.
كيف سترد أمريكا ؟! عادة ترد بتهديد إيران.. فهناك متلازمة غريبة بين كل تجربة صاروخية كورية وتهديد إيران، لكن بلا إجراء يردع الدولتين المارقتين، حتى حق القول على ترامب بأنه رئيس صوتي، بق كبير ليس إلا!.
العالم يتابع فصول الملهاة النووية قبل أن تصير مأساة بحق.