الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

كيف نجح داعش في استقطاب جنود فرنسيين إلى صفوفه؟.. التنظيم اعتمد عليهم للدعاية في الدول الغربية وخدعهم بمزاياه

داعش -صورة ارشيفية
داعش -صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كشفت تصريحات وزير الداخلية الفرنسي جيرارد كولومب، عن شكوك اديه في تبنى "بضع عشرات" من قوات الأمن الفرنسية لآراء متطرفة، ما يزيد من احتمالية تصاعد اختراق التنظيمات الإرهابية بشكل عام وتنظيم "داعش" خاصة للجيش وجهاز الأمن الفرنسي، وفشل أجهزة الأمن الغربية في تأمين نفسها وكذلك مكافحة هذة التنظيمات. 
وأعلن وزير الداخلية الفرنسي بدء التحقيقات مع العشرات من رجال الشرطة والدرك والجنود الفرنسيين، للتأكد من عدم وجود ميول لديهم للأفكار المتطرفة، كما تم إعداد خطة لإصلاح جهاز الشرطة وستطرح على البرلمان خلال أكتوبر المقبل. 
وأوضح مسئولون بأجهزة الأمن الفرنسية، أن الجنود الفرنسيين السابقين المنضمين لداعش، بينهم تابعون لوحدات القوات الخاصة والفرقة الأجنبية في العراق وسوريا. 
يأتي ذلك بعدما حذرت وسائل إعلام فرنسية من انضمام عشرة عسكريين فرنسيين سابقين للقتال في صفوف تنظيم "داعش"، وخطورة معرفتهم بتفاصيل عن المؤسسات العسكرية الفرنسية. 
آليات "داعش" في اختراق أجهزة الأمن في أوروبا 
بعد الكشف مؤخرًا عن القبض على عناصر تنتمي لتيارات إرهابية داخل الجيوش وأجهزة الأمن في العديد من دول أوربا خاصة فرنسا وبريطانيا، حاول عدد من المراكز البحثية النظر في المسألة وتكثيف الجهود والتركيز في البحث عن أسباب وكيفية اختراق التنظيمات الإرهابية للجيوش وأجهزة الأمن في أوروبا، بدلًا من تركيز غالبية التحليلات على مشكلات تفكك الجيوش الوطنية في دول الصراعات بدول الشرق الأوسط؛ ومن ثم تطرقت الباحثة في الشأن الأمني والعسكري سمية متولي السيد، إلى هذا الأمر في بحث نشره مركز المستقبل للدراسات السياسية، حول ثغرات متعددة في الاحترافية العسكرية للجيوش بالدول الغربية سمحت للتنظيمات الإرهابية والجماعات المتطرفة باختراقها، وتجنيد بعض المجندين والضباط، أو دس بعض العناصر الإرهابية ضمن صفوفها، مما دفع الدول الغربية إلى مراجعة آليات التجنيد والتدريب والتأهيل الفكري والنفسي داخل المؤسسات العسكرية. 
وبداية بما يعرف بـ"الاحترافية العسكرية" وما تؤدي إليه من انخراط الجندي داخل الجيش، وعدم قيامه بأعمال تخالف أو تتعارض مع هذا الالتزام، قال البحث إن في هذه الآلية توجد ثغرات قد تقود إلى الخروج عن الولاء، والتحول إلى مصدر تهديد محتمل للدولة، وهو ما يمكن حدوثه عبر استغلال الخلفيات الإثنية والعرقية غير المتجانسة، بما يسمح باستمالة الجندي بما يخالف بنود الولاء للدولة التي يعمل لحساب جهازها الأمني أو العسكري، بالإضافة إلى ما يمكن أن يقع من إهمال للقواعد المنظِّمة للترقية والتسريح، بما يؤدي -في بعض الأحيان- إلى احتقان الجنود، وهو ما قد تحاول استغلاله بعض التنظيمات الإرهابية لتجنيد هؤلاء العناصر المحترفة. 
وبطبيعة الحال تسعى الدول باستمرار لتعزيز قدراتها العسكرية المادية والتقنية، وفى نفس الوقت تحاول التنظيمات الإرهابية التوصل إلى نفس التقنيات الحديثة لمواجهة الجيوش النظامية، وتحاول استعراض قوة مزعومة في بعض الأحيان، فقد تقوم -على سبيل المثال- بعمليات اختراق إلكتروني للمؤسسات العسكرية بهدف زعزعة ثقة الرأي العام في قدرة هذه المؤسسات على أداء دورها، وفي حالة ضعف الجيش وتراجع قوته لصالح بعض التنظيمات فإن هذا قد يدفع بعض الجنود إلى الانضمام إلى الطرف الأقوى. 
ورصدت الدراسة، عدة آليات أساسية قد تعتمد عليها التنظيمات الإرهابية في اختراق المؤسسات العسكرية الغربية، كآلية انضمام الإرهابيين، حيث كشف مسئولون في أجهزة مكافحة التجسس العسكري في أوروبا عن إرسال جماعات إرهابية أفرادها للانضمام إلى الجيش أو الجهاز الأمني، بغرض حصولهم على تدريب محترف، واكتساب القدرة على التعامل مع كافة الأسلحة. 
كما نجح "داعش" باستغلال مرونة قواعد التجنيد والالتحاق ببعض الجيوش التي بموجبها يحق لأي فرد التقدم بطلب تجنيد، وهو بذلك يوظف ثغرات الاحترافية العسكرية المؤسسية، ويستطيع التنظيمُ الاستفادةَ من هذه العناصر المنضمة في التجسس على أعمال الجيش، واستقطاب جنود آخرين. 
وفي شق آخر، تسعى التنظيمات الإرهابية إلى تجنيد هذه العناصر للعمل لصالحها، وقد يتم الاستفادة منهم في تنفيذ أعمال محدودة النطاق، واستخدام هذه العناصر لإمدادهم بتحركات الوحدات العسكرية وتكتيكاتهم وخطواتهم المستقبلية، ومن الآليات التي تستخدمها التنظيمات الإرهابية، آلية تجنيد المتقاعدين. 
وذكرت الدراسة أنه في حالة المتقاعدين تضغط التنظيمات الإرهابية على رغبة هذه الفئة في الإحساس بالذات والقيمة والرغبة في الاستمرار في لعب الدور، وفي حالة استقطاب الأفراد المسلمين المجندين داخل صفوف المؤسسات العسكرية الغربية فإن عدم اتساق الأهداف الفردية مع المؤسسية أدت إلى خلق حالةٍ من الرفض النفسي والتخبط الفكري لدى هؤلاء المجندين، ما يسهل على التنظيمات الإرهابية استقطابهم، كما يسعى بعض الأفراد -بمبادرتهم الشخصية- إلى الانضمام إلى هذه التنظيمات. 
ووفقًا للدراسة، أشارت آليات الاختراق السابقة إلى أن المؤسسات العسكرية الغربية تبذل أموالًا وجهدًا، وتوفر العتاد والتدريب للقوى البشرية، لتأتي التنظيمات الإرهابية لتحصد ثمار هذه الجهود دون أدنى عناء من جانبها نتيجة وجود عناصر تتبنى الفكر المتطرف داخل المؤسسات العسكرية الغربية، بالإضافة إلى معاناة بعضهم من الاغتراب وضعف الانتماء والاختلالات الهيكلية في نظم التجنيد والتأهيل بالمؤسسات العسكرية الغربية. 
المسلمون في الجيش الفرنسي 
يضم الجيش الفرنسي يضم في صفوفه ما يزيد عن 20 ألف جندي مسلم، وهو ما استدعى وزارة الدفاع الفرنسية، تعيين أعداد جديدة من المرشدين الدينيين المسلمين بالجيش الفرنسي منذ عام 2011، بعدما زادت أعداد المسلمين الذين انتموا إلى الجيش الفرنسي خلال العشر سنوات الماضية كأول جيش غربي يبلغ عدد المسلمين فيه أكثر من 20 ألف مسلم، وكان قرار تعيين مرشدين مسلمين تم إقراره لأول مرة في عام 2005. 
ووجود جنود مسلمين داخل الجيش الفرنسي ليست مسألة جديدة، فيقدر عدد الجنود المسلمين الذي قتلوا خلال الحرب العالمية الأولى، بحوالي 70 ألف جندي من اصل 600 ألف قاتلوا في صفوف الجيش الفرنسي. وتم تشييد مسجد باريس بعد الحرب العالمية الأولى تكريمًا لهم (بين عامي 1922 و1926) وبلغ عدد الجنود المسلمين الذين قتلوا خلال الحرب العالمية الثانية 16.600 جندي. 
يذكر أن الجالية المسلمة في فرنسا، تقدر بحوالي 7 مليون مسلم، بحسب دليل بوبكر رئيس المجلس الفرنسى للعبادة المسلمين وعميد المسجد الكبير فى باريس، مما جعله يطالب منذ عامين ببناء ضعف المساجد وأماكن العبادة للمسلمين. 
فرنسا الأولى أوروبيًا في تصدير المتطرفين لـ"داعش" والقاعدة 
منذ اندلاع الأزمة السورية في عام 2011، استطاع التنظيم الإرهابي "داعش" تجنيد وجذب نحو 20% من مقاتليه من أوروبا، واحتلت فرنسا المرتبة الأولى في عدد المنضمين للتنظيمات المتطرفة في العراق وسوريا والقاعدة، وبحسب تقارير أجهزة الأمن الفرنسية، ودراسات وتقديرات المراكز البحثية المتخصصة فى رصد العنف والتطرف الديني حول العالم، كشفت عن تورط نحو 2380 فرنسي في براثن التنظيمات الإرهابية والسفر للقتال في سوريا والعراق، مقسمين إلى ما يقرب من 700 يقاتلون على الجبهة، معهم 300 امرأة فرنسية زوجات للمقاتلين، و400 طفل أغلبهم تمت ولادته في سوريا والعراق، و370 عادوا إلى فرنسا يقعون رهن التحقيق والحبس حاليًا، و380 آخرين حاولوا الذهاب، وسقوط ما يقرب من 230 قتيلًا. 
وعلى الفور بمجرد مغادرة أول المقاتلين الفرنسيين إلى سورية والعراق، بادرت فرنسا في سنة 2012، إلى سن قانون يتيح مقاضاة الفرنسيين الذين ينفذون أعمالا إرهابية في الخارج أو يلتحقون بتنظيمات إرهابية، ونصّ القانون على ملاحقة هؤلاء بتهمة تشكيل "عصابة إجرامية"، وهي جريمة يعاقب عليها بالسجن 10 سنوات، ومع هجمات باريس 2015، أدخلت السلطات الفرنسية تعديلات جديدة على قانون الإرهاب برفع عقوبة الانتماء إلى مجموعة إرهابية من 10 سنوات سجن نافذة إلى ما بين 20 و30 سنة، بالإضافة إلى تعديل جديد على وضعهم رهن الإقامة الجبرية لمدة 3 أشهر، وكذلك أقرت نزع الجنسية لمزدوجي الجنسية المتورطين في أعمال إرهابية، تمهيدًا لطردهم من البلاد بعد قضاء فترة عقوبتهم. 
وفي ظل نظام رصد وقائي للسلوك المتطرف، تم استحداثه مؤخرًا، جرى الإبلاغ عن أكثر من 18500 شخص، تم وضعهم تحت المراقبة، وبالنسبة للعائدين نجح 10% منهم في قطع علاقتهم نهائيًا بأفكار "داعش"، ولايزال 48% منهم يحملون أفكارًا متطرفة، وآخرين يخضعون لجلسات علاج نظرًا لمعاناتهم من أمراض نفسية وعصبية وجسدية تعرضوا له أثناء المعارك. 
العائدون من داعش.. إلى أين؟ 
بحسب روايات الهاربين من "داعش"، اتضح أن التنظيم ضم أغلب الفرنسيين في كتيبة قتال "فرنكوفونية" اجتمعوا فيها مع رفاق سلاح من بلجيكا ودول المغرب العربي ويشكل، وأسندت قيادة الكتيبة لشخص يتكلم الفرنسية لضمان فهمهم للأوامر الصادرة، خلال الفترة الأولى من المعارك قبل بروز تنظيم "داعش" لم يكن الفرنسيون يتمتعون بسمعة طيبة، خاصة في صفوف جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة، حيث كان يتم اعتبارهم مقاتلين من الدرجة الثانية لأنهم لم يخوضوا حروب الشيشان وأفغانستان وكان ينظر إليهم باستهزاء ويتم استغلالهم كوقود للحرب. 
كما كان يتم الاعتماد عليهم لبث الدعاية في الدول الغربية على غرار إظهار تسجيل للفرنسي "نورمان ماكسيم هوشيار" وهو يعدم الرهائن، بينما يقدم بعضهم خبرته في مجال الإعلامية لإدارة مواقع إنترنت تابعة للتنظيم. 
ومن أحد الأسباب المهمة التي اضطرت بعض ممن شاركوا مع تنظيم " داعش" إلى الهروب، ما اكتشفوه من فروق كبيرة في الحياة في كنف هذا التنظيم، عما كانوا يعتقدوه من كفاية الالتزام بعدم شرب الكحول ومنع التدخين وارتداء النساء للحجاب، إلى ما هو أكثر من ذلك بكثير فيما يتعلق بالأمور الحياتية الشخصية في ظل نظام رقابة صارمة، فالشخص يحتاج لترخيص للتسوق والذهاب للمستشفيات وكل ما يدعو للتحرك خارج منازلهم، بجانب فشل التنظيم في إقامة ما يسمى بـ"دولة الخلافة"، وانهيار المشروع بأكمله بواسطة التحالف الدولي، الذى تم تشكيله لمواجهة خطر هذا التنظيم.