الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

نقد إسلامية المعرفة "3"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الوجه الثانى للقول بالمنهج هو أن المسائل المطروحة على إسلامية المعرفة مسائل عملية تحتاج إلى حل، والحل مرهون بإرادة المعرفة وليس بالمعرفة، وامتلاك الوسيلة وليس بالبحث فى النظرية. من هنا يتخذ التخطيط والبرمجة إحدى الوسائل الجوهرية فى إسلامية المعرفة، بل نستطيع القول إن إسلامية المعرفة رغم أنها تدعى أنها نظرية إلا أنها لا تعدو أن تكون وسيلة لحل مشكلات عملية.
٤. بين إسلامية المعرفة والنخبة الإسلامية
وضمن هذا المنظور، منظور الأزمة الفكرية، وفى ضوء هذا التشخيص، وهذه الرؤية أسست نخبة من الرجال جمعية علماء الاجتماعيات المسلمين (١٣٩٢ هـ - ١٩٧٢) ضمن إطار المنظمات المنبثقة عن اتحاد الطلاب المسلمين بالولايات المتحدة وكندا، وذلك لخدمة القضية الفكرية الإسلامية ونشرها بين العلماء والمثقفين المسلمين. 
تتكون هذه النخبة من البعثات الطلابية التى أرسلت إلى أمريكا وأوروبا والغرب عموما، والتى ستعود لاحقا إلى دولها الإسلامية لنشر الصحوة الإسلامية بواسطة إسلامية المعرفة وبالطبع فإن التمييز بين المعنيين مجرد تمييز منهجى، لأنهما وكما يقال وجهان لعملة واحدة. 
من هنا وجب الإشارة إلى أن سياق ظهور خطاب إسلامية المعرفة، كان ضمن سياق عام وعالمى تميز بما اصطلح عليه بالحرب الباردة بين القطبين فى نهاية السبعينيات من القرن الماضى، ويحاول خطاب (إسلامية المعرفة)، كما فعلت عديد الخطابات المنتمية إلى العالم الثالث إيجاد طريق ثالث أو منهج ثالث مع الاعتماد على العلاقة الملتبسة التى تربطه بالعالم الغربى والرأسمالى فى تلك الحقبة.
وعموما فإنه وبعد هذا التاريخ نقصد تاريخ التأسيس والإعلان توالت اللقاءات والاجتماعات، مما يعنى أن العمل منظم ومرتب ومدروس ومحسوب، وكان من أهم تلك اللقاءات الندوة الموسعة التى انعقدت فى سويسرا سنة ١٣٩٧ هـ ـ ١٩٧٧م والتى حضرها عدد من قيادات العمل الإسلامى فى الشرق والغرب، وشارك فيها ثلاثون عالما يمثلون مختلف التخصصات. ولقد توجت هذه المساعى، كما يقولون بإنشاء المعهد العالمى للفكر الإسلامى، الذى سجل فى الولايات المتحدة مع بداية القرن الخامس عشر الهجرى ١٤٠١ – ١٩٨١، لـ«يبدأ منذ ذلك الوقت أعماله فى خدمة قضية الفكر الإسلامى والمعرفة الإسلامية». وبذلك دخل خطاب إسلامية المعرفة فى تاريخ حرب الهوية المعاصرة، وفى الصراع الفكرى والسياسى فى ظل الاستقطاب الدولى بداية، وفى ظل العولمة ثانية، مع استمرارية أزمة التحديث العامة والشاملة التى تواجهها المجتمعات الإسلامية. 
٥. الخلفية الفكرية لإسلامية المعرفة
يشكل ابن تيمية فى خطاب إسلامية المعرفة المرجعية الأولى، والدليل على ذلك تخصيصه بدراسة كاملة عن الموضوع، كتبها كبير منظرى إسلامية المعرفة ونعنى به الراحل طه جابر العلوانى، الذى يعتبر من مؤسسى المعهد العالمى للفكر الإسلامى ورئيسه لفترة ليست قصيرة، وعضو المجلس التأسيسى لرابطة العالم الإسلامى وعضو المجمع الفقهى الإسلامى الدولى بجدة ورئيس المجلس الفقهى لأمريكا الشمالية، وله كتب عديدة متعلقة بإسلامية المعرفة ومنها كتابه: ابن تيمية وإسلامية المعرفة، الصادر عن الدار العالمية للكتاب الإسلامى سنة ١٩٩٥.
يمثل ابن تيمية مرجعية تاريخية ونظرية فى الوقت نفسه، وذلك لـ«تقديره للموقف» من خلال صياغته لـ«خطاب الإصلاح والتغيير ومنهجية التجديد» وووعيه بخطر ترك المنهجية السليمة من قبل المسلمين، وتشتتهم فى «منهجيات» دخيلة ومجزءة. فلقد أدرك مداخل الإصابة، ثم قدم تصنيفه للعلوم الذى يقوم على «العقلى والملى والشرعى» والذى له أثر على فكره وفكر تلامذته ومنتسبى مدرسته عبر العصور، أى أن المساهمة الكبرى لابن تيمية تتمثل فى إدراكه للوضعية التاريخية للأمة وتقديمه للبديل المتمثل فى تصنيف العلوم وربطه للملى والعقلى وإرجاعهما إلى الشرعى، وهو ما ينطبق على إسلامية المعرفة من حيث تقديمها للنص على العقل والوحى على الفكر وأصول الدين على العلوم، بالإضافة إلى معالجة ابن تيمية لمسألة تلازم النقل والعقل ومنهجه المتميز فى تفسير القرآن، وهو النموذج الذى قام بهدم الفكر (الدخيل) وتقديم البديل وفق منهج فى التعامل مع الوحى والتراث الإسلامى. وعليه فإن الأزمة الفكرية ليست فقط مشكلة المعاصرين، بل هى أيضا مشكلة القدماء من أمثال ابن تيمية، وما على إسلامية المعرفة إلا استحضار ابن تيمية، وبخاصة منهجه القائم على النظر إلى القرآن العظيم باعتباره الكتاب الذى اشتمل على منهجية معرفية كاملة وكافية وقادرة عند من يكتشفها (بالجمع بين القراءتين) على إمداد البشرية بالمفاتيح المعرفية السليمة لكل ضروب المعرفة التى يحتاجها الإنسان فى مجالات العمران والاستخلاف والأمانة.. إلخ. من هنا، فإنه ليس غريبا ولا مفاجئا أن يُعرف فكر ابن تيمية فى أوساط الحركات الإسلامية المعاصرة، حضورا كبيرا من خلال نشر كتبه وترديد ما خلص إليه من فتاوى وتخصيصه بالأبحاث الجامعية، بل نستطيع القول إن ابن تيمية يشكل قاسما مشتركا عند مختلف الحركات الإسلامية، وفكره منتشر فى مختلف مؤسسات التعليم والبحث الجامعى، يدل على هذا عدد الرسائل الجامعية المخصصة لفكره، وبخاصة فى أقسام العقيدة والفلسفة.