الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"مولد العريان".. في حماية الشعب والأمن

دير برسوم العريان
دير برسوم العريان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أرقام
20 عامًا عاشها مع الثعبان في مغارة بجوار الباب البحري بالفسطاط
60 عامًا عمره على الأرض اجتهد في التعبد والصلاة أكثر من منتصفها
10 سبتمبر ١٣١٧ رحل عن عالمنا 
30 يناير البابا شنودة افتتح مستشفى الدير لخدمة أهالي المنطقة
300 طفل يخدمهم دير العريان من خلال دار حضانة
250 طالبة مغتربة تلجأ إلى السكن في دار العريان

يمكنك رؤية منارة كنيسته العالية من مسافة بعيدة، سواء من طريق الأوتوستراد أو كورنيش حلوان، ومع الاقتراب من باب الدير، تجد سيارات وناقلات ركاب متراصة بجوار السور الخارجي. 
ومع دخول الدير وبالاقتراب من الكنيسة الأثرية الموجود بها المزار الذي به رفات جسد صاحب الدير الأنبا برسوم العريان، تسمع أصوات المُصلين رافعين الشموع أمام أيقونة كبيرة للأنبا برسوم، مرتلين مديح حمل اسم «أنبا برسوم العريان وحكاياته مع الثعبان».

إجراءات أمنية
تجولت «البوابة» داخل الدير في الأسبوع الأول من نهضته، التي تنعقد وسط إجراءات أمنية مشددة داخل الدير وفي محيطه، حيث استقرت مدرعتان للشرطة وعدد كبير من جنود الأمن المركزي، أيضًا تم تركيب كاميرات للمراقبة لأسوار الدير، بالإضافة لأربع بوابات إلكترونية، تم وضع اثنتين منه قبل الدير بأكثر من ٥٠ مترًا واثنتين أخريين أمام البوابة الرئيسية؛ حيث بدأ دير الأنبا برسوم العريان الشهير بدير «العريان» بحي المعصرة، بمدينة حلوان، جنوب القاهرة، إجراءاته واستعداداته للاحتفال السنوى بنهضته التى يتم تنظيمها من ٩ سبتمبر حتى ٢٧ من نفس الشهر.
تراجع الزيارات 
حتى سنوات قليلة ماضية، كان يتم تنظيم نهضة الأنبا برسوم، في حضور الأنبا بسنتي، أسقف حلوان والمعصرة، ورئيس الدير، وسط آلاف من أبناء المنطقة والرحلات الكنسية، التي يستضيفها من عدة كنائس من خارج القاهرة. إلا أن الوضع اختلف هذا العام، من حيث ندرة الرحلات أو غيابها حتى الأسبوع الأول من نهضة الدير، وذلك عقب تعليمات البابا تواضروس للكنائس والأديرة بتوقف الرحلات الكنسية للأديرة لأجل غير مسمى، بعد حادث استهداف أتوبيس دير الأنبا صموئيل بمحافظة المنيا نهاية مايو الماضي. 
وتشمل الاحتفالات التى تُنظم على مدار ثلاثة أسابيع، تقديم عروض فنية ومسرحية على مسرح الدير، وكذلك نهضة روحية وصلاة بشكل يومي يعظ فيها عدد من آباء الكهنة من كنائس مختلفة بالجمهورية يتم انتدابهم في هذه المناسبة. وبحسب راهبات بالدير يقمن بالإشراف على المشاغل اليدوية والمنتجات بالدير، فإن الإقبال على شراء المنتجات هذا العام شهد تراجعًا بنسبة ملحوظة في الفترة الأخيرة. 

قديس مصري 
الأنبا برسوم الذي يحمل اسمه الدير، هو قديس مصري وُلد عام ١٢٥٧ م من أبوين مسيحيين لم يرزقا بأولاد إلى أن وهبهما الله «برسوم»، والذي يعني «ابن الصوم» بالسريانيّة. 
أبوه يعمل الوجيه (مفضل) كاتب شجرة الدر، توفى والده وبعد عام توفيت والدته، فطمع خاله في الميراث.
أما «برسوم» فلم يدخل مع خاله في خصومة، وإذ حاول بعض أقاربه أن يثيروه ليقاضي خاله رفض تمامًا، وقصد «برسوم» كنيسة مرقوريوس بمصر القديمة بحارة البطريرك وسكن مغارة مظلمة تحت الأرض مدة عشرين سنة، وكان طعامه فولًا مبلولًا بماء مالح، ثم خرج من المغارة إلى الكنيسة متحملًا الحر والبرد حتى اسود جلده، وفي الاضطهاد الذي تعرض له المسيحيون في ذلك الوقت، قُبض على «برسوم» أسبوعًا ثم أفرج عنه فقصد «دير شهران» (المعصرة حاليًا) وأقام فوق سطحه شبابه عاريًا نحو ١٥ سنة.

المقريزي: «شهران» كان من حكماء النصارى
اكتشاف بئر أثرية داخل الدير في عهد الأنبا بولس
النبي موسى ولد في المعصرة.. وألقته أمه في البحر داخل تابوت
دير «شهران»، وهو الاسم القبطي القديم للمعصرة، والتي وصفها الشيخ المؤتمن أبو المكارم سعد الله بن مسعود، فقال في كتاب الكنائس والأديرة: «شهران قرية كبيرة كانت عامرة على شاطئ البحر، ويذكر أن موسى النبي عليه السلام ولد فيها، ومنها ألقته أمه إلى البحر في تابوت خشبي، وشهران من المزارات الجليلة المقصودة لحسن وضعها وإشرافها على النيل».
ويقول العلامة المقريزي عن وصف الدير، «هو مبنى بالحجر واللبن، وبه نخيل، وعدة رهبان، ويقال إنما هو دير شهران، وإن شهران كان من حكماء النصارى.
 وقيل عنه إنه كان ملكًا، وكان هذا الدير يعرف قديما بمرقوريوس، الذي يقال له مرقورة ولما سكنه «برسوما بن التبان» عرف بدير برسوما، وله عيد يعمل في الجمعة الخامسة من الصوم الكبير، فيحضره البطريرك وأكابر النصارى وينفقون فيه مالًا كبيرًا.
أما عن تاريخ المنطقة التى يقع بها الدير، وهي المعصرة (شهران) بحلوان، فكانت حلوان قديمًا يطلق عليها اسم حلوان البلد التي كانت تقع على الشاطئ الشرقي من النيل بين غابة كثيفة من أشجار النخيل، وأطلق عليها بعد ذلك «حلوان الحمامات»، فهي امتداد لحلوان البلد، وكانت مبانيها تمتد من شاطئ النيل إلى سفح الجبل الشرقي، ويذكر أن حمامات حلوان بنيت في العصر الفرعوني ثم اندثرت، وأعيد بناؤها في العصرين الروماني والعربي، فحلوان كانت تتميز بالعيون الطبيعية.
أما عن منطقة المعصرة أو «دير شهران» فقديمًا كان لها بستان مساحته تسعة أفدنة يقصده الأعيان للنزهة والرياضة، وكانوا يقصدون الدير أيام الصيف للتمتع بالنيل، وأطلقوا عليه «العليل» في زمن الفيضان، وسمي دير شهران فيما بعد باسم دير أنبا برسوم. 
وعمره البابا كيرلس الخامس حتى أنه أنشأ فيه قصرا كان يقيم فيه طوال فترة الصيف ويوجد بالدير مجموعة من أشجار النخيل والجميز يرجع تاريخها إلى مئات السنين.
كما تم اكتشاف بئر أثرية داخل الدير في عهد الأنبا بولس، عندما كان يقوم بتجديد بعض مبان في الدير، والبئر ذات فوهة من حجر الجلمود الأحمر، الذي لا يتأثر بالماء وفمها مغطى بطبقة من البلاط المعصراني السميك، ويرجح أن هذه البئر كانت خاصة بالرهبان الذين كانوا يسكنون في هذه البقعة عندما كان الدير عامرا بهم.

الشجرة «الثالوث» الأثرية
توجد داخل الدير نخلة مُعمرة، نمت بثلاثة أفرع، قيل عنها إنها معجزة الثالوث المقدس، وتم وضعها داخل سور حديدي وتثبيتها بألواح خشبية وأعمدة حديدية بعد دخولها مرحلة الانتهاء، وتم تصويرها وطباعة صورها داخل مكتبة الدير.
ودائمًا ما تظهر الشجرة الثلاثية والثعبان ومبنى الدير، خلف الأنبا برسوم، في جميع صوره المطبوعة والأيقونات واللوحات التي تحمل صورة صاحب الدير والمسمى باسمه.

مشاغل يدوية وحرفية
يحتوي الدير على عدد من المشاغل اليدوية وورش التصنيع يعمل بها الشابات والشبان، ويشمل المشغل الأول إنتاج القماش القطن، وهي من أقدم الورش في الدير، فبدأ العمل بها ١٩٩٦، أيضًا يوجد بالدير منافذ بيع لمنتجاته سواء داخل أسواره أو خارجه. 
بالإضافة إلى ورشة لإنتاج الهدايا الخشبية بالحرق على الخشب، وبراويز، وميداليات، وتقوم بصنع منتجات أكلريك، وأيضًا أدوات للكهنة مثل الصلبان، والورشة تبيع بالجملة والقطاعي.
ومشغل الملابس الحريمي والرجالي والأطفالي، والتيشيرت الجيل والطباعة على التيشرتات، وهو المشغل الثالث وتعرض منتجاته بمعرض الدير فقط. مشغل تفصيل وتطريز الملايات، مشغل المشغولات اليدوية، والتي تشرف عليه تاسونى إليصابات، وأنشئ مع بداية دخول الأنبا بسنتي للدير أي في ١٩٨٩، وبدأنا بقسم التريكو؛ حيث توجد ماكينتن للتريكو وينتج هذا القسم شال الآباء الكهنة وجواكيت وبدل تريكو. 
هناك أيضًا عدة ورش بالدير؛ حيث توجد ورشة نجارة لمنتجات الكنائس مثل: حجاب الهيكل، والمنجلية، ودكك الكنائس، ومقصورة أجساد القديسين.
 ورشة الحدادة تنتج أعمال الكاريتال والفرفورجية، وورشة تصنيع البلاط لإنتاج الموزايكو، وبلاط الرصيف، وجميع أنواع البلاط، يوجد بالدير أيضًا مرسم للأيقونات القبطية والموزايكو والزجاج المعشق، ومعرض الأيقونات القبطية والزجاج المعشق.

خدمات الدير بيوت للمكرسات.. والمكفوفين 
كان البابا كيرلس الخامس يحب دير الأنبا برسوم، وكان يقضى فيه فترات خلوة كثيرة، ولقد اهتم هذا الأب البطريرك بترميمه، ثم أقام بيتا للضيافة بجواره، واهتم البطريرك آنذاك بزراعة حديقة الدير؛ حيث كانت هناك أرض على النيل مزروعة بأشجار النخيل، فبنى عليها كنيسة باسم مار جرجس، كما ألحق بها بيتا لسكن الكاهن.
كما اهتم الأنبا بسنتي، رئيس الدير، بتعميره؛ حيث أقام بيتا للمكرسات واهتم ببناء استراحة كبيرة للزوار وبوابة كبيرة عالية.
كما قام قداسة البابا شنودة الراحل بافتتاح مستشفى خيرى فى ١٩٩٥ بحضور عدد كبير من الوزراء والمسئولين، ويخدم المستشفى أهالي الحي من المسلمين والمسيحيين. 
وافتتح داخل الدير أيضًا بيت للمكفوفين في عام ٢٠٠٠، ويهتم برعاية ومساعدة المكفوفين فى التعليم، بالإضافة إلى بيت للأطفال المعاقين ذهنيًا، وافتتح عام ١٩٩٦.

البابا شنودة: القديس كان رمزاً لعاشقي «الجهاد الروحي»
ثعبان شارك «العريان» حياته.. وكانا يأكلان من وعاء واحد
نعود إلى «برسوم» الذي بعد وفاة والديه وخروجه من الحبس، انطلق خارج الفسطاط ليعيش في مغارة، مُتحملًا حر الصيف وبرد الشتاء، غير مبالٍ بما يصادفه من مخاطر البرية. 
عاش خمس سنوات في حياة نسكية جادة مع صلوات وسجود بلا انقطاع، يرتدي قطعة من الصوف (عباءة صوف) لم تكن كبيرة لتستر جسده كله، وكان جزءا من جسده مكشوفًا في حر الصيف وبرد الشتاء، ولهذا أطلق الناس عليه اسم «العريان».
أرشده الله إلى كنيسة الشهيد أبي سيفين «مرقوريوس» بمصر القديمة، إذ كان بها مغارة بجوار الباب البحري، وكان بها ثعبان ضخم بسببه امتنع الناس من النزول إليها. 
حاول القديس أن ينزل المغارة فمنعه خدام الكنيسة خوفًا عليه، أما هو فمد يديه نحو السماء وصلى وإذ وشم نفسه بعلامة الصليب تقدم نحو الثعبان، فنزع الله من الثعبان طبعه الوحشي، وصار مرافقًا لـ«برسوم» في المغارة حوالي ٢٠ عامًا.
قال البابا شنودة الثالث عن الأنبا برسوم العريان: «القديس العظيم برسوم العريان علامة واضحة لطالبي الملكوت ونموذج حي للذين يحبون الجهاد الروحي، والقديس لم يكن كاهنًا ولا راهبًا ولا شماسًا، ولكنه كان مثالًا رائعًا لحياة الجهاد والسعي إلى خلاص النفس».

«بسنتي».. أسقف حلوان ورئيس الدير
«بسنتي» من مواليد ٨ يوليو ١٩٤١، بمركز الصف بمحافظة الجيزة، حصل على بكالوريوس زراعة جامعة القاهرة عام ١٩٦٢، وعمل باحثًا في مركز البحوث الزراعية لمدة ثماني سنوات.
 بدأ الخدمة في كنيسة الأنبا أنطونيوس بشبرا، وتمت رهبنته في دير أبو مقار في مايو ١٩٧٠، ثم توجه لدير الأنبا بيشوي في أغسطس ١٩٧١، وفي نوفمبر ١٩٧٢ تمت سيامته قسًّا، وترقى لرتبة قمص في يوليو ١٩٧٥ بدير الأنبا براموس، وأمينًا عامًا للدير في ١٩٧٧.
انتدبه البابا شنودة الراحل للإشراف على كنيسة العذراء بجاردن سيتي في ١٩٧٤.
 ثم مشرفًا روحيًا على الكلية الإكليريكية ١٩٧٥، وانتدب للتدريس بكلية سان مارك بالإسكندرية، وأرسله البابا للخدمة في أستراليا وكندا عام ١٩٧٧.
 وفي ١٩٨٠ عينه البابا شنودة سكرتيرًا خاصًا له، وتمت سيامته أسقفًا عامًا فى يوليو ١٩٨٦، وفي مايو ١٩٨٨ تم تثبيته على كرسي حلوان والمعصرة حتى الآن.