الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الجالية الإندونيسية بالقاهرة.. «العامية» تعرقل تواصلنا مع المصريين (ملف)

طلاب إندونسيين في
طلاب إندونسيين في مصر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
طالب: أتعجب من خطف بعض الشباب القبعة من رأسى.. أنا لم أفعل لهم شيئاً ليقوموا بذلك معى
طالب فى كلية اللغة العربية: تعرضت لسرقة هاتفى داخل المسجد.. واكتفيت بالدعاء على «الحرامى»
طالب: المصريون يتحدثون دائماً وكأنهم غاضبون.. لماذا لا يتحلون بصفات اللين والهدوء
طالبة: أحلم بإعداد كتب بالإنجليزية لتصحيح صورة الإسلام التى شوهها «داعش» و«بوكو حرام» 
ندعم مسلمى الروهينجا.. ونقدم مساعدات مالية وغذائية 
نواجه صعوبة فى استخراج تصاريح الإقامة.. ونتمنى الانتهاء من المدينة الطلابية الخاصة 
3 آلاف العدد التقريبى للطلاب الإندونيسيين فى مصر
72 عامًا عمر العلاقات المصرية الإندونيسية 
1947 وقّعت مصر وإندونيسيا أول معاهدة دولية فى تاريخ الدولة الآسيوية
1.4 مليار دولار حجم التجارة بين مصر وإندونيسيا فى عام ٢٠١٤
600 جنيه.. المبلغ الذى يحصل عليه الطلاب من السفارة لمساعدتهم شهرياً

٨ مشكلات تواجههم
١- صعوبة الحصول على تصاريح الإقامة بسبب الإجراءات الروتينية المعقدة 
٢- التعرض للسرقة فى وسائل النقل والمساجد 
٣- التفتيش الأمنى فى محيط الجامعة ومقر السكن 
٤- إلقاء بعض الأساتذة محاضراتهم باللهجة العامية مما يمنعهم من فهم المادة العلمية 
٥- إتقانهم اللغة العربية الفصحى فقط يعرقل تواصلهم مع المصريين مما يجعلهم «منطوين» على أنفسهم
٦- عدم تلقى مساعدات كافية تمكنهم من العودة إلى بلادهم، خصوصًا أن تكلفة الرحلة الواحدة ١٠ آلاف جنيه 
٧- عدم تمكنهم من الالتحاق بالمدينة الجامعية للأزهر والاضطرار للسكن فى «شقق مفروشة» 
٨- العمل صيفًا للمساعدة فى المصروفات التى تنفقها عليهم الأسرة فى ظل تلقيهم مساعدات من السفارة لا تتجاوز ٦٠٠ جنيه شهريًا
ممسكًا بقلم فى يد، وباليد الأخرى كتاب «أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك»، كان الشاب الإندونيسى إسماعيل أحمد، ٢٢ سنة، يستمع بإمعان إلى درس يلقيه الدكتور محمد حسن، أستاذ اللغة العربية، داخل الجامع الأزهر، ويحرص على تدوين أهم النقاط الواردة على لسان شيخه.
جاء إسماعيل من جزيرة سومطرة الإندونيسية إلى مصر فى ٢٠١٥، درس اللغة العربية بمركز مخصص للطلاب الوافدين إلى القاهرة. 
وفى العام التالى التحق بالسنة الأولى لكلية أصول الدين، جامعة الأزهر. وهو واحد من آلاف الطلاب الإندونيسيين الذين يدرسون بالأزهر. 
يقول الطالب لـ«البوابة»: «مصر مرتبطة لدينا بالأزهر والعلم، لذا لا عجب أن تجد الآلاف من زملائى وأبناء بلدى يدرسون هنا».
يحصل أغلب الطلاب من السفارة الإندونيسية فى القاهرة (أعدادهم تتراوح بين ٣ و٤ آلاف طالب) على مبلغ مالى يتراوح ما بين ٥٠٠ و٦٠٠ جنيه شهريًا، تساعدهم فى دفع إيجار الشقق المفروشة، التى يسكنون فيها مع عدد من زملائهم بمدينة نصر والمقطم والدراسة وغيرها.

العودة للوطن 
ينفق أغلب الطلاب الوافدين من إندونيسيا على أنفسهم، لكنهم غير مضطرين إلى دفع نفقات عالية، بحيث يسجلون فى بداية السنوات الدراسية بمبلغ مالى بسيط (٦٠ جنيها فقط فى العام الدراسي)، وفق إسماعيل، الذى يضيف: «أسرتى ترسل لى الأموال كل فترة حتى أنفق على نفسي. ولارتفاع تكاليف السفر من مصر إلى إندونيسيا لم أذهب خلال هذه الإجازة إلى بلدي، فالرحلة ذهابًا فقط تتكلف ١٠ آلاف جنيه مصرى تقريبًا».
ويواجه إسماعيل وزملاؤه صعوبة فى استخراج أوراق الإقامة من المؤسسات الحكومية المصرية، ويقول: «عندما أمر عليهم فى الجوازات يقولون لى كل يوم. بكرة. بكرة. وهذا أمر صعب على ومرهق»، مشيرًا إلى أن غير حاملى أوراق الإقامة يخضعون للتفتيش من قبل الشرطة سواء فى محيط جامعة الأزهر بالدراسة أو فى محيط السكن. ويواصل: «بعض الطلاب يتم الزج بهم فى السجن، رغم أنهم لا يفعلون شيئًا سوى أنهم جاءوا إلى هنا بهدف الحصول على العلم فقط».
سر القبعة السوداء
نزار ميسوري، طالب فى السنة الثالثة بكلية الشريعة والقانون، يتحدث عن دور بلاده فى تسهيل الدراسة بالأزهر، موضحًا: «يمكننا دراسة اللغة العربية خلال المرحلة الثانوية، وهى ليست مادة إجبارية لجميع الطلاب وإنما اختيارية.. ويمكن أيضًا أن ندرس اللغة الإنجليزية.. دراستى العربية سهلت على المجيء إلى مصر التى قدمت إليها من أجل دراسة العلوم الدينية بالأزهر؛ لأن الدين أهم من أى شيء وهو أساس كل شيء».
وعن سبب ارتدائه وكثير من الإندونيسيين للقبعة السوداء فوق رءوسهم، ينوه إلى أنها معروفة لديهم باسم «قبعة سوكارنو»، وهى التى اشتهر بها أول رئيس لإندونيسيا أحمد سوكارنو، وقد كان زعيمًا فى حركة «عدم الانحياز» التى أسسها جمال عبدالناصر وعدد من الزعماء الآخرين فى خمسينيات القرن الماضي. ويرى نزار أن الدراسة فى الأزهر مختلفة بعض الشيء عن تلك التى تربى عليها فى بلده، «كإندونيسيين نجد اختلافًا بين الدراسة هنا عن بلدنا؛ فعندنا يحضر الطلاب كل الدروس والمحاضرات وتحسب الدرجات على أساس الامتحانات والحضور، أما هنا فالأمر يدعو إلى التعجب، فالحضور ليس له قيمة، النجاح والدرجات يحسبان على الامتحان فقط». وخلال إجازة الصيف يعمل كثير من الطلاب الإندونيسيين فى مطعم إندونيسى بالقاهرة حتى يحصلوا على أموال ينفقون منها على أنفسهم، «لا نريد أن نحمل أسرنا كل الأعباء المالية فنعمل من أجل تغطية مصاريف إقامتنا هنا»، بحسب نزار.

داعية فى بلاد الفرنجة 
يتمنى أحمد حكم، ٢٠ عامًا، يدرس فى السنة الأولى بكلية اللغة العربية، أن ينهى دراسته الجامعية فى أقرب وقت، «لا يمكننى الانتظار من أجل تحقيق حلمى بأن أكون داعية لغير المسلمين فى أوروبا وبالتحديد فرنسا، أدعوهم بالرفق واللين إلى الدخول فى الدين الإسلامي، وأعرفهم حقيقة الدين، بدلًا من الصورة المغلوطة التى تصلهم عبر وسائل إعلام غربية، ومن خلال تصرفات بعض المتطرفين والمتشددين». 
ويعيب «حكم» على مصر وجود بعض المظاهر التى لا يفضلها منها عشوائية نظام المرور فى مصر، مضيفًا، بابتسامة خجولة: «لا يوجد التزام بقوانين المرور، ولا بنظافة كثير من الشوارع، كما أن المصريين يتكلمون دائمًا كأنهم غاضبون، أما نحن فعندنا الهدوء واللين، ولا نعرف طريقة للعيش بغير ذلك».
كما يلفت إلى تكرار حوادث السرقة فى المواصلات وخصوصًا أتوبيسات النقل العام، وأنه تعرض شخصيًا لسرقة هاتفه داخل الجامع الأزهر، ويقول عن هذا الحادث: «حادث عجيب، أن تتم السرقة فى المسجد.. أدعو لهذا السارق بالتوبة، عندنا مثل هذه الحوادث، لكنها ليست بذات الحجم ولا الطريقة التى تتم بها فى مصر».
صعوبة التواصل
يشير كذلك إلى أنه يجد صعوبة فى التواصل مع المصريين، كونهم يتحدثون بالعامية وليس الفصحى. ويتابع: «هناك بُعد فى التعامل مع المصريين؛ لأنهم لا يفهموننا، كما أننا عندما درسنا اللغة العربية درسناها بالفصحى وليس العامية.. ونحاول أن نفهم العامية حتى نتواصل مع أساتذتنا وزملائنا»، لافتًا إلى أن بعض أساتذة الجامعة يشرحون الدروس بالعامية، ما يعوقه عن فهمها. 
وعن تعامله مع زملائه من الطلاب المصريين وغير المصريين، يقول: «فى كلية اللغة العربية، الإندونيسيون عددهم قليل بخلاف كلية أصول الدين مثلًا، لكن التعامل جيد من الأغلبية؛ إلا أنى أتعرض خارج الجامعة إلى مواقف سيئة تسبب له غضبا كبيرا».
ويضيف: «أتعجب من تعرض بعض الشباب لنا، إذ يقومون بخطف القبعة التى نحملها فوق رءوسنا، ولا أعرف لماذا؟ لم نرتكب أى سيئة أو ذنب.. وقد قال لنا شيوخنا أن نتعلم من علم مصر وشيوخها لا من أخلاق أبنائها». 
وبعد انتهاء دراستهم بمرحلة البكالوريوس والليسانس فى جامعة الأزهر يذهب الدارسون الإندونيسيون إلى بلدهم للعمل بهذه الشهادات فى قطاعى التعليم والدين (المدارس والجامعات والمساجد)، إلا أن بعضهم يفضل البقاء فى مصر من أجل إتمام الدراسات العليا، وبعضهم يواصل الحياة فيها، ومنهم من يقيم مع أسرته ويدير بعض الأعمال الخاصة منها المطاعم التى تقدم أكلات إندونيسية مثلًا فى القاهرة والإسكندرية.

المدينة الجامعية.. حلم لم يتحقق
لا يقيم يحيى عبدالله، طالب بالسنة الرابعة فى كلية الشريعة والقانون، فى المدينة الجامعية التابعة للأزهر؛ لأنه غير متاح له وزملائه ذلك، «يوجد سكن جامعى خاص بنا فى الحى السادس بمدينة نصر، لكنه لم يتم الانتهاء منه بعد.. ومن المتوقع أن يجرى افتتاحه العام المقبل». 
أماكن الإقامة 
«المقطم ومدينة نصر والدراسة والزهراء» هى مناطق إقامة أغلب الطلاب الإندونيسيين بمصر، بحسب يحيي، الذى يضيف: «لو حصلنا على سكن جامعى فسيكون ذلك أفضل، هذا يتيح لنا تواصلا مع زملائنا من الدول الأخرى ونطلع على ثقافاتهم، مما يجعلنا نكون شبكة أصدقاء». يسكن يحيى فى شقة مفروشة بمدينة نصر، «أسكن فيها مع عدد من الزملاء وندفع إيجارها من خلال الأموال التى ترسلها لنا أسرنا، وبالمناسبة لا يحصل كل الطلاب على مساعدات من السفارة، وضع أسرتى الاقتصادى يسمح لى بعدم الحصول على النفقات الشهرية من السفارة».
مساعدات لمسلمى الروهينجا 
بخصوص أزمة مسلمى الروهينجا فى ميانمار، يقول طالب الشريعة والقانون: «ما يتعرضون له من قبل الأغلبية البوذية شيء قبيح.. الأزمة سببها أن أغلبية البوذيين لا يريدون المسلمين بينهم ولا يقبلونهم، وبسبب هذه الكراهية يتعرضون للمسلمين بالعنف والاضطهاد ويحاولون طردهم من بلدهم، وبعض الفارين من أهل الروهينجا يلجأ إلينا فى إندونيسيا، ونحاول تقديم المساعدات إليهم قدر المستطاع».
ويذهب بعض الإندونيسيين بأنفسهم إلى ميانمار ليقدموا مساعدات مالية وطبية وغذائية للمسلمين هناك، وفق يحيي، متابعًا: «لو كنا نستطيع السفر لفعلنا، وأقل شيء نفعله حاليًا ونحن بعيدين عن وطننا هو الدعاء وأن يسلمهم الله فى الدنيا والآخرة».

نادى الطلبة 
يمثل نادى الطلبة الإندونيسيين بميدان رابعة فى مدينة نصر، مكانًا لتجمع الطلاب الدارسين فى مرحلة الثانوية أو الأزهريين الجامعيين. ومن خلال النادى يمارس الطلاب أنشطة مختلفة. ويرأس الاتحاد أحد الطلاب، يجرى اختياره من خلال الانتخاب، بحسب ما توضح حسناء محمد، طالبة بالفرقة الرابعة فى كلية أصول الدين، مضيفة: «يمثل الاتحاد وسيلة إعلام صغيرة بالنسبة لنا، نعرف من خلاله آخر الأخبار الخاصة بنا كطلاب، وطرق حل أى مشكلة عامة تواجهنا سواء فى الإقامة أو الدراسة، كما يتم من خلاله إطلاعنا على كل ما هو جديد فى الدراسة، سواء فى التنبيهات بالإجازات أو مواعيد الامتحانات وطرق الحصول على المحاضرات وغير ذلك».
ويقوم الاتحاد بدور فى التواصل مع مشيخة الأزهر والإمام الأكبر فى حال وقع أحد الطلاب فى مشكلة كبيرة تتطلب رفع الأمر إلى المشيخة. وتتابع حسناء: «يتولى النادى إيصال صوتنا إلى شيخ الأزهر، وفى النهاية يتم حلها، خصوصًا إذا كانت أمنية، أو وقعت كارثة لمن لم يتمكن من تجديد إقامته مثلًا، كما أنه وسيلة لإيصال صوتنا إلى السفارة».
ثقافة وترفيه
من خلال الاتحاد، يمارس الطلاب أنشطة ثقافية ورياضية واجتماعية وفنية، وندوات علمية أو دينية، يتم خلالها استضافة شيوخ أزهريين، وعلماء دين أو دعاة إسلاميين (مصريين وغير مصريين)، بالإضافة إلى القيام برحلات إلى المدن المصرية الأثرية والساحلية مثل: الإسكندرية والغردقة والأقصر. كما يشارك الاتحاد فى فعاليات مشتركة بين السفارة الإندونيسية والجانب المصري، مثل مشاركته فى «اليوم المصرى الإندونيسي» الذى أقيم بمركز شباب الجزيرة فى القاهرة قبل أيام بمناسبة مرور ٧٠ عامًا على العلاقات الدبلوماسية المصرية- الإندونيسية.
وفق حسناء، تساعد السفارة الطلاب على القيام بالأنشطة المختلفة من خلال تقديم مساعدات مالية لهم، أو توفير وسائل نقل فى حالة الرحلات، بالإضافة إلى أن بعض الطلاب من ميسورى الحال والمستطيعين يقدمون الأموال لإدارة الاتحاد من أجل الاستمرار فى أنشطة وفعاليات يستفيد منها جميع الطلاب.

صحيح الدين.. بالإنجليزية
تهتم حسناء بجانب دراستها فى كلية أصول الدين، بدراسة اللغة الإنجليزية والتفوق فيها، وتقول: «تعلمت العربية فى الثانوية العامة فى إندونيسيا، وأسعى حاليًا إلى تطوير لغتى الإنجليزية.. العربية مهمة من أجل حفظ القرآن والدراسة بالأزهر والاطلاع على أمهات الكتب التى دونها علماء مسلمون؛ لكنى أركز على الإنجليزية من خلال مشاركتى فى دورة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة؛ لأنها اللغة الأشهر والأكثر انتشارًا حاليًا، كما أن كثيرًا من معتنقيها لا يعرفون عن الدين الإسلامى شيئا».
وتحلم الطالبة بإعداد كتب بالإنجليزية لتصحيح صورة الدين الإسلامى ومن ثم نشرها فى الولايات المتحدة وأوروبا، «لأن هؤلاء لا يفهمون ديننا، وقد شابت صورته الكثير من الأخطاء بسبب تنظيمات متطرفة ترتكب العنف وتقتل الأبرياء، وتزعم انتسابها إلى الدين الإسلامى مثل (داعش) المنتشر فى الدول العربية و(بوكو حرام) الذى يخطف ويشرد النساء والأطفال فى نيجيريا، لكن الإسلام فى الأصل دين تسامح ومحبة، وما كان ليصلنا فى جزر إندونيسيا لولا أنه كذلك».
وتشير حسناء إلى أن أحد أسباب عدم التحرك الدولى تجاه مسلمى الروهينجا، واستمرار «بطش الجيش البورمي» لهم، هو غياب بيانات الإدانة بالإنجليزية، وعدم وجود إعلام إسلامى قوي، مقترحة أن تتولى مشيخة الأزهر إنشاء مؤسسات إعلامية كبرى تكون ناطقة باللغات الأجنبية مثل: الإنجليزية والفرنسية والصينية والألمانية، توفر معلومات عن الدين الإسلامى والتجديد الذى يحدث فيه، وأبرز النماذج الناجحة التى اعتنقته على مدار التاريخ «حتى يفهم العالم كله ما يتعرض له المسلمون، فلو أن ما يحدث فى ميانمار كان الضحايا فيه غير مسلمين لتحرك مجلس الأمن والأمم المتحدة وكل القوى الدولية الكبرى، أما لأنهم مسلمون فلا أحد يلتفت، أو يحرك ساكنًا».